الوضع المظلم
الإثنين ٠١ / يوليو / ٢٠٢٤
Logo
  • لديَّ حُلم – سيرة الدكتور كينغ: كتاب جديد يحتفي باللاعنف

لديَّ حُلم – سيرة الدكتور كينغ: كتاب جديد يحتفي باللاعنف
ميرنا الرشيد

يروي كتاب لديَّ حُلم، الصادر عن دار كنعان في دمشق، سيرة حياة مارتن لوثر كينغ الابن، المناضل الأمريكي من أصل إفريقي، الذي تولى قيادة حركة الحقوق المدنية في أمريكا، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. استُقيتْ أحداث وفصول الكتاب من مجموعة كبيرة من الكتب والمقالات والدراسات والأبحاث، ومن سيرة كينغ نفسه، لذلك، جاء بصيغة إعداد وترجمة في آن معاً. وهو يرتكز في فكرته الرئيسية على فلسفة اللاعنف، التي تبناها الزعيم الأسود خلال سنوات نضاله، ضد هيمنة أمريكا البيضاء، وظلمها للإنسان الإفريقي. لقد تزامنت هذه التجربة القاسية واللاإنسانية، المعروفة بالعبودية، مع بداية اكتشاف أمريكا، وما تلاها من تأسيس الأمّة والحرب الأهلية، ثم إعلان الاستقلال، وصولاً إلى أحداث القرن العشرين.

أُنجِز الكتاب بدافع التعرّف إلى منهج اللاعنف، بغية تبنيه بصفته وسيلة، يمكن من خلالها تحقيق العدالة، وإيقاف نزيف الدم المستمر في مجتمعاتنا، فالتمرد المسلح، سيعطي بالتأكيد، الطرف المقابل، مبرراً لارتكاب مزيد من الوحشية بحق الشعوب المضَطهدة. لقد جعلت الحروب مسألة السلام، والسعي نحو إنشاء مجتمعات قادرة على التعايش والتواصل مع الآخر، أمراً في غاية الصعوبة، نظراً لما تتركه من تبعات نفسية وآثار جسدية، يحتاج فهمها، وتجاوزها، إلى عقول تنبذ العنف، وتخرج من مصيدته، وتستخلص من عيش هذه التجربة القاسية خلاصة، من النادر أن يلتفت إليها أحد؛ أنّ توقف هدير الطائرات، وعودة الجنود إلى ثكناتهم، وسحب الآليات العسكرية إلى مخازنها، لا يعني على الإطلاق أنّ الحرب قد انتهت، فثمة حرب أخرى تبدأ بالاشتعال في النفوس، ويحتاح لفظها إلى الخارج جملة من العوامل التراكمية، تكون بمجملها مخالفة لما يمكن لنفس الإنسان أن تقبل به، ومذلة لوجوده القائم في أساسه على الحرية.

يندرج الكتاب ضمن نوع السيرة الحياتية في إطار تاريخي وسياسي واجتماعي في وقت واحد، ويضم بين صفحاته ستة عشر فصلاً، اشتُغل عليها بأسلوب سلس، وسرد مشوق، وقُصّت الأحداث بوتيرة متسارعة، ممزوجة بقصص إنسانية، أظهرت حجم المأساة التي عاشها الأمريكيون من أصل إفريقي. كما يُسرد فيها أيضاً أهم الخطابات التي ألقاها كينغ في مسيرته النضالية، ومن بينها خطاب لديّ حلم، المصنف باعتباره أفضل خطاب أمريكي في القرن العشرين، والذي استُلهم منه عنوان الكتاب، وخطاب قمة الجبل، الذي ألقاه بنَفَس نبويّ، تنبأ فيه بدنو موعد رحيله عن الدنيا، بالإضافة إلى ذكر تفاصيل أهم المسيرات والاحتجاجات التي تولى قيادتها، من بينها مسيرة سِلما إلى مونتغمري، ومسيرة واشنطن من أجل الوظائف والحريات، وتحليل السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى حدوثها، ودور كُلّ من الرئيسين جون إف. كينيدي، وليندون جونسون، في التأسيس لتشريع قوانين الحقوق المدنية وحقوق التصويت.

