الوضع المظلم
الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • لماذا لا تخشى تركيا الإقرار بالتغيير الديموغرافي شمال سوريا؟

لماذا لا تخشى تركيا الإقرار بالتغيير الديموغرافي شمال سوريا؟
لماذا لا تخشى تركيا الإقرار بالتغيير الديموغرافي شمال سوريا؟

في توجه واضح لتطبيقٍ عملية التغيير الديمغرافي التي تعمل لأجلها تركيا في شمال سوريا، أعلنَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الاثنين، أن أنقرة بدأت العمل على توطين مليون شخص في مدينتي تل أبيض و "رأس العين/سري كانيه"، حيث قالَ أردوغان في كلمة له أمام وزراء الشؤون الاجتماعية بمنظمة التعاون الإسلامي، أنه سيتم تقديم الدعم لإنشاء مناطق سكنية جديدة في الشمال السوري.


ويبدو أن تركيا لا تخشى من الإفصاح عن نواياها بتوطين اللاجئين السوريين في مناطق هجرت سكانها منها بفعل العمليات العسكرية التركية، مما يشير إلى حصول أنقرة على ضوء أخضر يسمح لها بذلك، دون خشية من حساب، على الأقل في الوقت الراهن وضمن الظروف الحالية.


نقل عائلات..


منذ سيطرتها على مدن رأس العين وتل أبيض في شرق الفرات نهاية أكتوبر، تلقى مسلحو المليشيات السورية التابعة لأنقرة، اتهامات واسعة بإرتكاب عمليات تخريب وسرقة ونهب وسلب واستيلاء على المنازل والممتلكات العامة والخاصة، على غرار ما حدث ولا يزال يحدث في منطقة عفرين شمال غرب سوريا، دون خشية من عواقب ذلك مستقبلاً.


وفي بداية نوفمبر، كشفت مواقع سورية معارضة طلب قادة مليشيات "الجيش الوطني السوري"، من مسلحيها، بيانات عوائلهم الراغبين بالانتقال من مناطق شمال غرب سوريا المعروفة بـ“درع الفرات وغصن الزيتون”، إلى مناطق شمال شرق سوريا المسماة بـ “نبع السلام”، في الوقت الذي كانت لا تزال فيه المعركة محتدمة، عقب شهر من انطلاقها.


الأمم المتحدة..


ومما يشير إلى أمتلاك تركيا ذلك الضوء الأخضر لإجراء التغيير الديموغرافي المنشود من قبلها، إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الأول من نوفمبر، بأن المنظمة الدولية ستنظر في خطة تركية تهدف إلى نقل قسم من اللاجئين السوريين الموجودين في البلاد إلى "منطقة آمنة" في سوريا، عقب أن عرض أردوغان تلك الخطة على غوتيريس، خلال اجتماع جرى عقده في اسطنبول، وفق ما أفادت الأمم المتحدة، في بيان، وأكد غوتيريس ضرورة احترام "المبادىء الأساسية المرتبطة بالعودة الطوعية والآمنة واللائقة للاجئين" إلى بلدانهم الأم".


وقال البيان إن غوتيريش "أبلغ الرئيس (أردوغان) بأن المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة ستعمد فوراً الى تشكيل فريق للنظر في هذا الاقتراح وإجراء مباحثات مع السلطات التركية في إطار التفويض الممنوح لها"، في أعقاب تطمين أردوغان مراراً بأن عودة اللاجئين السوريين ستكون "طوعية"، وهو ما لا يبدو حقيقياً أذ أشارت منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش في أكتوبر، بأن أنقرة رحلت بالقوة سوريين إلى بلادهم، خلال الأشهر التي سبقت الهجوم التركي في شمال شرقي سوريا.


إدان واستنكار..


موقفٌ مفاجئ فيما يبدو من الأمم المتحدة التي ربما كان ينتظر منها السوريون في شمال سوريا موقفاً مغايراً، يستنصر لهم، عقب هجوم يؤمنون بأنه ظالم وباطل بحقهم، ويهدف إلى إخراجهم من أرضهم وتوطين آخرين بدلاً عنهم بحجة أنهم سوريون، وكان الذين يتم تهجيرهم من تلك المناطق ليسوا بسوريين، أو كأن جميع اللاجئين من شرق الفرات، وليس جلهم من دمشق وحلب وحمص وغيرها، وفي هذا السياق، قالت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" في الثاني من نوفمبر، إن "الاحتلال التركي يحاول بعد احتلاله لمناطق سري كانييه/رأس العين وكري سبي/تل أبيض تغيير هوية هذه المناطق بشتى الوسائل والعمل على توطين لاجئين وذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة".


