الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
ليفانت تكشف كيف تم استدراج مازن حمادة إلى دمشق
ليفانت تكشف كيف تم استدراج مازن حمادة إلى دمشق

إعداد وتحرير: صادق عبّارة


كما مثّلت واقعاً موازياً للاحتجاج والتدوين، تعتبر وسائل التواصل من أشد ساحات الصراع بين مختلف السوريين مع الأحداث اليومية الراهنة أو مع بروز قضايا خلافية، ويبدو جلياً كيف ذهب السوريون لاستخدامها مسرحاً لمحاكمات مفتوحة، يحضر فيها الشهود والادعاء والدفاع ويكون فيها الجميع قضاة، في غياب المتهم نفسه، والذي يحرم من الإدلاء بأقواله أو فرصة الدفاع عن نفسه. ولعل أبرز ما تم تداوله خلال الأيام الماضية كانت عودة الناشط والمعتقل السابق في سجون الأسد "مازن حمادة" إلى سوريا، وذلك بعد سنوات من النشاط الحقوقي والشهادات التي قدمها عن فظائع التعذيب في معتقلات الأسد.



من هو مازن حمادة؟

مازن بسيس الحمادة، شاب من مدينة دير الزور، مع انطلاق الثورة السورية تعرّض للاعتقال ثلاث مرات، كانت الأولى في نيسان/2011 على يد فرع أمن الدولة بدير الزور، ودامت نحو أسبوع، ثم تلتها فترة أخرى نهاية كانون الثاني/2011 من قبل الفرع نفسه، وذلك من قبل أحد الحواجز أثناء عودته إلى دير الزور قادماً من دمشق، ثم كان الاعتقال الثالث والذي كان الأطول وفيه تعرض لأبشع أنواع التعذيب، فكان مطلع آذار/2012، من قبل عناصر من المخابرات الجوية في دمشق وتحديداً في مقهى "ساروجة" وسط دمشق، ليقتادوه بعدها إلى معتقل مطار المزة، وذلك تبعاً لشهادات أدلى بها لــ مركز توثيق الانتهاكات في سورية.



في أعقاب وصوله إلى هولندا، وحصوله على حق اللجوء، نشط حمادة حقوقياً وسياسياً بشكل كبير لتسليط الضوء على ملف المعتقلين، وخرج على شتى وسائل الإعلام الغربية  متحدثاً عن فظائع ما يجري في معتقلات الأسد، وقدم شهادات حول تجربته البشعة التي تعرض لها إبان اعتقاله، وشارك في العديد من المناسبات والمؤتمرات التي ساهمت في فضح الأساليب الوحشية التي ينتهجها نظام الأسد بحق معارضيه.



مازم حمادة بعد خروجه من المعتقل عام 2013 مازم حمادة بعد خروجه من المعتقل عام 2013

 


ما الذي حدث لمازن:

في حديث خاص لـ "ليفانت"، قال زيادة حمادة شقيق مازن الأكبر، والمقيم كلاجئ في ألمانيا، بأن مازن عانى من أزمة نفسية جراء ظروف اعتقاله، ازدادت حدتها رغم وصوله إلى هولندا لاجئاً عام 2014 .لافتاً إلى أن شقيقه توقف عن زيارة طبيبه النفسي الذي وفرته له السلطات الهولندية في أعقاب وصوله، وامتناعه عن الالتزام بالتعلميات والنصائح والأدوية التي منحه إياها طبيبه الخاص. 



وكشف شقيق مازن لــ "ليفانت"، بأن من أشد الآثار النفسية التي عجز مازن عن تجاوزها، والتي دفعته لتدخين المواد المخدة بداية، وإدمانه المخدرات مع منتصف 2018، كانت تعرض مازن "للخصي" خلال التعذيب الذي مارسته المخابرات السورية إبان اعتقاله. موضحاً أن تعاطيه المخدرات زاد من أزمته النفسية، لافتاً إلى أن السلطات الهولندية قامت بوضعه في حجر صحي جراء اضطراباته وإدمانه، والذي فر منه لاحقاً. وأضاف بأن الإدمان كان سبباً بوقوع مازن بأزمة مالية مع منتصف 2019، فقد على إثرها منزله وجميع أثاثه ومقتنياته الشخصية كحاسوبه وحتى ثيابه بعد أن قررت شركة تأجير المنازل طرده والحجز على جميع ممتلكاته، بعد تخلفه عن تسديد أجور المنزل التي بلغت (4800 يورو).



وأكد زياد بأن كل تلك الأزمات والظروف لم تمنع مازن من الاستمرار في نشاطاته الحقوقية التي كانت تمثل هدفه. موضحاً بأنه كان دائم التردد إلى ألمانيا للمشاركة في الظاهرات والاعتصامات التي ينظمها اللاجئون. حتى وهو شبه فاقد لعقله والقدرة على التفكير. 



