الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
كارثة بيروت والسيناريو الأكثر واقعية
خالد المطلق

عبر التاريخ الحديث وقعت عدة كوارث سببها مادة الأمونيوم، كان أولها، في 21 أيلول عام 1921، بمقاطعة “لودفيغسهامن” الألمانية، وبالتحديد في مدينة “أوباو” في مصنع نترات الأمونيوم المخزنة في صوامع تشبه صوامع الحبوب الحالية، وكان ضحيتها 561 من عمال المصنع.


والكارثة الثانية، التي سببتها هذه المادة، كانت في 16 نيسان عام 1947، في ميناء تكساس، في الولايات المتحدة الأمريكية، وتم تدمير الميناء بشكل كامل، وكان ضحيتها 486 ضحية، والكارثة الثالثة، كانت في فرنسا، في 28 يوليو حزيران 1947، حيث انفجرت السفينة النرويجية “أوشن ليبرتي” في ميناء “بريست”، وكان ضحيتها 21 قتيل، وأيضا كارثة أخرى سببها انفجار هذه المادة في فرنسا، في مصنع “EZF” بمدينة “تولوز” في العام 2001، وتم تدمير نصف المدينة تقريباً بشكل شبه كامل، وهناك كوارث أخرى سببتها هذه المادة القاتلة، وآخرها في كوريا الشمالية عام 2014، وفي الصين 2015، ولعل أسباب وقوع هذه الكوارث جميعها أخطاء بشرية، لكن ما حدث في ميناء بيروت يجب التوقف عنده ملياً ودراسته بشكل دقيق لأسباب موضوعية، من أهمها حالة الحرب المعلنة من قبل إسرائيل على إيران وأذرعها في لبنان وسوريا والعراق، مما ساهم في احتمال أن يكون الانفجار مدبر ومخطط له، وله مقدمات ونتائج، لكن من قام بهذه العملية لم يتوقع أن تكون النتائج بحال من الأحوال كارثيّة بهذا الحجم، ومن هنا يجب أن نتحدّث عن طريقة وصول هذه المادة إلى ميناء بيروت، ولماذا تم مصادرتها وتخزينها، ولماذا لم يتم نقلها؟


بتاريخ 23 أيلول 2013، وصلت السفينة “روسيس” والتي تحمل جنسية دولة “مولدافيا” إلى ميناء بيروت، وحمولة السفينة كانت 2750 طن من مادة “نترات الأمونيوم” المصنعة في أوكرانيا، وكانت وجهة السفينة إلى موزنبيق، وتوقفت في ترانزيت ميناء بيروت، وعند فحص السفينة تبين أنّ فيها عيوباً، لا يمكنها من الإبحار بها وهي على هذه الحالة، اتصل قائد السفينة بمالكها لإبلاغه بالأمر وتكلفة إصلاح السفينة، لكن المالك لم يرد على أي أحد من طاقم السفينة، وهنا الأمر يبدو غريباً، ولا يُفسر إلا بأنّ هناك اتفاق حصل لإبقاء السفينة في ميناء بيروت، لغاية لا يعرفها إلا الذين رتبوا معه هذه الصفقة، وهنا بدأ طاقم السفينة بتركها والعودة إلى بلادهم، وعندما لم يبقَ أحد من طاقم السفينة، ومضى على رسوّها في الميناء فترة زمنية، أصدرت السلطات اللبنانية أمراً بمصادرة السفينة والحمولة التي عليها، وتم تفريغ الحمولة في أحد المخازن في قلب الميناء، وهذا أمر مستغرب، كيف تمت الموافقة على تخزين هذه الحمولة، التي تتكون من مواد شديدة الخطورة، في ميناء تجاري طوال هذه المدة الطويلة؟


كيف انفجرت هذه المادة، وماهي طريقة التفجير؟


يمكن أن يكون من خلال ثلاث احتمالات لا أكثر وهي: الاحتمال الأول، وهو وجود ورشة لحام لأحد أبواب المستودع الذي يحوي هذه المادة، وقد سربت صورة لهذه الورشة أثناء عملها، ولا يمكن التأكد من صحة هذه الصورة ودقتها، ونتيجة تطاير شرر آلة اللحام إلى إحدى العبوات، والمصنعة أصلاً من مواد بلاستيكية رقيقة ومتينة، حيث اشتعلت العبوة وامتدت إلى باقي العبوات، وبالتالي أدّى ذلك إلى الانفجار الكبير، وأعتقد أن هذا السيناريو بعيد عن الواقع، لأسباب أهمها: إنّ هذه المادة يمكن أن تشتعل لكن لا يمكن أن تحدث موجة صدمة هائلة، بحجم موجة الصدمة التي تبعت انفجار ميناء بيروت، وهذا الانفجار يحتاج إلى، إما لصاعق موصول مع عدد من العبوات التي تحوي المادة، أو يحتاج إلى قوة ضغط، لا يمكن أن تتولد هذه القوة إلا من خلال انفجار صاروخ استهدف المستودع، أو عبوة ناسفة بحجم كبير وضعت في قلب المستودع.


