الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
ماذا تبقّى .. لنظام ولاية الفقيه في الداخل والخارج
الملف النووي الإيراني \ تعبيرية \ متداول

نظام ولاية الفقيه في إيران، الذي نشأ بعد سلب الثورة الوطنية الإيرانية عام 1979، استند إلى مبادئ الحكم الثيوقراطي، حيث يتولى الفقيه الأعلى القيادة السياسية والدينية. وشكل تحولاً جذرياً في المشهد السياسي الإقليمي والدولي. هذا النظام الفريد، القائم على زعم ولاية الفقيه الجامع للشرائط على جميع شؤون الدولة والمجتمع، وقد شهد صعوداً وهبوطاً، وتعرض لتحديات داخلية وخارجية متعددة. بعد مرور أكثر من أربعة عقود يواجه هذا النظام الفاشي اليوم تحديات متزايدة داخلياً وخارجياً، مما يطرح السؤال: ماذا تبقّى لنظام ولاية الفقيه في الداخل والخارج؟

الوضع الداخلي: الاقتصاد والأمن والرفض الشعبي للنظام في مقدمة التحديات

اقتصادياً يعاني الاقتصاد الإيراني من أزمة عميقة، تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وتدهور قيمة العملة الوطنية. هذه الأزمة لها جذور عميقة، تتعلق بسياسات النظام الاقتصادية الخاطئة، والعقوبات الدولية المفروضة على إيران، فضلاً عن تدهور البنية التحتية ونقص الاستثمارات. مما أثار استياءً واسعاً، لا سيما في ظل التفاوتات الطبقية وزيادة الفجوة بين الطبقات الغنية والفقيرة، حيث يعيش غالبية الشعب الإيراني تحت خط الفقر. والفساد المستشري يعتبر من أبرز المشاكل التي تعاني منها إيران، حيث يشمل مختلف القطاعات الحكومية والاقتصادية. وقد أدى هذا الفساد إلى انعدام الثقة الشعبية بالنظام، بالإضافة إلى ضعف قدرته على تحقيق أي نوع من التنمية المستدامة. وقد كان الرفض الشعبي ردا على فشل النظام وحكوماته المتعاقبة في تحقيق أي نجاح يذكر أو حتى احتواء جماهير الشعب المنتفضة حتى بات الشعب ينتفض رافضا النظام برمته معبرا عن ذلك بالاحتجاجات الشعبية المتكررة التي تشهدها إيران منذ سنوات، والتي تطالب بتغيير النظام، وتحسين الأوضاع المعيشية، واحترام الحريات الأساسية. هذه الاحتجاجات تظهر مدى عمق الاستياء الشعبي من النظام، وتشكل تهديداً مباشراً لاستقراره. والانقسامات الداخلية الحادة التي يعاني منها نظام الملالي بين التيارات المتشددة والمعتدلة، وبين الأجهزة الأمنية المختلفة. هذه الانقسامات تضعف النظام وتجعله أقل قدرة على مواجهة التحديات الخارجية. وصراع السلطة والنفوذ داخل النظام بين الفصائل السياسية المتنافسة، حيث يتنافس المحافظون المتشددون وما يسمونهم بـ الإصلاحيين على النفوذ. على الرغم من سيطرة المتشددين بقيادة خامنئي على النظام، إلا أن هناك تباينات كبيرة بينهم حول سبل إدارة البلاد والسياسة الخارجية، مما يعكس تشتت الرؤية وعدم القدرة على توحيد الصف الداخلي.

التحديات الخارجية

لا تمثل العقوبات الدولية التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات اقتصادية فعلية على النظام الإيراني والتي في ظاهرها أنها بهدف الضغط عليه للتخلي عن برنامجه النووي ووقف دعمه للميليشيات في المنطقة. لكن هذه العقوبات في واقع الأمر تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني وتسحق الفئة الأعظم من الشعب الإيراني ولا تؤثر على النظام خاصة في ظل الدعم المالي والسياسي الذي يتلقاه من الغرب بشكل غير مباشر، وتزيد من معاناة الشعب الإيراني، وتُلقي بظلالها على دول المحيط العربي، حيث تشهد علاقات النظام الإيراني توترا مع دول الخليج العربي من توترات شديدة بسبب دعم نظام الملالي للميليشيات الشيعية في المنطقة، وتدخله في الشؤون الداخلية للدول العربية. ونشره وترويجه للمخدرات بالدول العربية، إذ تشهد المنطقة فتنة إقليمية حادة يؤججها الملالي بالمنطقة حيث تجاوز الصراع حدود الصراع المذهبي وبلغ مبلغ تهديد الهوية والوجود.