 

نتعرف في أحد فصول الكتاب إلى كوريتا سكوت، زوجة كينغ، والصخرة التي ارتكز عليها، واستطاع بفضلها أن يحقق ما حلم بتحقيقه، ونرافقهما في علاقة الحبّ التي جمعت بينهما، ووطدت نضالهما معاً في حركة الحقوق المدنية. جسّدت كوريتا مثال الزوجة المخلصة، ومنبع العزاء الدائم لزوجها عند تعرضه للصعوبات. في خضم أكثر التجارب مأساوية، لم تُصب بالذعر، ولم تُفرط في عاطفتها. رأى فيها كينغ المعنى الحقيقي لعبارة: «يمكن للزوجة أن تصنع زوجاً أو تحطمه».

في فصل آخر، يحضر المهاتما غاندي برؤية نهجه اللاعنفي، الذي سبق كينغ بتبنيه، خلال مسيرة نضاله ضد الاحتلال البريطاني للهند. لقد آمن كينغ بالفلسفة الغاندية، وما حققته من نتائج. كانت بالنسبة إليه الطريقة الوحيدة السليمة أخلاقياً وعملياً للمضَطهدين في نضالهم من أجل الحرية، وأنّه من الممكن لها أن تُثمر في تحقيق عدالة متساوية في أمريكا.

ثمة فصل في الكتاب أيضاً، يتحدث عن سيرة مالكوم إكس، المناضل الأسود، الذي اعتُبر الصوت النقيض لمارتن لوثر كينغ الابن، بسبب تبنيه نهجاً عنفياً مغايراً لمنهج الزعيم اللاعنفي. كثيراً ما يُنظر إلى هاتين الشخصيتين، على أنّهما قوتان متعارضتان في النضال من أجل الحقوق المدنية، وضد التفوق الأبيض، وغالباً ما يُحكى عن كينغ على أنّه من سكان الداخل غير العنيفين، في حين يوصف مالكوم إكس بأنّه متمرد سياسي ضروري بأيّ حال من الأحوال. لقد شرّح المناضلان أوجاع السود تشريحاً متقارباً، لكنّ استراتيجياتهما لكيفية الوصول إلى الهدف، كانت مستنيرة بتربيتهما المختلفة.

يضيء الكتاب على معارضة كينغ لحرب فيتنام، وما أثاره موقفه غير المنسجم مع السياسة الخارجية، من تأليب الحكومة الأمريكية ضده، وانتقاد وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة له. بالنسبة إليه، كان موقفه المناهض لقتل النفوس البريئة في الحرب، استكمالاً لمنهج اللاعنف الذي دعا إليه مواطني ومواطنات بلده في نضالهم ضد العنف والظلم.

في الفصل الأخير، نتعرف إلى أحداث اغتيال أيقونة النضال اللاعنفي، والجنازة المهيبة التي ودّعته فيها أمريكا، وما تلاهما من تحقيقات لمعرفة هوية القاتل. تسبب الاغتيال بتحطيم آمال الأمريكيين السود في التزام أمريكا البيضاء بالمساواة العرقية، وامتلأت قلوبهم بالألم والغضب. شعر العديد منهم بالحزن والفزع، فيما لم يتأثر آخرون، كما احتفل بعضهم بالخلاص منه، ووصفوه بأنه «مثير للمتاعب». إنّ مقتل كينغ غيّر من ديناميكية أمريكا في ذلك الوقت، واعتُبر كارثة وطنية. في إحدى عظاته الكنسية، أوصى الزعيم محبيه، ألاّ يذكروا في جنازته الجوائز والتكريمات التي حصل عليها في سني عمله النضالي، وأنْ يقال إنّه حاول «إطعام الجياع، وإكساء العراة، ووقف موقفاً صحيحاً من حرب فيتنام، وأحبّ الإنسانية وخدمها».


ميرنا الرشيد: صحافية ومترجمة سورية

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!