-
في أوكرانيا تزوجت الحسناء ثم التحقت بالقتال
أدهشني الشعب الأوكراني باستعداده للدفاع عن أرضه واستقلال بلاده، وأعاد لي حوارات طويلة بيني وبين الأصحاب أو الأغراب من الذين يبررون تخاذل الفصائل في الدفاع عن بلدهم سوريا وعن شعبها الجريح.
فقد صار للتخاذل منظرون يتفلسفون ويتحدثون عن القوة الروسية بوصفها لا تقهر، وعن تفاهمات دولية يجب الالتزام بها، وعن ضرورة الوقوف عند مصالح الدول وتقديرها.
كلام يثير الغضب ويستفزّ المشاعر، فهو جديد على ما أنتجته الثورة السورية من تكريس لمفاهيم الكرامة، كلام يراد منه أن يخلع السوريون عباءة الكرامة بعد عقد ونيِّف من لُبسها، فهناك فريق غير راغب بثقافة الحرية والكرامة لأنها ستحرم ذاك الفريق من التسلطن والتمنصب، فهو باحث عن قطيع عبودي يتسيَّد عليه.
لقد انساق بعض المثقفين وراء خطاب التخذيل حتى صاروا يتسابقون في ممارسة «التذاكي السياسي» والإكثار من الحديث عن «اختلال موازين القوى» وعن «الواقعية السياسية» وعن تجنُّب «الوقوع في التهلكة»، وعن سياسة «أقل الخسائر»، حاشدين كل مصطلحات الليونة والميوعة لتسويق فكرة الركون للراحة والنزوع نحو الهزيمة.
لكن المفارقة الصارخة تظهر عندما يتعلق الأمر بالقتال في «ليبيا» أو «أذربيجان» طلباً للمال وطاعةً للسلطان، حيث تغيب تنظيرات التخذيل، ليظهر مكانها الحديث عن «رد الجميل».
أي جميل ذاك الذي فعلته تركيا مع السوريين؟ هل هو جميل «أستانا» بدلاً من «جنيف»، أم هو جميل «تنظيم القاعدة» بدلاً من «قوى التحرر الوطنية»، أم يا ترى هو جميل اختيار «إيران» بدلاً من «المجموعة العربية»؟
والمفارقة الأخرى تظهر في «الاقتتال البيني» والاحتراب الداخلي، هناك حيث يظهر «العتاد الثقيل» وتحضر الشجاعة المفرطة، ويختفي الخوف من التهلُكة والفناء.
ومفارقة أخرى فظيعة ومريعة تتمثل بالاستعداد للحرب ضد الأكراد بذريعة أو بأخرى، وهي الحرب الآثمة التي أحدثت تصدُّعاً عمودياً في المجتمع السوري، الحرب التي يراد منها رسم خرائط «ديمغرافية» تقسيمية لإنشاء «إقليم الشمال المتأترك».
ثم تأتي حرب روسيا على أوكرانيا لتفتح الستار على مشهد رائع، يتحشَّد فيها «النواعم والخواشن» من الشعب الأوكراني، دفاعاً عن بلدهم، ولتسقط مقولة «أن القتال يحتاج إلى عقيدة الحور العين»، ولا يوجد قتال من أجل الوطن.
ومع تواصل تسارع أحداث العملية الروسية في أوكرانيا، ووصول ارتداداتها إلى اتجاهات شتى، ظهرت مجموعة من رياضيي أوكرانيا لرفع التحدي والالتحاق بجيش بلادهم دفاعاً عنها. فقد انبرت مجموعة من الأبطال العالميين الأوكرانيين في رياضات مختلفة للانضمام لقوات بلادهم خلال الأزمة مع روسيا.
وقرر بطل الملاكمة الأوكراني «فاسيل لوماشينكو»، الفائز بميدالية أولمبية في مناسبتين والحائز لقب بطولة العالم في 3 أوزان مختلفة، الانضمام إلى القوات الأوكرانية دفاعاً عن بلاده أمام الغزو الروسي. وظهر البطل وهو يرتدي زياً عسكرياً وهو يهمّ بالشروع في الانضمام إلى الجيش الأوكراني، معلنا توقُّفه عن الإعداد للنزال المنتظر في أستراليا أمام «جورج كامبوسوس»، في الخامس من يوليو المقبل، لأنه ذاهب لمنازلة «روسيا».
وقرر «فيتالي كليتشكو»، البطل العالمي السابق للوزن الثقيل في الملاكمة وعمدة العاصمة الأوكرانية «كييف»، الانضمام إلى قوات بلاده أمام الغزو الروسي. وقال كليتشكو: "إنه سيحمل السلاح رفقة شقيقه فلاديمير، الملاكم السابق، من أجل التطوع في الجيش للقتال في حرب دموية بعد الغزو الروسي". وأضاف: "لا أملك خياراً آخر، يجب أن أقوم بذلك.. سوف أقاتل، كييف كانت تحت التهديد والأولوية الآن هي العمل مع قوات الشرطة والجيش".
وأنهى رسالته: "المدنيون على استعداد للدفاع عن كييف مثل الجنود.. أنا أؤمن ببلدي وشعبي.. الشعب الأوكراني قوي وسيبقى وفياً لبلده في هذه المحنة.. شعبنا يتوق للسلام ويعتبر الشعب الروسي إخوته".
أما لاعب التنس الأوكراني السابق «سيرجي ستاخوفسكي» فقال: "إنه انضم إلى قوات الاحتياط بجيش بلاده، الأسبوع الماضي، قبل الغزو الروسي على الرغم من افتقاره إلى الخبرة العسكرية".
وقال ستاخوفسكي، 36 عاماً، والذي فاز بأربعة ألقاب في بطولات المحترفين وحقق انتصاراً مفاجئاً على «روجر فيدرر» في الدور الثاني لبطولة ويمبلدون عام 2013، إنه مستعد لحمل السلاح للدفاع عن أوكرانيا. مضيفاً: "بالطبع سأقاتل، هذا هو السبب الوحيد لمحاولتي العودة.. تطوعت في قوات الاحتياط الأسبوع الماضي. ليس لدي خبرة عسكرية، لكن لدي خبرة في التعامل مع المسدس".
وقرر الملاكم «أوليكساندر أوسيك»، بطل العالم السابق في الوزن الثقيل، الانضمام إلى القوات الأوكرانية، كما انضم إليه بطل العالم في "MMA"، وشرعوا في حملة الدفاع عن بلادهم.
لكن اللوحة الأكثر إشراقاً والأدعى للدهشة تزامناً مع أصوات الرصاص التي لا تصمت ونيران الحرب التي لا تنطفئ في أوكرانيا، تتمثل بما فعلته «يارينا أرييفا»، النائبة الأوكرانية في العاصمة «كييف»، فقد أعلنت زواجها من خطيبها «سفياتوسلاف فورسين»، حيث كان الزواج مخططاً له في شهر مايو، إلا أنهما قررا تعجيل الزفاف تحت أصوات القصف وضجيج الرصاص، وبعد 24 ساعة فقط من الزواج انضم الزوجان للجيش الأوكراني للدفاع عن بلادهما، على أمل أن يحتفلا معاً بزواجهما بعد انتهاء الحرب إن بقيا على قيد الحياة.
ليفانت - عبد الناصر الحسين
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!