الاحتمال الثاني، يتعلق بعملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وقرار الحكم الذي سيصدر بعد يومين من تلك الجريمة بحق عناصر من حزب الله، من خططوا ونفذوا تلك الجريمة النكراء، ومن هنا يمكن أن يكون حزب الله قد افتعل هذا الانفجار للتغطية على قرار الحكم، أو على الأقل تأجيل جلسة النطق بالحكم، لعله يحدث أمر ما يتم بموجبه طمس هذه الجريمة. 


الاحتمال الثالث، يعتمد على ما صرّح به أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، في أحد خطاباته الاستعراضية عام 2016، عندما هدّد إسرائيل بضرب مصنع “نترات الأمونيوم” في ميناء حيفا، بعدد من الصواريخ، وأكد على أنّ نتيجة هذه الضربة ستكون كنتيجة قنبلة نووية، ونتيجة هذا التهديد وتفادياً لكارثة قد تقع أو لا تقع، فمجرد التهديد بذلك استشعرت إسرائيل الخطر على حياة سكان مدينة حيفا، فنقلت المصنع إلى جنوب إسرائيل بعيداً عن المناطق الآهلة بالسكان، وفي 23 يوليو حزيران عام 2019 نشر “أفخاي أدرعي” المتحدّث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، على حسابه على تويتر، خريطة، وقد حدّد عليها أهدافاً مشروعة للجيش الإسرائيلي، ومن هذه الأهداف ميناء بيروت، والذي حسب أدرعي يستقبل سفن الشحن الإيرانية التي تحوي مواداً حربية تصل إلى الحرس الثوري الإيراني، عبر معبر المصنع الحدودي، بين لبنان وسوريا.


ومن خلال هذا كله، علينا وتأكيداً لنظرية استهداف الميناء من قبل إسرائيل، يجب، أولاً، أن نقارن ما حدث في بيروت بما حدث في مدينة “سراقب” السورية، في ريف إدلب، حيث استُخدمت قنبلة (صاروخ) مشابهة تماماً من حيث الشكل والصور الملتقطة لكلا التفجيرين، ويؤكد وجود تطابق شبه كامل بين هذين التفجيرين من حيث شكل القمع الدخاني الأبيض الذي انبعث بعد الانفجارين بفترة قصيرة جداً، وحجم وشكل كتلة اللهب التي ظهرت عقب الانفجارين بفارق واحد، وهو أنّ القنبلة التي ألقيت على”سراقب” كان تأثيرها من حيث موجة الصدمة ليس بمستوى تأثير انفجار بيروت، لأنّ المنطقة هناك مفتوحة وبعيدة عن الأبنية العالية والمنشآت العمودية، كالأبنية المتواجدة حول ميناء بيروت، وقرب الميناء من المدينة العامرة بالأبراج السكنية والأبنية العالية، وهذا سبب حصر موجة الصدمة بين الشوارع والأزقة الضيقة، وبالتالي سبب هذا الدمار الكبير، ومن هنا أعتقد بأنّ هذا هو الاحتمال الأقوى لهذا التفجير الكارثي، خاصة أنّ عدداً كبيراً من اللبنانيين، أكد على وجود طائرات فوق سماء بيروت قبيل الانفجار بلحظات. 


ومن المرجّح أن يكون الطيران الإسرائيلي قد استهدف المستودع بصاروخ من نوع جديد، يعتمد على نظرية جديدة في التفجير، عبر مواد خاصة مثل أكسيد الزئبق يؤدي استخدامها إلى تفاعل هذه المادة مع مواد أخرى، تؤدي إلى قوة هائلة من موجة الصدمة التي تؤدي بدورها إلى خلخلة في طبقات الجو المحيط بالمكان، مما يؤدي إلى تدمير هائل في المباني والمنشآت التي تحيط بمكان الاستهداف، بقطر حتى 9 كيلو متر، وأعتقد جازماً أنّ وجود مادة “نترات الأمونيوم” ساعد كثيراً في حجم الانفجار وزيادة كبيرة وغير متوقعة في حجم الخسائر، وأعتقد أنّ هذا هو السبب الحقيقي وراء عدم تبنّي إسرائيل لهذه العملية الجريمة.


بالنتيجة، ومن خلال الاختراقات الكبيرة والكثيرة في أجهزة الأمن في بلداننا العربية، فمن الطبيعي أن يكون تخزين هذه المادة الخطيرة في منطقة شديدة الحساسية، من حيث الكثافة السكانية والموقع “الجيوسياسي” للميناء، لا يخفى على أجهزة المخابرات العربية والدولية، وخاصة أجهزة مخابرات الدولة اللبنانية، وهنا الكارثة الحقيقية، فمن يتستّر على وجود هذه المواد في هذه المنطقة الحساسة، أعتقد أنّه لايملك ذرة من الحسّ الوطني الذي يبدو أنّ الكثير من أجهزتنا تنازلت عنه مقابل الفتات، لتهتم بأمن الجماعات والأحزاب والشخصيات، حتى لو كانت على مستوى رئيس جمهورية، فالوطن أكبر من الجميع، وأمنه لايمكن المساومة عليه تحت أي ظرف من الظروف، ومن لا يحمل هم أمن بلده وشعبه أعتقد أنّه رجل عصابات ومافيات تقدّس الزعيم بغطاء تقديس الوطن، والوطن منهم براء. 


ليفانت – خالد المطلق  

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!