الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
لبنان إلى أين؟!
أحمد مطر

بعد شهر على بداية انتفاضة 17 تشرين الأول وما رافقها من شبه صمت دولي حيال ما شهدته الساحة اللبنانية، تم تسجيل موقف أميركي يثير الكثير من الأسئلة، حيث تحدث المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية والسفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان، عن رغبة روسية بالتمدد نحو لبنان كساحة للصراع الاستراتيجي، مستطرداً بالقول إذا لم نكن نحن هناك.


ويأتي هذا التصريح اللافت ليشرّع الأوضاع اللبنانية أمام كل احتمالات التدويل وتحويل ما يشهده لبنان من حراك شعبي مطلبي إلى فتيل صراع دولي واقليمي على أرضه وتحويله إلى ساحة صراع.


ليس هذا ما يطمح إليه الحراك طبعاً ولا هذه رغبة اللبنانيين الذين نزلوا إلى الساحات والشوارع طلباً للحياة الكريمة ورفضاً للفساد الذي ينخر دولتهم، وليس دخول الدول على الخط سوى إعلان موت مطالب الناس لتتحول وقود ازمة تتخطى كل أحلامهم وطموحاتهم.


عندما يقول حسن نصرالله أنه إذا تشكلت حكومة تكنوقراط فإن هذا سيكون إنقلاباً على حزب الله فهذا يعني أنه هو الذي يحكم لبنان وأن حزبه هو الذي يهيمن على هذا البلد، الذي كان يعتبر تعددياًّ، وأنه مثله مثل الأحزاب التي كانت قد هيمنت على العديد من الدول العربية مثل سوريا والعراق واليمن الجنوبي وجماهيرية القذافي ومصر، في مرحلة سابقة، وبالطبع الجزائر وتونس في عهد الحبيب بورقيبه وعهد زين العابدين بن علي وأيضاً اليمن الشمالي إبان حكم علي عبدالله صالح والسودان في عهد عمر البشير وموريتانيا في فترات سابقة.


وحقيقة أن حزب الله قد أصبح هو الحزب الحاكم في هذا البلد، الذي كان تعددياًّ بـ طوائفه وبأحزابه، وأن إنفراد حسن نصر الله بالهيمنة على الدولة اللبنانية، بمشاركة شكلية للرئيس ميشيل عون وصهره جبران باسيل وحزبهما حزب: "التيار الوطني الحر، قد جاء بعد التمدد الإيراني في بلاد الأرز، التي كانت دولة ديموقراطية بتكوينها، الذي هو كتمدد دولة الولي الفقيه الطائفية في العراق التي يحصل فيها كل هذا الذي يحصل وفي سوريا، التي كانت تعتبر قلب العروبة النابض، وفي اليمن الذي كان إنموذجاً للتآخي بين كل مكوناته الجهوية والقبلية والسياسية وأيضاً المذهبية.


ولعل ما يدركه اللبنانيون أكثر كثيراً من غيرهم هو أن هذا الذي قاله حسن نصر الله، بتأييد من بعض إتجاهات حركة أمل وليس كلها، يعني أن حرباً أهلية لبنانية جديدة غدت واردة في أي لحظة وذلك إن بقيت الأمور في هذا البلد، الذي كان عانى من الحروب الأهلية مرات عدة ودائماً وأبداً بسبب التدخلات الخارجية، تسير في هذا الإتجاه التي تسير فيه وإذا بقيت إيران تتمدد في هذه المنطقة العربية كل هذا التمدد وإذا بقي الجنرال الطرزاني قاسم سليماني ينام ويقوم في بعض عواصمنا التي باتت تخضع لنفوذ الولي الفقيه في قم وللأجهزة الأمنية الإيرانية إطلاعات في طهران التي وبالتأكيد لها وجوداً فاعلاً في ضاحية بيروت الجنوبية وعلى غرار ما هو عليه واقع الحال في بغداد ودمشق وبالطبع في صنعاء الحوثية.. وأيضاً في الدوحة.. مع الأسف.. لا بل شديد الأسف!!.


إنه يجب أخذ تهديدات حسن نصر الله على محمل الجد من قبل بعض الدول العربية إن ليس بالإمكان كلها وإنه على اللبنانيين، الذين إكتووا كثيراً بجمر التدخلات الخارجية والهيمنة الإقليمية القريبة والبعيدة وأيضاً على الدول الغربية والشرقية المعنية التعامل مع تصريحات قائد حزب الله بكل جدية والمؤكد هنا أن تشكيل حكومة تكنوقراط بدون أحزاب ولا حزبية سيكون مستحيلاً إن لم تستجد في لبنان معادلات غير هذه المعادلات الحالية وأمور غير هذه الأمور وإذا لم تطرأ معجزة مفاجئة بإنتصار الذين يقاومون النفوذ الإيراني الإحتلالي في بلاد الرافدين التي بقيت تشكل العمق الإستراتيجي للعرب كلهم على مدى حقب التاريخ القريبة والبعيدة.


وحقيقة أنَّ حزب الله مستنداً إلى إيران ومستعيناً بزيارات الجنرال قاسم سليماني المتكررة لضاحية بيروت الجنوبية مروراً ببغداد ودمشق وبالتحالف مع التيار الوطني الحر، سوف يحبط أي محاولة لتشكيل أيٍّ حكومة تكنوقراط إن برئاسة الحريري وإن برئاسة غيره، وأنه سوف يبقى مهيمناً على لبنان كله على إعتبار أنه يشكل قاعدة عسكرية وإستخبارية وسياسية لإيران على شواطىء المتوسط الشرقية، وذلك مقابل قاعدتها الإحتلالية على شواطئه الشمالية في مدينة اللاذقية التاريخية.


يجب أخذ هذه الأمور بمنتهى الجدية وإن المؤكد، إن لم يكن هناك إسناداً دولياًّ فعلياً وجدياًّ للشعب اللبناني الرافض لهيمنة حزب الله وللتدخل الإيراني السافر في بلده وفي شؤونه الداخلية، فإن مستقبل هذا البلد الجميل سيكون مظلماً وأنه سيكون بإنتظار حرب أهلية طاحنة أكثر ضراوة ودموية من كل الحروب السابقة التي كان قد إكتوى بها، والتي هي وبأهلها كلهم لا تستحق إلاّ أن تبقى نوارة الشرق الأوسط كله وكما كانت عليه أمورها خلال إستراحاتها القليلة من التدخلات الخارجية.


وأخيراً لا بد من التذكير بما ورد على لسان فيلتمان حين قال على اللبنانيين اختيار المسار الذي يؤدي إما إلى الفقر الدائم أو الازدهار المحتمل. مرحلة دقيقة جداً يمر بها لبنان مجهولة الأفق والتحولات. فهل ستشكل التطورات الأخيرة وما رشح من مواقف دولية دفعاً وحافزاً للعودة إلى المسار الدستوري لانتظام الحياة السياسية سؤال لا بد من الإجابة عليه قبل فوات الأوان.


كاتب ومحلل سياسي لبناني

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!