ورفضت الإدارة الذاتية بالمطلق تلك السياسات وهذه التوجهات التركية، مناشدة الرأي العالم العالمي التحرك لمنع كارثة بحق أهالي وسكان مناطق شمال سوريا، مطالبة الأمم المتحدة بالعمل على منع ذاك المشروع التركي الذي سوف يلحق الضرر بالمنطقة وسيسبب المزيد من اللااستقرار وسيطور صراعاتٍ مذهبية، عرقية ومجتمعية، كما سيشوه الحقائق التاريخية والمجتمعية، وأكدت الإدارة الذاتية إن صمت الأمم المتحدة حيال الممارسات التركية يعني تأييد حقيقي لها، وتعاونً على تهجير شعب شمال سوريا من مناطقه.


رفض مجتمعي..


ودفع موقف الأمم المتحدة 32 من الأحزاب والقوى السياسية العربية والكردية والسريانية في شمال وشرق سوريا، لتوجيه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس، في الثالث من نوفمبر، حول مساعي تركيا لإضفاء الشرعية لاحتلالها للأراضي السورية عبر جر الأمم المتحدة لتبني "خطواتها الأحادية في سوريا والرامية لإعادة إنتاج الإرهابيين".


وقالت تلك الأطراف إن "الهدف التركي المباشر لهذا الغزو والاحتلال هو تهجير السكان الأصليين (تجاوز عددهم 300 ألف شخص) وإحداث التغيير الديمغرافي في المنطقة، وخلق "منطقة آمنة للإرهابيين" من خلال إسكان الفصائل السورية المرتزقة والإرهابيين المرافقين لهم في مدن وبلدات المنطقة وتحويل المنطقة إلى بؤرة تعيد فيها إنتاج حالة راديكالية متطرفة وتنطلق منها لتهديد الأمن الوطني والإقليمي والدولي".


مطالبة بالتجاهل..


فيما اتهمت دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في ذات التاريخ، تركيا ومسلحيها بتطبيق التهجير القسري لأهالي المناطق التي سيطرت عليها تركيا، وقالت أنه يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، مؤكدةً إن إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين يشكل جريمة ضد الإنسانية.


وطالبت الإدارة الذاتية، الأمم المتحدة بتجاهل دراسة المقترح التركي الساعي لتوطين عوائل المسلحين "في مناطقنا والعمل على تشكيل لجنة تقصي الحقائق والإطلاع على ممارسات تركيا ومرتزقتها وأوضاع المهجرين قسرياً نتيجة للعدوان التركي"، مشيرةً كذلك بأنه يمكن للأمم المتحدة والقوى الفاعلة في سوريا إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم في كافة أرجاء سوريا بعد تهيئة الأجواء وتأمين الاستقرار فيها.


قطر تموّل..


ويبدو أن للدور القطر المُريب مكان هنا أيضاً، إذ نشر موقع أحوال تركية المعارض في السابع من نوفمبر، تقريراً عن الدور القطري المتنامي في دعم الاحتلال العسكري التركي لأجزاء من الأراضي السورية، وجاء تقرير بعنوان (هل تقوم قطر بتمويل مدن أردوغان الموعودة شمال سوريا؟)، ونوّه التقرير إلى أن قطر دأبت على توظيف أموالها في سبيل دعم أنشطة الجماعات المتشددة، وتحرص على نشر فكر تنظيم الإخوان المسلمين في المنطقة والعالم، بحسب ما يلفت مراقبون، وأصبحت تتباهى بانسياقها وراء المشروع التركي المعادي لسوريا، والمتجسد بالغزو والاحتلال لمناطق في سوريا.


