الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
لو كان حاتم علي
سوار أحمد

وأنا أشاهد جنازة المخرج السوري حاتم علي، وكم الاحتفاء به والحزن عليه من قبل شريحة كبيرة من السوريين، تذكرت حادثة وقعت قبل سنوات، وحينها كنت مشاركاً في مهرجان مسرحي بدمشق ضمن وفد من قامشلي، فألقى النقيب الحالي للفنانين زهير رمضان محاضرة طويلة علينا، مادحاً المسرح والدراما السوريين والسلطة السياسية والقيادة "الحكيمة التي فتحت الأبواب على مصراعيها" للفنانين، حيث "أوصل العشب للركب"، كما يقول المثل الكردي، فتجرّأ أحد الاصدقاء وكان جالساً بجنبي، وشكى لزهير رمضان همّه، وقال إنّه ممثل مسرحي منذ أكثر من عقدين، وقد نال جائزة أفضل ممثل في أكثر من مهرجان وتصدف أن يمنحه أحد المخرجين دوراً ما في أعمالهم، إلا أنّ التصوير يكون خارج البلاد، وباعتباره "أجنبياً" لايستطيع السفر فتفوته الفرص.


هذه الشكوى الشخصية من ممثل كردي باح فيها بهم شخصي مطالباً بإيجاد حلول لمشكلته، دفعت بمعظم الفروع الأمنية الى استدعائه والتحقيق معه، رغم أنّه لم يتطرّق لأي جزئية سياسية ولم يكن حديثه سوى مناجاة شخصية ليتمكن من تطوير فنه.


وبالمناسبة فإنّ هذا الممثل نفسه قد هاجر إلى ألمانيا قبل سنوات قليلة، وهو يعمل الآن في المسرح والسينما الألمانية.. وهنا أتساءل: لو كان حاتم علي كردياً أجنبياً لا يملك هوية شخصية ولا جواز سفر ولا يحق له السفر الى خارج البلاد، ويحتاج إلى موافقة أمنية كي ينام في فندق ولا يحق له تسجيل أي عقار باسمه، وحتى أولاده لا يتم تسجيلهم في النفوس فهل كان سيكون ما هو عليه؟


كم مبدعاً كان ضمن مئات الآلاف من الكرد الذين سُلبت منهم جنسياتهم السورية بسبب الإحصاء الاستثنائي، الذي أُجرته "حكومة الانفصال" سنة 1962، ولم تحلّه الحكومة فيما بعد، بل تشددت في تطبيقه كجزء أساسي من سياساتها، وبالتالي انتهى بهم الأمر لترك دراستهم أو العمل في أقسى المهن وأصعبها لتأمين لقمة خبزهم.


لقد تسبب هذا الإحصاء الاستثنائي بسلب حياة كاملة، وقتل أحلام أجيال عديدة ومحق مبدعين، في مجال التمثيل والرسم والأدب وكافة الاختصاصات الأخرى لعقود طويلة، ربما كانوا سيقدمون مثل الراحل الكبير حاتم علي أو كان من الممكن أن يتجاوزوا إبداعه.


وقد أوردت حاتم علي هنا كمثال، والأمر ينسحب على عشرات الأسماء لمبدعين سوريين أحياء او راحلين كان الفرق بينهم وبين الآخرين أنّهم وجدوا فرصهم في الظهور في بلاد تفصّل الفن على قياس مزاج حكامها وتضع شرط الولاء للقيادة والحزب الحاكم قبل أن تقبل بأن يشق اي مبدع طريقه في دهاليز الفن والأدب وغيرها.


لو كان حاتم علي، هذا المبدع الكبير، نفسه وبكل خصاله وفنه وإمكاناته تلك، كردياً وأجنبياً، هل كان سيتمكن من كل هذا العطاء؟ هل كان سيُعرف أصلاً؟ هل كان سيجد فرصة للظهور؟ ربما انتهى به الأمر عاملاً يومياً في أي مكان أو في أحسن الأحوال كان سيهاجر ليموت قهراً في مكان، وما كان لموته أن يكون بهذا الاحتفاء كونه عُرف بمنجزه لا بعائلته أو أي شيء آخر.


حسناً.. لو كان حاتم علي من أبناء الجزيرة العربية حتى، فهل كانت الأبواب ستُشرع له مع كل هذا التهميش للحالة الفنية في المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد؟ لو كان من قامشلي أو الحسكة أو الرقة أو دير الزور، هل كان سيعرفه الناس بوجود الذهنية الفوقية الممارسة من قبل مسؤولي دمشق ضد منطقتنا التي لم تكن يتم ذكرها في الدراما، إلا حين يتم عقاب موظف ما فيتم نقله الى "منفى" الجزيرة، وهذا فضلاً عن حالات العنصرية والتنمر بحق الشوايا والكرد وطرحهم في الدراما السورية بهدف السخرية والتسخيف والاستهزاء لا غير.


والجدير بالذكر، أن أذكر أنّني لا أقصد بالطبع التقليل من حجم فنان مثل حاتم علي، بل على العكس تماماً، لكن من المؤلم ألا يجد الكثير من الشابات والشباب السوريين ومن يملكون طاقات إبداعية فرصاً في تحقيق مشاريعهم الفنية البنّاءة، في حين تتكرر أسماء العائلات والكنى نفسها على شارات المسلسلات السورية، وكأنّها تقول للجميع.. في هذه البلاد الفن أيضاً يتم توريثه للأبناء لا كرسي الرئاسة فقط.




ليفانت - سوار أحمد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!