-
محطات من الجاسوسية القطرية.. من أمريكا إلى الدول العربية والمعارضة السورية
مع انطلاقة شرارة الانتفاضات العربية من تونس؛ كان التيار الإخواني على موعد مع دعم سخي من دولة قطر. بدأ قطار الدعم من تونس مع انطلاق الاحتجاجات ضد نظام بن علي وعودة حركة النهضة الإخوانية وصولاً إلى تنظيم الإخوان في مصر ودعم وتيارات سلفية في ليبيا وسوريا.
كانت السُّعُودية والإمارات تراقبان بدقة وقلق مآلات الثورات العربية وخوف أصبح حقيقة بنهاية المطاف، لقد ظهر الإخوان في سدة الحكم. ظهر الخلاف بقوة أكثر مع قطر عندما حطت موجة الاحتجاجات في سوريا حول طريقة التعاطي مع الحراك الثوري ضد نظام البعث الحاكم في سوريا بزعامة الأسد الابن.
حاولت السعودية والإمارات بمبادرات علنية أو بواسطة قنوات دبلوماسية وأمنية للوصول إلى فكفكة للعقد، فدعمت السُّعُودية لاحقاً مسار الرياض واللجنة العليا للتفاوض لخلق توازن في أحجام المعارضة المؤثرة وقبلها وبعد أشهر من الحراك جرت وساطات على عدة مستويات مع نظام الأسد دون جدوى.
لم تحقق المملكة تأثيراً في واقع الصراع والحل في سوريا مقارنة بتركيا وإيران وقطر التي انخرطت مبكراً بمساعدة الاستخبارات التركية بالدعم المالي والسلاح بتحييد العسكر المنشقين من الضباط تدريجياً ودعم التشكيلات المقاتلة ذات الصبغة الإخوانية لجهة الولاء أو الاختراق على مستوى القادة أو الدعم المشروط بالسلاح للفصائل ذات الخلفية العقدية الجهادية الموالية للقاعدة، وأمر آخر تجلّى بشراكة مخابراتية مع تركيا للتجسس على المعارضة وتوريطهم بملفات فساد ورشى ودعارة. لقد كانت السيطرة على الأرض هاجساً للجميع في البداية، فقطر وهاجس الدعم والدفع باتجاه التيار الإسلامي السياسي ودعم التنظيمات الجهادية وبقية دول الخليج إذا جاز التعبير نحو دعم ضد هذا التيار.
كان ضرب تشكيل الجيش الحر لحساب سيطرة الإخوان على الأرض أمراً جوهرياً في تمكين التنظيم في مشهد الصراع ضد النظام الحاكم في سوريا كطرف ضد وقوي على حساب بقية التجمعات السياسية أياً تكن داخل البلاد أو المتشكلة خارجه، ولاسيما تلك التي نجحت بشكل نسبي مع بداية الحراك الشعبي من التجمع في هيئة التنسيق الوطنية التي رفضت تنظيم الإخوان كحزب ديني في المرحلة الانتقالية ولم تمانع الحوار معه ووجوده بصفة مدنية، في مشروع دولة مواطنة النقيض لدولة الحاكمية بأمر الله التي تؤسس الجماعة فهمها في إدارة الدولة.
مع بَدْء مؤتمرات المعارضة في تركيا، لم تكتف تركيا وقطر بالدعم والمراقبة والتيسيير وانخرطتا في عمليات تجسس على شخصيات المعارضة، لتكدسا ملفات الابتزاز التي تلزم عند الطلب. يقول معارض سوري لليفانت فضل عدم ذكر اسمه وكان من الحضور المدعويين إلى مؤتمر أنطاليا للمعارضة السورية بين 31 آيار و3 يونيو 2021 الذي جرى تحت عنوان تحت اسم "المؤتمر السوري للتغيير" بمشاركة نحو 300 معارض سوري مثّلوا أشخاصهم بالإضافة لحضور ودعم رجال أعمال سوريين؛ "كان هناك مغرِيات في الفندق تبدأ بالهدايا ولا تنتهي بجلسات المساج في الغرف الحمراء.
