-
ماذا يفعل ثوري المحرقة؟ وماذا يفعل حميدتي والبرهان داخل الحلبة وماذا يريدون من السودان؟
منذ استقلاله إلى اليوم لم يستقر السودان ولم يرَ أهله طعم الراحة والأمان، ولم يروا شيئاً من نعيم وخيرات بلدهم التي لا وصف ولا حصر لها ولا عد، ومن عسكرتارية الاستعمارية إلى عسكرتارية الوطن التي لا تُجيد سوى صناعة الجحيم والخراب الموصوف لعامة الشعب وقواه الحرة المناضلة فقط، أما النعيم فللصفوة وزمرهم فقط، وما جرى في السودان ويجري أبعد كل البعد عن منطق الصراع من أجل الوطن والشعب وإنما صراع أُمراء حرب امتهنّا الموت على طريق الامتيازات ويتصارعان اليوم كـ ثوري محرقة أيهما يدفع بالآخر نحو المحرقة كي يبقى هو جالس أُلعوبة في القصر مطيعاً يلبي المطالب ويحقق الامتيازات والمكاسب.
الأمر لا يحتمل الصمت والنأي بالنفس.. وكل التحية لمن يقف مع السودان في التخلّص من الوباء الذي ألمّ به، ولا يليق للسودان سوى أن يبقى موحداً كريماً، ولا جدوى من مساعي ومخططات تقسيم السودان إلى دويلات يسهل استغلالها والفتك بها كما فعلوها مع دول المستعمرات التي ما تزال تعاني تبعات جرائم المستعمرين، واستعمار اليوم أكثر مخاطر من الاستعمار الكلاسيكي، وكرامة السودانيين وحرمة دمائهم وأرائهم وأموالهم فوق وفي مقدمة كل شيء.
بداية وفي مقدمة القول لا يعنينا فيما يجري في السودان سوى الشعب السوداني شقيقاً وصديقاً كما يحلو لأبناء السودان أن يسمون انتماءاتهم، أما بالنسبة لنا فكلهم على مختلف مكوناتهم أشقؤنا وأحبتنا، والشعب السوداني هو الدولة وهو السيادة وهو القرار والمصير.. أما من اختارا أن يكونا ثوري المحرقة ويتقاسمان النعيم واختصما عليه وقَبِلا بأن يكون في الدولة الواحدة جيشان يعملان بلغة الميليشيا ولكل منهما دولته الخاصة دولةٌ لحميدتي الذي لا حد لطموحه، وأخرى للبرهان الذي يقول إلا كرسي الرئاسة، ويقتتلان دون اكتراث بشعب أو بدولة أو بثورة أو بما قد يؤول إليه الحال فقد اختارا الحكم على نفسيهما، وفي مثل حالتهم حيث لا يكترثون بدماء وأموال الناس وكرامتهم، وقد هزت مشاعرنا نداءاتهم واستغاثاتهم على أبنائهم وأموالهم وحياتهم والتزاماتهم القانونية تجاه الدولة وبعضهم البعض.. هنا يمكنني القول إن كليهما لا يستحقان الوجود في السودان ولا يستحقان شرف الوطنية فيه، وهذا هو مصيرهما الذي صنعاه بأيديهما ولم نتجنَّ عليهما ولم يتجنَّ عليهما أحد وقد صبر عليهما الشعب السوداني صبر أيوب.
ثوري المعركة والمحرقة حميدتي والبرهان هما للمحرقة، ولكن ليحترقا هما ومن خلفهما بعيداً عن السودان وأهله، سنين من الاحتيال على الشعب وتقاسم السلطة وكل منهما إمبراطور في موقعه وله إمبراطوريته وأهله وله ارتباطاته الخارجية. دولتان خائبتان بثوب العار في عاصمة واحدة، لكن الحق أبي عزيز لا بد أن ينتصر ولا بد أن يُظهر الباطل ويُنهي مشروع الاحتيال الذي قاما به وتناطحا عندما هدد كل منهما الآخر، وتهادن كل منهما ليعطيا فرصة للدول لإجلاء رعاياها ويتفرغا لقتل الشعب السوداني الذي يكترثان لوجوده.. ومن المستحيل أن يكون أحدهما أو كلاهما منتمياً بصدق وإخلاص للجيش الوطني السوداني وراية الشعب، وكلاهما تاجر وصاحب مصالح وأطماع خاصة، والتاجر لا وطن له ولا دين له، وهكذا تولى أمر السودان من لا يصلح، وهذا لا يعني أن الأيام السابقة وما قبلها كانت أصلح لا بل كانت هي المؤسس لثقافة النهب والسلب وإساءة استغلال السلطة، والخراب والدمار والتشريد والفقر والجوع في بلد خيره يغطي أمة بأكملها، ولم تجلب هذه البزة ومن تصدر بها سوى الهلاك للسودان الكبير.
لقد كشفت هذا الحجم الكبير لعمليات الإجلاء الجزئية التي تمت وتتم من السودان عن هول الكارثة، وما وراء كواليس هذا الإجلاء الكبير أبشع مما تعرضه وسائل الإعلام، وحملت كل دولة رعاياها ورعايا غيرها وملايين السودانيين الأبرياء قابعين في الجحيم أو ساقهم القدر إلى ذلك، واليوم هاهم في بقاع النزوح واللجوء وبؤسه، خاصة وأن مناطق النزوح الداخلية مهددة أيضاً باندلاع قتال وتخشى هيئات الإغاثة من العمل في البيئة الداخلية بالسودان بسبب الاقتتال الطائش بين أباطرة العسكر، فبعد قتل موظفي الأمم المتحدة وغيرهم من الموظفين الدوليين والتعرض للطيران المدني للدول يبعث برسالة خاصة بأن الكل مستهدف في السودان والمطلوب تفريغ ساحة المحرقة إلا من المدنيين السودانيين الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم لم يحرقوا هذه البزّة غير المسؤولة التي لم تحمِ سيادة ولا علماً، ولم تصن كرامة ولم تحترم ثورة السودانيين وشهدائهم وتضحياتهم.
يقول العزيز الكريم في كتابه الحكيم (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفء إلى أمر الله) سبحانه جلّ وعلا، ولكن ثوري المحرقة لم يقتتلا فحسب بل وقتلا أيضاً واعتديا، وبالرغم من أن المساعي العربية للإصلاح مساعٍ حميدة تستحق الإشادة إلا إن مطالبها يجب أن تكون حازمة حاسمة لأجل السودان وشعبه فقط وليس من أجل أمراء الحرب وأصحاب الامتيازات هؤلاء.
تتكشف الحقائق يوماً بعد يوم لتُلحق العار بمن تآمروا على السودان وأهله داخل السودان وخارجه، وسيكون السودان بخير وسيبقى كبيراً عزيزاً ببركة أبنائه المخلصين والصادقين من أبناء الأمة، وكل المحبة والإجلال للسودان وأهله.
ليفانت - د. محمد الموسوي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!