الوضع المظلم
الأربعاء ٠٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • قانون قيصر بين فشل المعارضة السياسية وديناميّة القوى الثورية

قانون قيصر بين فشل المعارضة السياسية وديناميّة القوى الثورية
الكل يسعى وراء أمنه القومي .. أين العرب


إذا ما ألقينا نظرة سريعة على أداء مؤسسات المعارضة السورية وعلى رأسها الائتلاف الوطني، نجد أنّ أداء هذه المؤسسات منخفض جداً ولايرقى الى حجم التضحيات الكبيرة التي قدمها ويقدمها الشعب السوري، إنّ هذه المعارضة العاجزة والمترهلة والفاشلة على جميع الأصعدة، غير مؤهلة سياسياً لقيادة وتمثيل ثورة الشعب السوري، بل إنّ الأزمة التي تعيشها هذه المعارضة ماهي إلا نتاج حقيقي لمرحلة متعفنة للتقاليد السياسية، ونتاج هيمنة تقاليد الاستبداد السياسي، ونموذج رديء ومتخلف نتج عن غياب تقاليد عقلانية للفكرة السياسية. قانون قيصر


لم تستطع هذه المعارضة الانفكاك والانعتاق من هذه المرحلة المظلمة، رغم كل التحولات التي خلقها “الربيع العربي”، ولم تدرك بأنّ حقيقة الثورة هي ديمومة البدائل العقلانية وتوسيع مدياتها السياسية والاجتماعية والحقوقية والإنسانيّة، والتي تتغيا أولاً “الأنا” السورية والذات الوطنية، قبل الرهان على القوى الدولية والإقليمية واستجداء الحلول عندهم، حتى ولو كانت على حساب المصلحة الوطنية وقيم الثورة النبيلة. واذا ما تحدثنا عن فشل الائتلاف في الإطار السياسي والدبلوماسي، وعلاقاتهم الخارجية مع المجتمع الدولي، والقوى الفاعلة فيه، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، نجد أنّ الانخفاض في مستوى الأداء السياسي للائتلاف نابع بالأصل من انخفاض المستوى السياسي لأعضائه، لأنّ جلّ هؤلاء لم يسبق لهم العمل في مواقع سياسية ودبلوماسية أو مواقع لها صلة بكيفية اتخاذ القرار السياسي، بل وعمل كل واحد منهم بحسب ما تقتضيه مصالحه الشخصية، أو مصالح تياره وحزبه الذي ينتمي إليه، بعيداً عن المصلحة الوطنية العليا أو مصلحة الشعب والثورة السورية، ناهيك عن الفساد المالي والإداري المستشري في أوساط الائتلاف ومؤسساته السياسية والعسكرية والمدنية. ونتيجة لارتهان المعارضة السورية للجهات الداعمة والمشغلين، والعمل بدلالة ومصالح الداعمين لا مصلحة الثورة، أدّى ذلك إلى إصابتها في مقتل. وما كان ذلك ليحدث بهذه السهولة لو أنّ لدى من تصدّر المشهد المعارض سياسياً وعسكرياً، قدراً من الاستقلالية والنزاهة والحس بالمسؤولية الوطنية.


هناك غياب للمعارضة السياسية عن دائرة الفعل والتأثير وفشلها في قيادة الحراك الثوري، وفي تمثيله سياسياً، وعدم قدرتها على تشكيل تكتل سياسي قادر على دعم الحراك وتغطيته للوصول الى غايته. وعلى صعيد التحرّك من داخل الدول العظمى المؤثرة في القرار السوري، وعلى وجه التحديد أمريكا والاتحاد الاوروبي.

فشلت هذه المعارضة في خلق جماعات ضغط ولوبيات مرتبطة بها، للتأثير على صانع القرار في هذه الدول، ومن أهم الملفات التي فشل الائتلاف السوري باستثمارها هي قضية الضابط السوري المنشق عن النظام، والمعروف بقيصر أو سيزر، وهو الاسم الحركي لعسكري ومصور في الطبابة الشرعية في جهاز الشرطة العسكرية للنظام، والذي استطاع الخروج من سوريا في منتصف 2013، بالتعاون مع منظمات سورية ودولية، وقد تمكّن من تسريب 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل، قتلوا تحت التعذيب. 


رغم العجز والفشل في السياسة الخارجية للائتلاف، وعدم الاستثمار في الملفات الهامة التي لها تأثير على صانع السياسة في الولايات المتحدة، وعلى رأس هذه الملفات قضية “قيصر”، سارع الائتلاف من خلال شخصيات نافذة أو مقربة منه إلى استغلال قيصر، والفريق الذي يعمل معه، وهذا ما أكده قيصر وبعض الشخصيات الأخرى في هذا الفريق، من خلال بعض اللقاءات الصحفية، واتّهم شخصيات بارزة في الائتلاف أو مقربة من هذه المؤسسة، بالوقوف خلف ما وصفوه “عمليات ابتزاز وتهديد ومحاولات اختطاف لـ”قيصر” للاستثمار، وتحقيق مكاسب سياسية، وبلغت هذه الابتزازات حدّ الخطر الأمني على حياتنا”، وأكد أنّه “ربما ليس الوقت مناسباً للكشف عن التفاصيل والأسماء والجهات، لكن سيأتي اليوم الذي نكشف للشعب السوري حقيقة هذه الفئات المعارضة، على الأقل، الشخصيات التي تعاملنا معها في بداية العمل على الملف”.