ونوّهت الصحيفة التركية إلى عدم استبعاد أن تقوم الدوحة بتمويل مشاريع أردوغان ومغامراته في سوريا، وذلك لإظهاره بصورة الزعيم الذي يفي بكلمته ووعده أمام الرأي العام المحلي والدولي، وأنّه تمكن من تخفيف معاناة اللاجئين السوريين، وقام بتوطينهم في أرضهم، وتأمين الحماية والأمان لهم.. وذلك بالتزامن مع تجاهل مخططات أردوغان الرامية لتنفيذ تطهير عرقيّ وتغيير ديمغرافي في المنطقة، وطرد السكّان الأكراد منها وإحلال العرب السنة فيها، ولاسيما من عناصر الميليشيات الإسلامية المحسوبة على المعارضة السورية وعائلاتهم المستقدمة من مناطق سورية أخرى، ومن بعض مَن يقيمون داخل تركيا، (والذين يتبعون بالمجمل لتنظيم الإخوان المسلمين).


أنقرة تشكر الدوحة..


وفي اللقاء الذي عقده وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، في العاصمة الدوحة، أبلغ أوغلو شكر أردوغان لتميم لدعمه العملية العسكرية التركية على سوريا. وكتب الوزير التركي في تغريدة له عبر حسابه على "تويتر": "خلال لقائنا مع أمير قطر الشقيقة، سمو الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، في الدوحة، بلغنا لسموه تحيات رئيس الجمهورية التركية السيد رجب طيب أردوغان. نشكر قطر على دعمها لعملية نبع السلام."


ونوّهت الصحيفة أنّ المنافع المتبادلة بين قطر تركيا اللتين يربطهما الفكر الإخواني تتطور لتصبح صيغة من صيغ الشراكة الاستراتيجة بحسب البلدين، وبحسب المحللة سينثيا فرحات الباحثة في منتدى الشرق الأوسط، يمكن للإخوان استخدام تنظيم "القاعدة" كقوة للتفاوض مع الأنظمة العربية، لترهيب معارضيهم ولإحياء المشاعر الجهادية التي ستساعد جهود التجنيد في الإخوان. وذلك ما من شأنه أن يفيد قطر وتركيا في زعمهما محاربة المتشددين من جهة، في حين أنهما تقدمان الدعم والتمويل لهم من جهة ثانية.


ترحيل آلاف اللاجئين..


وفي تأكيد على تقارير عن ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا، قال أردوغان في العاشر من نوفمبر، أن 365 ألف سوريٍ قد عادوا إلى سوريا، واصفاً ذلك بأنه عودة منهم إلى ديارهم ومنازلهم في المناطق التي وفرت القوات التركية فيها الأمن على حد زعمه، وقال أن العمليات العسكرية التي قامت بها تركيا في سوريا، تكللت بالنجاح، مشيراً إلى أنّ ”العمليات أدت إلى استتباب الأمن في مساحة تزيد عن 8 آلاف و100 كيلو متر مربع“.


ضوء أخضر أمريكي..


وخلال مؤتمر صحفي عقده أردوغان مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في واشنطن في الرابع عشر من نوفمبر، صرّح الرئيس التركي بإنه يرغب بإعادة توطين مليوني سوري في المنطقة الآمنة التي يتم إنشاؤها شمال سوريا، وأشار إلى أن هدف أنقرة هو إقامة "منطقة آمنة" تمتد من الحدود العراقية السورية إلى مدينة جرابلس، فيما ادعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الاتفاق في شمال سوريا متماسك، وهو ما أمكن أعتباره ضوءاً أخضراً من أمريكا بتوطين اللاجئين السوريين في شمال سوريا، على الرغم مما يعنيه ذلك من ضرب للعهود والمواثيق الدولية التي تنظم إعادة اللاجئين إلى مواطنهم الأصلية، وليس توطينهم محل آخرين جرى تهجيرهم لأسباب عرقية أو طائفية.


تطهير عرقي..


وهو ما دفع مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية، مصطفى بالي، في السادس عشر من نوفمبر، للتأكيد على أن تركيا تحمل مشروعاً للتغيير الديمغرافي في شمال سوريا لصالح التركمان، وقالَ بالي في تغريدةٍ له على تويتر: «يخطئ من يعتقد أن الأتراك سيهجرون الكرد لإسكان العرب محلهم لتعريب الشمال السوري، فهذا الأمر كان من اختصاص البعث فقط»، وأضاف: «الأتراك سيهجرون الكرد والعرب والسريان لإسكان التركمان الإيغور الصينيين كجزء من ميثاقهم المللي».


البحث عن مانحين.. 