العزلة الدولية: تسبب النظام الإيراني في خلق عزلة دولية بسبب سياساته العدائية وتدخله في شؤون الدول الأخرى، مثل العراق، سوريا، اليمن، ولبنان، إلى جانب دعمه لحركات مسلحة. وكانت نتيجة هذه السياسات أن تسببت له في عزلة إقليمية ودولية قاسية، ووضعت قيودا على أي تعاون اقتصادي أو دبلوماسي مع نظام الملالي.

كما كانت جهود وفعاليات المعارضة الوطنية الإيرانية وعلى رأسها "منظمة مجاهدي خلق" والمقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي التي تنادي بالإطاحة بالنظام وتقدم بديلاً ديمقراطياً يمثل الجميع، وقد كثفت نشاطاتها سواء في الداخل أو الخارج، وأصبحت تشكل تحدياً كبيراً للنظام العامل الأكبر والأهم في فرض حالة من العزلة الداخلية والخارجية على نظام ولاية الفقيه حيث عملت وتعمل على فضح انتهاكاته وتحفيز الرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي ضده الأمر الذي أدى إلى اختناق النظام.

ماذا تبقى للنظام؟

في ظل التحديات المتصاعدة، يحاول النظام الإيراني الحفاظ على بقائه من خلال مواجهة الرفض الداخلي بالقمع إذ يعتمد النظام بشكل أساسي على الأجهزة الأمنية لقمع أي معارضة داخلية بالاعتقالات التعسفية وقمع المظاهرات وتقييد حرية التعبير مما يعطيه نوعاً من السيطرة الآنية على الوضع الداخلي رغم تصاعد الغضب الشعبي. وأما تصدير الأزمات إذ يتبنى النظام استراتيجية تصدير الأزمات عبر إشعال النزاعات الخارجية وتشتيت الانتباه للهروب من الأزمات الداخلية، وتمنحه هذه السياسة بعض النفوذ الإقليمي، لكنها تبقى سياسة غير مستدامة ومهددة في أي لحظة بانهيار شامل، وقد استخدم نظام ولاية الفقيه سياسة التلاعب بالعقائد الدينية كوسيلة للسيطرة الفكرية والسياسية على الشعب في الداخل وفي المنطقة والعالم لتعزيز هيمنته وتوسعة نفوذه، أما اليوم فبعد افتضاح مؤامراته الإقليمية وخذلانه لحلفائه وأدواته الإقليمية والتضحية بهم فلم يعد له من يؤمن به عقائدياً على صعيد إقليم الشرق الأوسط بعد دمار غزة ولبنان وبيع قادة حماس وحزب الله. فماذا تبقى له؟

هل اقتربت ساعة سقوط ملالي إيران.. وهل سيسمح الغرب بسقوطهم؟

مع استمرار الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إيران وتزايد حدة القمع والتضييق من قبل النظام الحاكم وفضائح الملالي إقليميا، تعود إلى الواجهة التساؤلات حول إمكانية سقوط نظام الملالي في طهران، ومدى استعداد الغرب لقبول هذا التغيير الجذري في الشرق الأوسط بعد ما شهدته إيران خلال السنوات الأخيرة من حركات احتجاجية واسعة ومتكررة، تميزت بشعار واحد: "الموت للديكتاتور"، مطالبين بالحرية والعدالة وإنهاء نظام الجمهورية الإسلامية. فهل اقتربت ساعة سقوط هذا النظام؟ وما هو موقف الغرب من هذا التحول؟ هل سيقبل الغرب الحذِر والمتردد في ظاهره، والمهادن في حقيقته بسقوط النظام؟ فالغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وأوروبا يعلن أن النظام الإيراني يمثل تهديداً للمنطقة، إلا أن هناك عدة عوامل غير مُعلنة تجعله متردداً في اتخاذ خطوات جذرية لدعم المعارضة علنًا أو السعي لإسقاط النظام، وتتمثل هذه العوامل في سعي الدول الغربية إلى الهيمنة على المنطقة بواسطة نظام الملالي.

د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!