حديثه مع الرئيس الأمريكي!!

وذكر زياد بأن مازن قدم لزيارته نهاية تشرين الثاني 2019، بقي خلالها مقيماً نحو شهرين ونصف، وذلك بعد فقدانه منزله وعدم امتلاكه أي وثائق صالحة التي منح إياها من السلطات الهولندية. ولفت إلى أن مازن كان يجلس ساعات طويلة بمفرده، وكان ينام أقل من ساعة يومياً. وتابع: "دخلت غرفة مازن، لقد كان لا يدرك الموجودين من حوله، يتحدث بصوت مرتفع كأنه يخاطب عدة أشخاص، يحدثهم عن ضرورة الإطاحة بالأسد والبدء بإصلاحات دستورية وعن الحقوق والعدالة، لأفاجأ بأنه يخاطب الرئيس دونالد ترمب!. ويشير إلى الأوراق البيضاء التي كانت أمامه على طاولته. لقد كان يدوّن ما يقول. ويحتفظ بها أينما ذهب".



محاولاته العودة بمساعدة موظفي السفارة السورية:

يقول زياد حمادة: "بعد فقدانه منزله، توجه مازن إلى برلين، وأقام عند أحد أصدقائنا المقرّبين، في غضون ذلك، تبين انه تواصل عن طريق البعض مع سفارة نظام الأسد في برلين، وخلال حديث هاتفي معه، أخبرني بأنه سيعود إلى سوريا، ما دفعني لاستدراجه للعودة لزيارتي باستخدام موضوع عائلي وهمي. لأجد بحوزته جواز سفر سوري يعود إصداره إلى 05/12/2019. وصلاحية عامين. ما دفعني لاتلافه بحجة أنه تعرض للتلف خلال غسل ملابسه. ثم عمدت مع مطلع شباط على إعادته إلى  هولندا لتجديد اوراقه الثبوتية، وهو ما حدث بالفعل، ليغادر هولندا في الـ 20 من شباط الحالي. وبعد اتصالي به، تبين أنه وصل إلى برلين، وأنه ذاهب لتسلم جواز سفره الجديد، وأنه حزم أمره بالعودة إلى سوريا، وأن رحلته ستكون فجر الــ 23 من شباط.



أضاف شقيق مازن بأنه حاول جاهد ثنيه عن قراره، لكن مازن أصر على أنه نال عقوبته، وأن من حقه العودة إلى سوريا ليعيش كمواطن عادي، وأنه خسر كل شيء في هذه البلاد سلفاً، ويريد أن يكمل حياته بين أهله. ولفت أن دبلوماسية تعمل في السفارة السورية ببرلين، رافقت مازن إلى مطار برلين، وأنها رافقته على متن الطائرة، المتجهة إلى دمشق.



وأكد زياد أن أخر اتصال بينهما كان في ظهر السبت، 23/شباط، وقد كان مازن في صالة الانتظار، حيث بدا عليه الخوف وهو يطلب من أخيه الدعاء له، مشيراً إلى أنه كان يسمع صوت أسنان أخيه مازن وهي تصطك ببعضها البعض. ليخبره مازن بأن أحدهم أخبره بأنه سيكون عليه مرافقة رجال المخابرات. وأخبر مازن شقيقه بأنه سيحاول البحث عن أي رحلة مغادرة، وبأنه شاهد رحلة قريبة متجهة إلى الخرطوم، وأنه سيحاول الصعود على متنها. لينقطع الاتصال معه كلياً.



سفارة نظام الأسد في العاصمة الألمانية برلين سفارة نظام الأسد في العاصمة الألمانية برلين

واتهم زياد سفارة نظام الأسد في برلين باختطاف شقيقه مازن، مؤكداً أن مازن فاقد للأهلية أو القدرة على اتخاذ أي قرار، ومؤكداً عجزه عن استخراج وثائق أو التنقل، مشدداً بأنه لم يكن يستطيع حجز تذكرة باص داخلي بمفرده حتى يقوم بكل تلك الإجراءات المعقدة واستخراج "تأشيرة" إلى لبنان بهذه السهولة وخلال أقل من أسبوع!



فشل الإئتلاف السوري المعارض في تحقيق أي دعم او تقدم بملف المعقلين: 

على مدى سنوات المفاوضات والمساعي السياسية لحل الأزمة السورية، كان ملف المعتقلين الأبرز بين الملفات العالقة، وكانت المعارضة تشدد على أنه شرط لانخراطها في أي مفاوضات، أو المضي نحو مخرجات إيجابية. لكنها ورغم مشاركاتها الدائمة، وتقديمها التنازلات، لم تستطع إحراز أي تقدم يذكر بما يخص هذا الملف الذي ينضوي تحته نحو 200 ألف معتقل.



