-
في سوريا، ليبيا وتركيا: الضعضعة تنخر في جسد تنظيم الإخوان المسلمين!
أكّد النظام السوري، في الثاني من مارس، إنّه عازم على التصدي بحزم للعداون التركي على أراضي سوريا، وذلك غداة إعلان أنقرة بدء عملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب حيث نشرت قواتها وقدمت الدعم لمليشيات مسلحة، وقال مصدر رسمي في وزارة الخارجية والمغتربين التابعة للنظام السورري: "إنّ دمشق تؤكّد العزم والتصميم على التصدّي للعدوان التركي السافر بكلّ حزم ووضع حدّاً لكافة التدخلات التركية حفاظاً على سلامة ووحدة الأراضي السورية". الإخوان المسلمين
وتمكّن النظام السوري من خلال اتفاقيّة أبرمت بين الجانبين الروسي والتركي في الخامس من مارس، من تحديد خط اشتباك جديد، تمثّل في النقاط التي وصلت لها قوات النظام، والتي شكّلت عملياً نصف مساحة إدلب، أي نصف المساحة التي كانت بيد المليشيات المدعومة تركياً.
ورغم إنّ بعض الأطراف ترغب في تصوير خسارة تلك المساحة لصالح النظام السوري على أنها خسارة للحراك الشعبي السوري الذي انطلق العام 2011، لكنّ الأخير انحرف وفق كثير من السوريين عن مساره الذي كان يريدون منه أن يحرّر بلادهم من سطوة نظام مستبدّ، فإذ بها الأطراف الأقليمية وتحديداً أنقرة وقد جردت حراكهم من السمات الوطنية، من خلال تبني أهداف وروايات وأعلام تركية أو داعشية أو أخرى تابعة للقاعدة. وعليه لم يعد ممكناً القول بأنّ الخسارة في إدلب حقيقةً لم تكن للسوريين، على اعتبار إنّه لم يعد لهم في الصراع على أرضهم أي حصّة، وتحوّلِ المعارك إلى صراع نفوذ ومصالح تركي روسي بدرجة أولى.
والدليل إدخال آلاف الجنود الأتراك إلى إدلب، إضافة إلى التعامل الفجّ للمحللين السياسيين الأتراك مع قادة ما يسمون بـ "الجيش الوطني السوري"، ومنها إهانة "بكير أتاجان" لـ "أسعد الزعبي" على شاشة إحدى القنوات السورية المعارضة، ومن ثم إهانة "أتاجان" لمذيع القناة ذاتها في حلقة لاحقة، والتي أثبتت دون مواربة، عقلية الأتراك في التعامل مع المعارضين السوريين على أنّهم أضحوا أدوات يستخدمونها في احتلال بلادهم، مستغلّين بطبيعة الحال الصراع المستمر منذ تسعة سنوات لتمرير أجنداتهم التوسعية على حساب التطلّعات المشروعة للسوريين نحو بلد يحتضن جميع أبنائه.
الحال في ليبيا وسوريا واحدة
ويمتدّ الحال في سوريا على الواقع في ليبيا، إذ يتلقّى المشروع التوسعي التركي ضربات مستمرة، بغية إضعافه ودفعه على الإنكفاء إلى الداخل التركي الذي يعاني ما يعانيه من مشكلات تحتاج إلى الحلّ بدل التوجّه إلى التوسّع على شعوب المنطقة، باستغلال الأوضاع المضطربة فيها، عبر تمويل وتسليح جماعات تحمل الجنسيات الوطنية السورية والليبية، لكنّ ولاءها أقرب إلى أنقرة من دمشق وطرابلس كحاضنتين لكل السوريين والليبيين. الإخوان المسلمين
وفي السياق، يواصل الجيش الوطني الليبي الإعلان تلوَ الآخر حول توجيهه الضربات للمليشيات المدعومة من جانب تركيا،هذا وقد أعلن الجيش الليبي سيطرة قواته على منطقة العزيزية الواقعة جنوب العاصمة طرابلس بشكل كامل، وذلك بعد اشتباكات عنيفة مع المليشيات المسلّحة التابعة لميليشيا الوفاق، عقب أن انهارت الهدنة بشكل رسمي، بعدما تجدّدت الاشتباكات العنيفة بين الجيش الليبي وقوات الوفاق، في أغلب محاور العاصمة طرابلس، باستخدام الأسلحة الثقيلة والصواريخ.
فيما حذّر المبعوث الدولي إلى ليبيا، غسان سلامة، في مؤتمر صحافي، من تداعيات انهيار الهدنة في ليبيا، معربا عن خشيته من تحول الصراع في ليبيا إلى حرب إقليمية مع تدخل أطراف خارجية، وأكد إنّه لا يمكن لمسارات التفاوض الاستمرار تحت القصف، كما لا بد من احترام الهدنة الموقعة في 12 يناير/كانون الثاني، مع تواصل المفاوضات على المسارات الثلاثة: الاقتصادي والسياسي والعسكري.