وفي إطار مساعيها لتحويل مخططاتها إلى واقع، قال أردوغان في السادس والعشرين من نوفمبر، إن قطر يمكن أن تدعم خطط تركيا لتوطين ما يربو على مليون لاجئ في شمال شرق سوريا بعد هجومها على قوات سوريا الديمقراطية في المنطقة، وهو حديث تزامن مع مقترحات تركية لعقد قمة دولية للمانحين لدعم خطتها، فيما يقول مسؤولون غربيون إنهم سيعزفون عن تمويل أي مشروع ينطوي على عودة غير طوعية للاجئين أو إدخال تغييرات على التركيبة السكانية في سوريا، وهو ما لا يبدو أن لأنقرة مقدرة عليه، كونه يمثل جوهر المسعى التركي.


وقال أردوغان للصحفيين أثناء رحلة العودة من زيارة إلى الدوحة إنه عرض خططه على أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وإنه ”أعجبته مشاريعنا“، ورداً على سؤال عما إذا كانت قطر ستسهم في تمويل الخطط قال ”إنهم في مرحلة: ’يمكننا أن ننفذ هذه الجهود معاً، ما من سبيل آخر في الواقع“.


المنطقة غير الآمنة..


بدورها تطرقت جريدة «ذي إندبندنت» البريطانية، في الثاني من ديسمر إلى عمليات «تطهير عِرقي» موسعة تُجرى داخل المنطقة الآمنة، التي تزعم أنقرة إقامتها في شمال سوريا، وقالت إن «العدوان التركي في شمال سوريا، تسبب في نقلة ديموغرافية في المنطقة يخشى كثيرون أنها ستكون دائمة».


وقالت الجريدة، في تقرير نشرته، إن «عمليات القتل الوحشية ليست خافية على أحد. فمنذ اللحظات الأولى لبداية الغزو التركي في شمال سوريا، سجَّل المقاتلون الذين أرسلتهم أنقرة عبر الحدود للقيام بالمهمة، جرائمهم بفخر»، في إشارة إلى مقاطع مصوَّرة انتشرت على مواقع الإنترنت تُظهر ارتكاب مسلحي ما يُعرف بـ "الجيش الوطني السوري"، التابع لـ أنقرة، انتهاكات عدة، بينها إعدامات خارج نطاق القانون، والتمثيل بالجثث، وتهديد الأكراد، والنهب على نطاق واسع؛ ما ترك آثارًا مهولة من الرعب في نفوس عشرات الآلاف من المدنيين.


وأضافت، أن «البعد الإثني لعديد من الجرائم، تسبب في عمليات نزوح موسعة للأكراد والأقليات الدينية» من المنطقة المعروفة تاريخيًا بتنوعها الإثني، فيما يخشى النازحون من المنطقة، المتكدسين في معسكرات للنازحين بشمال شرق سوريا والعراق، عدم تمكنهم من العودة إلى مناطقهم أبدًا، فيما يبدو أن هذا هو الهدف الرئيسي من الغزو التركي في المقام الأول، حسب الجريدة.


صمت وابتزاز..


والاستنتاج نفسه وصلت إليه البعثة الدبلوماسية الأمريكية في سوريا؛ حيث انتقد الدبلوماسي وليام روبوك، في مذكرة داخلية، صمت الإدارة الأمريكية؛ إزاء ما يحدث في شمال سوريا، وقال: «تهدف العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، التي تقودها جماعات مسلحة موالية لها، عمدًا إلى التطهير العِرقي والاعتماد على صراع عسكري واسع النطاق، يستهدف جزءًا من قلب الأكراد، مستفيدًا من الدعاية التي تثير الخوف على نطاق واسع».


ويمكن أخيراً الإشارة إلى أن توطين اللاجئين السوريين محل السكان الأصليين من مختلف مكونات شرق الفرات وخاصة الكُرد منهم، سيتحول رويداً رويداً إلى واقع، بالنظر إلى التراخي الدولي مع الجانب التركي، الذي يبدو وكأنه يستخدم لغة العصا والجزرة مع واشنطن وموسكو، وليس كما كان يعتقده كثيرون عن رؤية معكوسة لتلك، فتركيا التي تمسك بالصواريخ الروسية للضغط على واشنطن، يبدو أنها تمسك بملفات أخرى على موسكو، وأيضاً أوروبا، وهو ما يجعلها حالياً في موضع قوة وتحكم، إلا إن قرار أحد اللاعبين الدوليين وضع حد لأبتزازها.


ليفانت-خاص


متابعة وإعداد: أحمد قطمة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!