الوضع المظلم
الجمعة ١٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
قمة العلمين وقضايا الطاقة والأمن.. دلالة التوقيت
 رامي شفيق

قمة جديدة يلتقي فيها رؤساء مصر والإمارات والأردن والعراق والبحرين، بمدينة العلمين المطلة على ساحل البحر المتوسط. هذا اللقاء المهم في توقيته ودلالته السياسية الذي يجمع قادة خمس دول بالمنطقة، يهدف إلى التباحث بشأن عدد من الملفات الملحة سياسياً واقتصادياً، والتي تتقاطع مع تفاعلات الوضع الدولي، وكذا تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على كافة الأطراف ونقاط الجغرافيا، وبما تفرضه من تحركات على القوى والفاعلين الدوليين والإقليميين.

الأمر الذي يبدو شارحاً لتكرار اللقاءات العربية خلال فترات متقاربة، ومن ثم، يمكن سبر أغوار قمة العلمين عبر المضي قدماً نحو البحث عن مواءمات تكتيكية بشأن القضايا والملفات الحيوية في الشرق الأوسط، بغية ملامسة عتبة التنسيق المشترك، لا سيما أن القمة تأتي في توقيت دال.

تبدو دلالة ذلك عبر عدد من النقاط، تبرز من خلال استمرار العمليات العسكرية الروسية على أوكرانيا، وغيوم أفق توقف تلك العمليات، وكذا تأزّم الوضع في العراق مما نتج عنه فراغ حكومي يتعلق بأن الحكومة الموجودة حالياً هي حكومة تصريف أعمال فضلاً عن وجود رئيس الجمهورية منتهية ولايته، وما لذلك من انعكاسات قد تكون مهددة لاستقرار العراق. ويضاف لذلك تحركات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عبر تناقضات الملف الروسي الأوكراني وتوظيف ذلك داخل الشرق الأوسط، خاصة في الملف السوري والليبي.

تحولات السياسة الدولية واضطرابات الملفات الإقليمية تفرض أجندتها على المجتمعين. كما أن تناقضاتها تدفع الجميع نحو ضرورة الوصول إلى نقاط مشتركة بغض النظر عن الاختلاف على مستويات أخرى.

من خلال تلك الزاوية، يمكننا فهم دعوة الرئيس التركي لتسريع وتيرة التقارب مع القاهرة، وكذا تجاوز الخلاف مع رأس النظام في سوريا، الأمر الذي يبرز براجماتية الواقع السياسي ومدى ضرورة تحرك كافة الأطراف تكتيكياً لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية.

على المستوى الاقتصادي، تشترك كل من القاهرة وأبو ظبي وعمان والمنامة فيما عرف "بمبادرة الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة". إذ جاءت الآلية من خلال مصر والأردن والإمارات بينما انضمت البحرين في وقت لاحق.

كانت أبو ظبي قد استضافت القمة المعنية بهذه المبادرة في شهر مايو/ أيار الماضي، بحيث تركزت محاور الإنجاز خلال القمة في الشراكة عبر خمسة قطاعات صناعية، شملت الزراعة والأغذية والأسمدة والأدوية والمنسوجات والمعادن والبتروكيماويات.

وتضمنت مخرجات القمة التكامل والتخطيط بعيد المدى، بما يساعد الدول الأعضاء على وضع المنصات الصناعية التقنية لتعزيز التنمية الاقتصادية، وتحقيق التكامل الصناعي بما في ذلك منظومات متكاملة تحقق جدية واستثمار وتكاملية وتشاركية، وبما يساعد كذلك في تعزيز التنمية المستدامة وتطوير صناعات تنافسية ذات مستوى عالمي. علاوة على تعزيز قطاعات التصنيع ذات القيمة المضافة، وكذلك توفير سلاسل توريد مضمونة ومرنة وتعزيز نمو سلاسل القيمة والتجارة وتكاملها بين الدول.

كما اعتمدت القمة اثنا عشر مشروعاً في قطاعات الزراعة والأغذية والأسمدة والأدوية باستثمارات تقترب من أربعة مليار دولار. ومن ناحية أخرى تبرز في قمة العلمين حضور الأردن باعتباره طرفاً رئيساً في قضية تصدير الغاز المصري إلى لبنان وذلك عن طريق خط الغاز العربي المسؤول عن نقل الغاز الطبيعي الذي يبدأ من مصر وصولاً إلى الأردن ثم سوريا ولبنان بطول ألف ومائتي كيلو متر.

يتكون خط الغاز العربي من أربع مراحل، تمتد المرحلة الأولى من العريش في مصر إلى العقبة بالأردن بطول 256 كيلومتراً، بينما يضم 15 كيلومتراً بالقطاع البحري تحت خليج العقبة. أما المرحلة الثانية فتمتد بطول 390 كيلومتراً من العقبة إلى منطقة الرحاب، التي تبعد عن الحدود الأردنية السورية بنحو ثلاثين كيلومتراً. وفيما يتصل بالمرحلة الثالثة فتمتد بطول ثلاثين كيلومتراً من الرحاب الأردنية إلى منطقة جابر بسوريا، مما يؤكد على عمق الشراكة الاقتصادية بين مصر والأردن فضلاً عن كون المجالات التي يتم فيها العمل في إطار آلية التعاون الثلاثي بين العراق والأردن ومصر، تشمل مجالات الطاقة، خاصة مع بغداد وما يتعلق بمسألة الربط الكهربائي.

ثمّة ملفات ساخنة مشتركة بين الدول المجتمعة على ساحل البحر المتوسط، سواء كان ذلك فيما بين القاهرة وأبو ظبي من ناحية، وأخرى بين عمان وبغداد، وكذا بينهم جميعاً خاصة فيما يتصل بالوضع في سوريا وليبيا واليمن ومدى انخراط القوى الشرق أوسطية -تركيا وإيران- في تلك الملفات بصورة تهدد الاستقرار الإقليمي بشكل مباشر وتحلحل مفردات الأمن العربي.

أجندة قمة العلمين التي تسبق القمة العربية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم بالجزائر يتحتم عليها المضي قدماً في التنسيق والترتيب المشترك على أولويات الوضع الجيوسياسي في المنطقة العربية، وتجاوز الفراغ الذي نتج عن تدهور وضع الدول العربية وتشوه مفهوم السيادة في عدد من العواصم العربية، الأمر الذي يبرز معه مخاطر استراتيجية تهدد وضع النظام الإقليمي وتمظهر القوى العربية الفاعلة فيه.

من الأهمية بمكان التأكيد على أن الأفق المنظور، دولياً وإقليمياً، لن يسمح ببروز قوى انفرادية تستطيع أن تتحكم وتهيمن على الأوضاع السياسية والاقتصادية. وأن ثمّة مساحات حركة لعدد من الفاعلين على مستويات متباينة لا سيما أن اللحظة الحالية هي لحظة اضطراب عنيف لا تسمح برؤى انفرادية ولا توجيه لمظاهر فرط القوة والثروة في ملفات محددة.

عبر ذلك تحديداً يمكننا فهم مجريات قمة العلمين وكافة اللقاءات والتحركات السياسية لعدد من رؤساء الدول عبر العواصم الإقليمية والدولية. إذ من خلال البحث عن المشتركات والمصالح التكتيكية يمكن الوصول لنقاط استراتيجية دقيقة.

 

ليفانت – رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!