-
كيف يتغذّى الإرهاب على أزمة كورونا؟
ينتعش الإرهاب في الفوضى، وليس من فوضى أكبر ولا أكثر ألماً من سلسلة الأزمات الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حملها فيروس كورونا إلى عالمنا. ومع انشغال الحكومات، في كافة أنحاء العالم، بمحاربة الفيروس وآثاره المدمرة على الإنسان وجودة الحياة البشرية على الأرض، استغل الجهاديون الفرصة في إعادة بناء تنظيماتهم الإرهابية ومواصلة أنشطتهم التخريبية عن طريق تعظيم معاناة البشر، خصوصاً في المناطق التي تعاني بالفعل من ويلات الفقر والحروب الأهلية والضعف الحكومي.
حذرت الأمم المتحدة، في بيان صادر عنها الشهر الماضي، من أن "الإرهاب ما زال يشكل تهديداً، وقد تجد الجماعات الإرهابية في الأزمة الحالية فرصة لضرب الأمن، بينما تنشغل معظم الحكومات بمحاربة الوباء العالمي." وبنهاية الشهر الماضي أيضاً، أصدرت تنظيمات إرهابية، أشهرها القاعدة وداعش، نشرات إرشادية يحرضون فيها اتباعهم على استغلال أزمة فيروس كورونا في إعادة إحياء أنشطتهم وتوسيع نطاق عملياتهم، بعد أن خف الضغط عليهم من قبل قوات الأمن وقوات مكافحة الإرهاب المحلية والعالمية، وقد جاءت هذه النشرات بعد أن قامت قوات التحالف وقوات الناتو بسحب كتائبها من الشرق الأوسط ومناطق أخرى، معلنين تجميد أنشطتهم لمدة شهرين على أمل انتهاء العالم من التعامل مع أزمة الوباء.
فقد زاد نشاط تنظيم داعش على الأنترنت، منذ بداية الأزمة، بحيث يستخدم عناصر التنظيم "الترند" و"الهاشتاج" المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي العربية في نشر مواد إعلامية جذابة، يستهدفون بها الشباب العربي، من أجل الترويج لصورة وأفكار التنظيم واكتساب مؤيدين وتجنيد عناصر جهادية جديدة. أغلب هذه المواد في بداية الأزمة كانت تروج للفكرة العدائية القائلة بأن فيروس كورونا هو شكل من أشكال "غضب الله على الكفار" والمقصود هنا بالطبع هو غير المسلمين في الشرق والغرب، في رسالة تحريضية واضحة.
لكن الأمر المؤسف حقاً هو أن نسب مشاهدة هذه المواد الإعلامية المضللة وشديدة الخطورة قد زاد عن نسب مشاهدتها في أيام ما قبل أزمة كورونا، وهذا مؤشر خطير على أن التنظيمات الإرهابية، خصوصاً صاحبة التواجد الكبير على الأنترنت مثل تنظيم داعش، أصبحت احتمالات نجاحها في تجنيد عناصر إرهابية جديدة من بين الشباب العربي أكبر، لا سيما في ظل حالة الإحباط واليأس التي يمر بها أغلب سكان الكوكب الآن بسبب انتشار البطالة الناتجة عن حالة الشلل الاقتصادي التي تسببت فيها سياسية الإغلاق العام التي طبقتها أغلب دول العالم، عملاً بإرشادات "التباعد الاجتماعي" الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.
وليس الأمر أقل خطورة في العالم الحقيقي، حيث أن مخاطر الوباء المهدد للإنسانية لم تردع التنظيمات الإرهابية عن استئناف عملياتهم التخريبية، خصوصاً في أفريقيا والشرق الأوسط. جماعة بوكو حرام تعيث فساداً في غرب أفريقيا منذ فبراير دون أن تجد من يتصدى لها، وتنظيم داعش استأنف عملياته الإرهابية في كل من العراق وسوريا، خصوصاً في المدن الشمالية، وفي مارس حاول بعض عناصر التنظيم المحتجزين في الحسكة، شمال شرق سوريا الهرب من السجن بالفعل ولم ينجحوا، وفي مصر نشرت وكالة "أسوشيتد برس" نقلاً عن مصادر بالجيش المصري، أنه كان هناك "ارتفاع واضح في وتيرة الهجمات الإرهابية في شمال سيناء أثناء شهر مارس، فضلاً على عدد أخر من الهجمات المحتملة التي أحبطتها قوات الأمن المصرية في نفس المنطقة المشتعلة."
حتى أن جماعة الإخوان المسلمين، التي يحلو لقياداتها تكرار أكذوبة أنها جماعة سياسية وليست إرهابية، سعت، هي ومن ورائها من دول راعية للإرهاب، إلى استغلال أزمة كورونا في إحداث اضطرابات أمنية داخل العاصمة المصرية، القاهرة، أثناء احتفال المواطنين المسيحيين بأسبوع الآلام، في منتصف أبريل، وقد اكتشفت قوات الأمن المصرية المخطط، وحددت موقع الخلية الإرهابية في حي الأميرية شرق القاهرة، ومخازن الأسلحة التابعة لهم في حي المطرية، والتي كانوا يخططون لاستخدامها في القيام بسلسلة من عمليات القتل وسرقة الممتلكات واختطاف المدنيين، أثناء احتفالات أسبوع الآلام، من أجل إثارة الذعر وإحداث حالة من الخلل الأمني في البلاد، وفي يوم ١٤ أبريل قامت قوات الشرطة بمداهمة موقع اختباء الإرهابيين وتصفيتهم بعد تبادل إطلاق النار بين قوات الأمن والإرهابيين لأكثر من خمس ساعات. وبالرغم من أن بيان وزارة الداخلية المصرية لم يذكر تفاصيل كثيرة عن هوية عناصر الخلية الإرهابية، إلا أن ثلاث مؤشرات رئيسية ترجح انتماء عناصر خلية الأميرية لجماعة الإخوان المسلمين.