ورداً على سؤالها والدور الذي لعبه الإئتلاف حول متابعة شؤون المعتقلين السابقين، قالت أليس المفرج لــ "ليفانت": "عودة مازن إلى سوريا حدث انتحاري". موضحة أن من قدم إلى أوروبا من المفرج عنهم بمثابة الناجيين، والحكومات التي منحتهم اللجوء لديها الإمكانيات في دعمهم نفسياً في حال كانت لديهم المبادرة الذاتية لعملية الإقدام عليها. وأشارت إلى أن عمل لجنة المعتقلين محصور ضمن نطاق الهيئة التفاوضية للمسار السياسي المعطل. والذي يمثل أولوية بعد ربطه بجميع المسارات المدنية والحقوقية محلياً ودولياً. 



وأكدت أن المعارضة السورية تتحمل المسؤولية لعدم قدرتها للوصول لحل سياسي جذري ينهي معاناة السوريات/ن وخاصة بهذا الملف وتقاطعها مع مايحدث الآن من أكبر كارثة إنسانية في إدلب، مشيرة إلى عجز الإئتلاف السوري المعارض على حماية المدنيين من القصف والتشريد وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة حتى يقوم بحماية فرد رغم خصوصية واستثنائية عمله بخصوص المعتقلين.



كيف علّق مقرّبون  على قرار مازن:

في مدونة له على فيسبوك، علّق الصحفي أحمد جاسم الحسين على خبر عودة مازن إلى سوريا بأن قرار مازن يعود لفقدانه التوازن النفسي والعقلي إضافة لإدمانه اللذان أفقداه القدرة على اتخاذ القرار السليم، وعزا الحسين قرار مازن أيضاً انشغافه بدور الضحية وتلبسه له، وخيبته بسقوط نظام الأسد.



ولفت إلى أنه سبق لمازن أن قرر العودة إلى ديرالزور تارة، وإدلب تارة أخرى، ومشيراً إلى سعيه إلى العمل مع شركة النفط التي عمل معها في سورية، على أن يعاود العمل معهم في الهند، إلا أن محاولته باءت بالفشل.


وأضاف الحسين: "لم يقدم مازن نفسه وجهاً فكرياً، بل وجهاً معذباً عانى ما عانى، لم يقدم نفسه مفكراً أو قائداً.. ليس بقائد فصيل أو محلل معارض.. الرجل ضحية معذّبة، مقتولة، منهكة، لم يجد معه العلاج النفسي، وصبر الحكومة الهولندية.. وكل ما قاله عن تصرفات بلديته والحكومة الهولندية معه محض وهم.. فقد لقي كل رعاية واهتمام".



ونفى الحسين أن تكون عودة مازن إلى سوريا من باب العمالة أو سواها من تخوينات مسبقة من مثل أنه مدسوس أو سوى ذلك، مؤكداً أن مازن كان يبكي ليل نهار.



لاحقاً، حمّل حزب حزب الشعب الديمقراطي السوري نظام الأسد مسؤولية سلامة "الرفيق" مازن حمادة. متهماً سفارة نظام الأسد في برلين بمسؤولية اختفائه وإعادته إلى دمشق. وطالب الحزب في بيانه المنظمات الدولية بمساعدة مازن وحمايته.




وأشاد الحزب في بيانه بتاريخ مازن كــ "مناضل من أسرة وطنية مناضلة ضد نظام الطغمة التسلطية المجرمة منذ عقود". ومبيناً أن مازن كان "في طليعة شباب الثورة ونشطائها منذ الأيام الأولى. تعرفه ميادين التظاهر وساحات الاعتصام في مدينته دير الزور، كما تعرفه دمشق وريفها كناشط في الحقل السياسي والإغاثي والإنساني في فضاء الثورة واحتياجاتها".



يعيش جميع من عرف مازن اليوم حالة ترقب، ينتظرون خروجه على وسائل الإعلام التابعة لنظام الأسد، متحدثاً عن الكذب الذي مارسه في شهاداته، وعن الأموال والرعاية الاستخباراتية التركية القطرية الإسرائيلية الأمريكية التي نالها ليقولو ما قاله. وسواء كان قراراً منه بالعودة، أو عملية استخباراتيه تم استدراجه من خلالها بعد معرفتهم بما يعيشه من فقدان للأهلية، أو عبر منحه مواداً مخدرة كما يدعي شقيقه، مثلت حادثة وصوله إلى دمشق خرقاً كبيراً سيسعى النظام من خلاله إلى نسف الشهادات التي قدمها مازن وأقرانه من المعتقلين السابقين. ربما لمؤيديه على الأقل.


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!