وتحدّث عن طبيعة علاقته بالمعارضة السورية بقوله: “للأسف، منذ البداية، لم تقدّم لنا المعارضة المتمثلة بالائتلاف أو المستقلة عنه، أي مساعدة سياسية أو مالية أو على سبيل الدعم الدولي”، وتحدّث أيضاً أنّ “هناك أكثر من عشرين منظمة ومؤسسة يعملون تحت اسم فريق قيصر، ويتقاضون مئات الآلاف من الدولارات سنوياً، من الدول المانحة، بحجة دعم الملف الإنساني والقضائي، مستغلين وضعنا الأمني وعدم قدرتنا على الظهور، وسيكون هناك وقت مناسب للكشف عنهم”. 


إنّ الثورة لايمثّلها كيانات سياسية وعسكرية ومدنية، عبرت عن ذاتها بهذه الطريقة او تلك، وادعت الشرعية الثورية هنا وهناك، بل هي حالة عفوية وشعبية، وحالة استجابة لضرورة التغيير وإحقاق العدالة والتطور السياسي. وفي هذا الإطار سارعت القوى الثورية المتمثلة بشخصيات وجماعات ضغط ولوبيات سورية، تعيش في الولايات المتحدة، إلى تبني ملف قيصر وفريقه، فقد نجحت الجهود الحثيثة لمنظمات الجالية السورية في أمريكا باكتشاف “قيصر”، في وقت لاحق من عام 2014، وتمكّنت هذه المنظمات من ترتيب دخول “قيصر” إلى الولايات المتحدة، وترتيب اجتماعاته بممثلين عن الكونغرس الأمريكي، ومسؤولين في وزارة الخارجية، وساعدته على عرض صوره المسربة أمام الرأي العام الأميركي. واستشعاراً للرغبة الضعيفة بتنفيذ عمل عسكري أمريكي، أدرك المجتمع المدني السوري_الأميركي، الحاجة إلى الضغط الاقتصادي على النظام وروسيا وإيران لتقديمهم إلى طاولة المفاوضات. وبحسب إريكا هانيتشاك، مديرة العلاقات الحكومية في منظمة “أميركيون من أجل سوريا حرة”، التي شكلت تحالفاً مع المجتمع السوري الأميركي ضم أيضاً هيئات مثل “سوريون مسيحيون من أجل السلام” و”المجلس السوري الأميركي” و”فريق المهمات العاجلة السوري” وقد بذل التحالف جهوداً كبيرة لوضع قانون لمعاقبة النظام السوري، استناداً الى صور “قيصر”، ومنذ تقديم مشروع القانون في العام 2016، كما أوضحت هنيتشاك، عقدت أميركيون من أجل سوريا حرة وبقية أعضاء التحالف، أكثر من 450 اجتماعاً مع أعضاء الكونغرس ومساعديهم، مع إقامة حفلات استقبال للأعضاء الجمهوريين والديمقراطيين.


إضافة الى إنشاء شراكات مع منظمات شعبية، وأفراد للتواصل مع ممثليهم في الكونغرس، لدعم القانون، وبعد مصادقة الكونغرس الأميركي على “قانون قيصر” وتوقيع الرئيس ترامب عليه، سيدخل حيز التنفيذ، منتصف الشهر الجاري، وهو ليس قانوناً أمريكاً فقط، بل هو نتيجة “نضالات” وجهود سنوات من أعمال لوبيات الضغط السورية. ولعل تجربة الجالية السورية في أمريكا والتي تضافرت فيها المبادرات الفردية مع العمل الجماعي، مع من بذلوا عشرات آلاف الدولارات، كي يمولوا رحلات شهود العيان، بما فيهم قيصر نفسه، مع من بذلوا ما استطاعوا من مساهمات صغيرة، مالية أو غير مالية، هنا وهناك، ربما يقدم تجربة تستحق الدرس والاقتداء، وضرورة خلق لوبيات عمل وضغط في عواصم صناعة القرار.


وأخيراً، تكمن قيمة “قانون قيصر” الرئيسة في أنّه خطوة هامة في طريق نزع الشرعية القانونية عن النظام، وهذه الخطوة على المستوى القانوني أهم من كل أشكال المعارضة السياسية والفصائل المسلحة والجيوش التي تشكّلت طوال الفترة الماضية.


ليفانت – محمد الشوا








 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!