-
لا أفكار حداثيّة لدى الشيخ معاذ الخطيب
لا تشذُّ رؤية الشيخ معاذ الخطيب عن أفكارٍ سلفيّة في فهمه للسياسة؛ فالسوريون مسلمون وأتباع ديانات ومذاهب وطوائف، ووفق ذلك علينا الانطلاق نحو سوريا المستقبل؛ أي سوريا "الدينية". رؤيته هذه، تدفعه لقبول أيّة سياساتٍ، كرؤية المجلس الوطني لهوية سوريا "إسلامية وعربية"، ومواقف جبهة النصرة طالما تقاتل النظام، ومشروع زهران علوش ما دام يفعل الشي ذاته، ولهذا فكلُّ طائفية لا تنبع من الجهات السابقة الذكر بل من النظام والنظام وحده.
في مقابلته الأخيرة مع تلفزيون سوريا، لم يتطرّق بنقدٍ للأطراف الفاعلة في المعارضة السورية، ولم ينتقد بشكلٍ حاسم مسألة الفصائل الإسلامية اللامتناهية وتبعيتها للخارج، مكتفياً أنها تابعة للخارج، بينما المشكلة أنّها حلّت مكان الفصائل "الوطنية" ومنعت تشكل قياداتٍ وطنية للجيش الحر، وبنت إماراتٍ خاصة به، وفرضت تشدّداً واستبداداً كبيراً على السكان التي حكمتهم، حيث كانت عملية إخراجهم من سجون النظام السوري أو من العراق من أجل السيطرة على فصائل الجيش الحر والثورة، وتخريبها وهزيمتها؛ هذا ما فعلته كافة الفصائل الإسلامية، ومهما تعدّدت أسماؤها، وليس فقط داعش.
غاب عن تحليل الشيخ معاذ أية انتقادات لسياسات الإخوان المسلمين، وهو يتفق معهم أيضاً في الرؤية حول أنّ الثورة "إسلامية" ولا بد أن تنتصر بكونها كذلك، وكون أغلبية السوريين "سنة" وأمّا الطائفية فهي من سياسات النظام، كما ذكرنا. كافة الناشطين "المدنيين" في الثورة يعلمون أنّ الإخوان شوّهوا وطنية الثورة وشعبيتها ومنذ 2011، وأصروا على أسلمتها وتطييفها وتسليحها، بل وإلحاقها بالخارج، الإقليمي خاصة، وفرضوا ذلك بقوة علاقاتهم الخارجية، الإعلامية والمالية والأمنية. كان على شيخنا أن يتقدم بانتقادات دقيقة لكافة مفاصل الثورة، للمعارضة وللفصائل وللدور الإقليمي وللمال "الإسلامي" وليس الاكتفاء بكليشات من نوع ضرورة أن يشترك الجميع في صياغة مستقبل سوريا، وفي هذا لم يتقدم بكلمة واحدة عن المواطنة والديموقراطية أو فصل الدين عن الدولة، بل اعتبر أنّ من طبائع الأمور الاعتراف سياسيّاً بكافة من يعتبر نفسه سوريّاً؛ أكان سلفياً أم جهادياً أم إسلامياً، وساهم بالطبع، وبذلك يحاول أن يكون برغماتياً، ولكن أفكاره تقول بأنّه مجرد سلفيٍّ، ويريد سوريا دولة "إسلامية".
كان رد الشيخ معاذ الخطيب بائساً على رفض أغلبية السوريين، المملكة المقدسة للشيخ زهران علوش، وممارساتها الاستبدادية، بأنّ الناس كانت ستقبل نفس الممارسات لو كان زهران ماركسياً. إذاً معاذ لا يرفض تلك الممارسات في حقيقة أمره، وكذلك لا يرفض ممارسات حركة النصرة، ويصبح من اللغو حديثه عن فترة ما بعد تحول النصرة إلى فصيل في تنظيم القاعدة العالمي، فممارساتها هي ذاتها، ولكنها تطوّرت في القمع والتشدّد والنهب، وحركة النصرة التي أصبحت حركة فتح الشام ما زالت تنتهج السياسات ذاتها، ومحاولاتها الأخيرة لتسويق نفسها كبضاعة "حديثة" ولكي تتشرعن عند الأمريكان والروس، ولا سيما بعد انفكاكها عن القاعدة، ومؤخراً أجرى محمد الجولاني لقاءات مع الصحافة الأمريكية، للسبب ذاته؛ أقول إنّ كل تلك التغييرات لم تبدل في الممارسات الواقعية للحركة الجهادية هذه في إدلب وكافة المناطق التي تسيطر عليها، حيث رفضت الاعتراف بالائتلاف الوطني وحكومته ومجالسه وعسكره، وشكلت حكومة تابعة لهيئة تحرير الشام، وكافة المؤسسات في مناطق سيطرتها خاضعة لها.