حذّرت وآخرين، يقول المعارض السوري لمراسل ليفانت نيوز الحضور المشارك في هذا المؤتمر من الدخول إلى غرف المسّاجات في هذا الفندق حيث يقيمون مؤقتاً، أو قَبُول الهدايا أو المال "مصروفات الجيب المبالغ بها"، لكن وبحسب مصدر ليفانت فإن كثيراً من الشخصيات عرّجت على هذه الغرف وقبلت الهدايا المبالغ بها. لاحقاً سنسمع في أوساط مغلقة من المعارضة بعد هذا المؤتمر وبعد تكرر المؤتمرات ومرور سنة من أول اجتماع في إسطنبول 26 إبريل 2011 وأكثر عن ابتزاز الغرف الحمراء لحساب المخابرات التركية، ولم يستبعد مراقبون مساعدة قطرية في هذا السياق بواسطة معارضين من تنظيم الإخوان أو غيرهم.
قطار التجسس من أمريكا فالمغرب العربي وإلى سوريا
انطلقت الشرارة من تونس في 18 ديسمبر 2010، كانت قطر تجهّز العدة لحلفاءها، عملت على اختراق خصوم تنظيم الإخوان بأجهزة تنصت وتجسس. وفقاً لجريدة البيان الإمارتية، فإن تقارير أمنية أشارت إلى أن السلطات القطرية كانت منذ العام 2011 وراء تمكين جماعات الإسلام السياسي على المستوى التقني أيضاً لرصد هواتف المنافسين السياسيين وتحركاتهم واختراق مواقعهم وصفحاتهم الإلكترونية.
كان للعقيد أحمد المسماري حديث في أن قطر تعتمد على التنصت والجوسسة في بث الخراب داخل التراب الليبي، من خلال تجنيدها لعملاء وتمكينهم من أدوات متطورة لاختراق الأجهزة الحكومية، مشيراً إلى أنه كشف عن عدد من عملاء المخابرات القطرية، الذين تورطوا في التنسيق مع الجماعات الإرهابية والمليشيات المسلحة الخارجة عن القانون في ليبيا.
وفي تونس، كان تهامي العبدولي زعيم حزب الحركة الوطنية، وزير الدولة السابق للخارجية، أعلن تحديد موقع لقاعة تنصت على الشخصيات السياسية والإعلامية والنخب التونسية تابعة لحزب سياسي، في إشارة منه لحركة النهضة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان في تونس، مضيفاً أن القاعة تم إنجازها بتمويل قطري وهي تمارس التجسس خارج إطار الدولة.
وفي الجزائر، ضبطت الجمارك الجزائريّة بمطار هواري بومدين في ديسمبر 2015 أجهزةً حساسة يُمكن استخدامها في عمليات تجسس، قادمة من قطر.
وكان ثروت الخرباوي القيادي المنشق عن جماعة الإخوان في مصر، تحدث لـ«البيان» عن شبكة تجسس على الهواتف الأرضية والمحمولة «ألمانية الصنع»، قدمتها الدوحة للإخوان في فترة حكمها بمصر، واستقدمت خبراء ومهندسين أتراك لتشغيلها، وكشفتها المخابرات المصرية وحطمتها وخربتها، وهذا ما كان يقصد به خيرت الشاطر عندما قال «إحنا بنعرف دبة النملة». "2"
كان مايكل فايس صحفياً استقصائياً معروفاً نشر في دايلي بيست الأمريكية في 5 أكتوبر 2018 تحقيقاً كشف نشاطات تجسسية لفرق هكر تدعمها قطر. يجري الأمر عن طريق استهداف الضحايا وبينهم معارضين سوريين بواسطة إرسال روابط باستخدام موقع TinyUrl.com لتقصير الروابط لإخفاء هُوِيَّة المهاجمين، بمعنى إرسال رسائل إلكترونية مخادعة، الهدف منها إغراء المعنيين بإدخال كلمات مرور البريد الإلكتروني الخاصة بهم على موقع إلكتروني مزيف يديره قراصنة إلكترونيين.