الإخوان ينقلون مسلحيهم بين سوريا وليبيا
وعلى اعتبار إنّ المشروع الإخوانيّ واحد، وقائم بلا شك على رفد مشروع تركيا الساعي لاحياء العثمانية من جديد، ولو على أنقاض الشعوب والكيانات السياسية القائمة في المنطقة، فلا يرى تنظيم الإخوان المسلمين من ضرر في رفد جبهاته في ليبيا بمسلحين من سوريا عندما يضيق الخناق عليهم هناك، أو العكس، أما وإن ضاق الخناق عليها في الجبهتين، وحان لها وقت الاختيار في إحداهما من أجل إنقاذ الثانية، فيبدو إنّ التركي قد أمر أدواته في سوريا بالتوجّه إلى ليبيا والقتال فيها، خاصة عقب التنازل عن نصف إدلب مؤخراً.
وعليه، أعلن الناطق باسم القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، في بداية مارس، عن رصد مكالمات للمرتزقة السوريين الذين جنّدتهم تركيا في ليبيا، تفيد بمقتل 35 مسلّحاً في صفوفهم، حيث قال المسماري، في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي- فيسبوك، إنّ المكالمات أكدت سقوط 35 مسلّحاً سورياً من "لواء سلطان مراد" في محور صلاح الدين بالعاصمة الليبية طرابلس، مشيراً إلى أنّ ذلك يأتي رغم التزام الجيش الليبي بالهدنة. الإخوان المسلمين
في تركيا، بلغ السيل الزُبى
أما في تركيا، فيبدو إنّ السياسات التركيّة الداخليّة والخارجيّة قد بدأت تنخر في جسد الأتراك أنفسهم، حتى ضاقوا ذرعاً بما آلت إليه أحوالهم، في ظلّ فقدان الليرة التركيّة الكثير من قيمتها مقارنة مع ما سبقها قبل سنوات قليلة، إلى جانب إغراق تركيا في مشكلات مع محيطها الأقليمي في الجنوب والغرب وحوض المتوسط، لتصل الانشقاقات إلى صفوف حزب العدالة والتنمية، وتتشكّل أحزاب منافسه له من رحمه، والتي كان آخرها في الثاني عشر من مارس، عندما أعلن علي باباجان نائب رئيس الوزراء التركي السابق، تأسيسه لحزب سياسي جديد اختصاره "الدواء" واسمه حزب "الديمقراطية والتقدم".
وطالب باباجان أثناء حفل كبير في العاصمة إلى تبنّي نهج جديد للاقتصاد والحقوق والديمقراطية، كما أكّد على ضرورة وقف استغلال الدين في السياسة، وذكر باباجان: "لقد حان وقت الديمقراطية والتقدم في تركيا"، في إشارة إلى تراجع الحريات في البلاد، مع هيمنة انتقادات توجهها منظمات حقوقية إلى سياسة الحكومة المتبعة فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، واعتقال الصحافيين، ومن المتوقع أن يكون لتأسيس باباجان حزبه تأثيراً على الواقع السياسي في تركيا، لكون الاقتصاد التركي قد شهد ازدهاراً عندما كان باباجان يتولّى وزارة الاقتصاد مع بداية وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة لأول مرة، وعقب ذلك عمل باباجان عامين وزيراً للخارجية، وكان نائباً لرئيس الوزراء في الفترة ما بين 2009 و2015، ومن ثم استقال من حزب العدالة والتنمية، في يوليو 2019، بسبب ما وصفها بـ"الخلافات العميقة" بشأن السياسة. الإخوان المسلمين
وبتكرار سريع لشريط الأحداث في مارس، ورصد بسيط للوقائع التي حصلت في كل من سوريا وليبيا وتركيا، سيمكن الإشارة إلى مدى الخيبة والإحباط التي خلقتها السياسات التركية في محيطها الإقليمي، والداخل التركي، والتي لم يجني من تبعاتها الأتراك سوى الخراب وخاصة في سوريا وليبيا، وهو ما قد يكون الداخل التركي نفسه في منأى عنه مستقبلاً، لو كان تمسّك تنظيم الإخوان التركي (ممثلاً بحزب العدالة والتنمية) بالسلطة في أنقرة، بنفس درجة سعي تنظيم الإخوان المسلمين بفرعيه السوري والليبي للسلطة في دمشق وطرابلس، وهو ما ستجيب عنه قادمات الأيام، عندما يحين الوقت لصناديق الاقتراع بأن تقلب الدفّة لصالح المعارضة التركية.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!