أول المؤشرات يتعلق بألية التنفيذ ومواصفات العناصر المكلفة بالتنفيذ، حيث أن كل عناصر الخلية الإرهابية بالأميرية هم متوسطي العمر، وكانوا يعيشون في هذه المنطقة والمناطق المحيطة بها منذ أكثر من عشرة أعوام، ونفس هذه المواصفات تنطبق على القيادات الوسطى لجماعة الإخوان الذين قاموا بأنشطة تخريبية متعددة في الفترة ما بين ٢٠١٣ و٢٠١٥، وهذه المواصفات تخالف كثيراً مواصفات العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم داعش مثلاً، حيث أنه من واقع كل العمليات الإرهابية التي قام بها تنظيم داعش في داخل مصر، في السنوات السابقة، كانت العناصر المنفذة للعملية من الشباب الصغار بالعمر وينفذون عمليات انتحارية أحادية بطريقة الذئاب المنفردة، وليس في صورة مجموعات لديها مخطط تخريبي متعدد المراحل.
ثاني المؤشرات يتعلق بموقع المخبأ الذي اختارته الخلية الإرهابية في حي الأميرية، ومخزن الأسلحة التابع لهم في منطقة المطرية القريبة، حيث أن حي المطرية كان هو نقطة التجمع والانطلاق الأشهر لدى عناصر الإخوان المسلمين، وسبق وحدث فيه الكثير من الاشتباكات المسلحة بين قوات الأمن وعناصر الجماعة في فترة الفوضى الأمنية التي تبعت مرحلة الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين من الحكم، عام ٢٠١٣، وكان حي المطرية مخبأ أمن للقيادات الوسطى للجماعة نظراً لتزاحم عدد السكان الكبير به.
وثالث المؤشرات وأهمها، هو حالة الهلع التي أصابت قيادات الإخوان المسلمين الهاربين إلى قطر وتركيا، حيث أخذوا يروجون عبر قناة الجزيرة القطرية وبعض القنوات التركية الموجهة للعالم العربي، وحتى من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الخلية التي هاجمتها الشرطة كانت لمدنيين عزل من "المختفين قسرياً" وأن قوات الشرطة قتلتهم رغم براءتهم، وهذا ما كذبته الفيديوهات المسجلة لعملية الاقتحام ومخازن الأسلحة والاشتباكات المسلحة بين القوات والإرهابيين.
وهذه النقطة الأخيرة، تحديداً، تأخذنا للسؤال الأهم عن الدول الراعية للإرهاب مثل قطر وإيران وتركيا واستمرارها في تقديم الدعم للتنظيمات الإرهابية التي تعيث فساداً بالعالم، رغم الأزمة المؤلمة التي تمر بها الإنسانية، فقد ذكر موقع قطريليكس أن مصادر أمنية مصرية كشفت عن أن الخلية الإرهابية بالأميرية كان قد وصلها السلاح والمبالغ المالية لتنفيذ مخططها، عبر أحد العناصر الإخوانية الذي تسلمها من الدوحة.
إن التنظيمات الإرهابية، على اختلاف أشكالها ومسمياتها ومشاربها، لن تتوقف عن ضرب الأمن والسلم العالميين، حتى في وقت يعاني منه سكان الأرض من الضعف واليأس الذي خلفته أزمة الوباء العالمي، بل إن هذا الضعف والانهزامية وفقدان الأمل والرؤية المستقبلية هو بالضبط ما خلق الفجوة التي استطاع الإرهاب النفاذ من خلالها لاستعادة قوته واستئناف نشاطه في تدمير النظام العالمي.
ولعل أفضل وسيلة للتعامل مع ضربات الإرهاب المتوقع أن تتزايد مع الوقت، هو التعجيل في أقرب وقت ممكن بعودة الحياة لطبيعتها والسماح لألة الاقتصاد أن تستعيد عافيتها ولروتين الحياة اليومية للأفراد أن يعود بشكل طبيعي. حتماً هناك طريقة ما يستطيع بها المجتمع الدولي النجاح في مكافحة الوباء دون الاستمرار في فرض قيود على حركة البشر وحظر الأنشطة العامة لفترات مطولة، لا سيما في ظل عدم وجود تاريخ محدد يبشر بنهاية واضحة لهذه الأزمة أو حتى انحصارها. إن سياسة الإغلاق العام، المطبقة في أغلب العالم، لم تنجح حتى الآن في احتواء الوباء، بقدر ما وفرت المناخ المثالي للتنظيمات الإرهابية لتنمو وتزدهر في ظل حالة الانهزامية التي تصيب البشرية الآن على كل المستويات.
داليا زيادة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!