قدم موقع TinyUrl كماً هائلاً يتألف من 11 ألف صفحة من المواقع الإلكترونية ورسائل البريد الإلكتروني المستخدمة لمحاولة الإيقاع بـ 1200 هدف خلال عامٍ واحدٍ، من 1 حزيران/يونيو 2017 إلى 31 أيار/مايو 2018، وفقاً للبيانات التي أطلعت عليها ديلي بيست. "3"
أيضاً المموّل الجمهوري السابق والتابع لترامب، إليوت برويدي، وقع ضحية للقرصنة، ما جعله يقاضي وحلفاؤه دولة قطر بسبب الاختراق في 2018.
زعم برودي أن الجهات الفاعلة المدعومة من الدولة القطرية كانت مسؤولة عن اختراقه، ووصفها في شكوى بأنها "حرب إلكترونية معقدة، وحملة تجسس وتضليل"، وتزعم الدعوى أن المتسللين استهدفوا زوجة برويدي بخطة سرقة.
يقول برويدي إن عمليات الاختراق بدأت في منتصف ديسمبر من عام 2017 واستهدفت حلفاءه وشركائه كما استهدفته. وخص بالذكر نيكولاس موزين، وهو موظف كبير سابق للسناتور تيد كروز وعضو ضغط في قطر، في دعواه القضائية. جاء الاختراق في خضم حرب الضغط التي كانت تقوم بها المملكة العربية السُّعُودية والإمارات العربية المتحدة ضد قطر. بطبيعة الحال، عمل برويدي بأعمال تجارية مع مسؤولين سعوديين وإماراتيين، وهو من أشد منتقدي قطر المتهمة من السُّعُودية والإمارات بدعم إرهابيين.
اقرأ المزيد: "الحوثيون" قراصنة إيران في البحر الأحمر.. تهديد للملاحة الدولية
لاحظ أصدقاء برويدي التشابه في طريقة استغلال البريد الإلكتروني ضد يوسف العتيبة - سفير الإمارات العربية المتحدة القوي في واشنطن وخصم دبلوماسي قوي للقطريين.
وعلى الضفة السورية أيضا، ووفقاً للديلي بيست فإن وائل السواح، عضو مجلس إدارة المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، كان على قائمة المستهدفين على الرغم من كونه معارضاً للنظام السوري ومعتقل سابق ولم ينخرط في الكتابة عن شؤون الخليج مبدياً استغرابه وحيرته.
أيضاً، تجسست قطر على ساشا غوش سيمونوف (وهو يهودي يحمل الجنسيتين الكندية والأمريكية) وهو متخصص في الأمن الرقمي كان يعمل لتدريب المعارض السورية على الحماية من الهجمات الإلكترونية، مستغرباً من وصول الرقابة إليه.
إن العمل الاستخباراتي بقصد الحصول على المعلومات لأجل مكافحة الإرهاب أو الأمن في حدود معينة أمر اتفقت عليه الدول على ألّا يكون مخالفاً للوائح المتعارف عليها في مجتمعات الاستخبارات والقانون الدَّوْليّ وليس لأغراض ابتزاز وشراء الذمم أو الدفع في نجاح مسار معين. لقد استخدمت أمارة قطر لسنوات ضابطًا سابقًا في وكالة المخابرات المركزية للمساعدة في التجسس على مسؤولي كرة القدم كجزء من جهد لا يُدخر في الفوز ببطولة كأس العالم 2022 والاحتفاظ بها كما كشفت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية في أحد تحقيقاتها. "4"
اقرأ المزيد: سيدات الكويت والجيش.. خطوة على طريق الانفتاح
كانت ذكرت صحيفة صنداي تايمز اللندنية أن عملاء سابقين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ساعدوا فريق ملف قطر لعام 2010 المشتغل على تحقيق الفوز باستضافة كأس العالم. لكن التحقيق الذي أجرته وكالة أسوشييتد برس هو الأكثر تفصيلاً حتى الآن عن استخدام قطر لجواسيس أمريكيين سابقين، ويقدم نظرة نادرة على عالم وكلاء المخابرات السابقين الذين يعملون في الخليج لمصلحة حكومات أجنبية.
1- الغارديان
2- البيان
3- ديلي بيست
4- أسوشيتد برس
ليفانت خاص
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!