معاذ كما قَبِلَ النصرة في فترة انضوائها تحت تنظيم القاعدة، قَبِلَها بعد الانفكاك، وكذلك حينما انضوت، وإن عدم انتقاداه للمعارضة، ولا سيما الإخوان والمجلس الإسلامي السوري، يعني أنه لا يختلف كثيراً عنها. إذا ما علاقة معاذ بالدولة الوطنية، التي يتفق معظم المحللين أنّها ستكون دولة مواطنية، وتستند على حقوق الإنسان وفصل الدين عن الدولة، وقد رفض الانتقادات التي وجهت لوثيقة المجلس الإسلامي عن الهوية السورية
نعم لا علاقة لمعاذ الخطيب بالسياسة الحديثة، وكافة رؤاه لا تتجاوز العقلية السلفية، كما حاولنا التحليل، وهذا يعني أنه كما بقية قادة الائتلاف الوطني لم يعملوا من أجل رؤية وطنية للثورة السورية، تتجاوز الرؤية الإسلامية التي كرّسها الإخوان المسلمون، واتفقَ فيها مع كثير من أطراف المعارضة في ضرورة ألّا تُحيّد تلك الجماعة؛ المشكلة أنّ كافة ممارساتها التمييزية والطائفية والالتحاقية بتركيا خاصة، لم تدفع الشيخ معاذ وسواه إلى نقدٍ شديدٍ لدورها في تخريب الثورة السورية.
الآن، خرجت أغلبية أطراف المعارضة "المدنية" من مؤسسات المعارضة الفاعلة، وصارت حركة الإخوان المسلمين وأتباعها هم المسيطرون، والإخوان تابعون بشكل نهائي للدولة التركية، ولهذا لا نجدهم ينتقدون الفصائل التابعة لتركيا، والتي ممارساتها تشبه ممارسات النظام السوري من تقتيل واستبداد وسرقة للثروات ونهباً لخيرات الناس واستيلاء على بيوت الناس من كرد وسواهم. لم أسمع معاذ يتقدم بانتقاد واحد لكل هذه المسائل، وحقاً لم أرَ جديداً بتلك المقابلة، ولا سبباً لإجرائها؛ طبعاً كل الأفكار التي ذكرها في مقابلته التلفزيونية سمعناها مراراً وتكراراً.
من حق معاذ الخطيب، كشيخٍ سلفي أن يعمل بالسياسة، وكذلك من حق الإخوان وأية جماعات أخرى، ولكن السياسة الحديثة، ونحن كما أعتقد في العصر الحديث، تقتضي بالضرورة إبعاد الدين عن أن يكون مرجعية للأفكار وللسياسات ولكافة السوريين، ولو كانوا من طائفة واحدة. المقصد هنا أن على معاذ الخطيب ورفاقه في الأسلمة أن يمتلكوا ثوبين، واحد للسياسة وآخر للدين وألا يخلطا بينهما أبداً.
إنّ السياسة، وبكافة مستوياتها، تُبنى على الأكثرية السياسية الوطنية أو الأقلية السياسية فقط، وبغير ذلك فهي تضييع للوقت باستعادة الماضي، الذي لا يمكن أن يعود، وتكون النتيجة تأزيم الواقع وتسهيل تبعيته للدول الأقوى وتفكيك المجتمع وفقاً لبناة الأهليّة القديمة؛ ألم يفعل النظام السوري ذلك؟ أنتم تفعلون الشيء عينه أيها السادة الأفاضل.
ليفانت - عمّار ديّوب
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!