الوضع المظلم
الخميس ١٨ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
فوقية إيران وأتباعها في المنطقة
عبد السلام حاج بكري

"إنهم متعجرفون، يتعاملون بفوقيه مع كل من يلتقيهم" قد لا تكون الجملة دقيقة تماماً لكنها مؤدى ما وصف به صحفي مصري أعضاء وفد حركة حماس الفلسطينية الذي حضر إلى مصر قبل فترة للتفاوض بشأن موضوع تبادل الأسرى مع الجانب الإسرائيلي.

من أين يتأتى لهم هذا الغرور؟ ربما من انتصاراتهم المتلاحقة على إسرائيل وتكبيدهم جيشها عشرات آلاف القتلى وأسر آلاف آخرين في مواجهاتهم المتواصلة معها، أو ربما من زهوهم المستحق لمحاصرتهم تل أبيب من كل الجهات، واقترابهم من تحرير الأقصى ورمي اليهود في البحر.

هؤلاء المتعجرفون لا يعرفون الحياء، وهم الذين يفاوضون إسرائيل على إطلاق سراح آلاف المعتقلين الفلسطينيين من سجونها مقابل تسليمها جثثاً لعنصرين أو ثلاثة لعناصر من جيشها، نعم آلاف المعتقلين مقابل أشلاء دون أن يرفّ لهم جفن كرامة، وهم ذاتهم الذين يتفاخرون بمحاربة إسرائيل فيما يرسلون أبناءهم للدراسة في جامعاتها، ومرضاهم للعلاج في مشافيها، وشبابهم للعمل في مزارعها ومعاملها، وهم من ينيرون منازلهم من كهربائها، بل يتلقون المساعدات القطرية عبرها.

العنجهية الحمساوية تشبه حال حسن نصر الله، زعيم ميليشيا حزب الله في لبنان، الذي لا يتواني عن التفاخر بانتصاراته على إسرائيل، وهو الذي لم يكن ليوجد مع مليشياته لولا رعاية إسرائيل وتفويضها له بإبعاد الفصائل الفلسطينية غير المنضبطة عن حدودها الشمالية، وفي هذا تحديداً يحقّ له التفاخر، فقد نجح في ذلك، إذ تمكن من زربها في المخيمات وإغلاق فوهات بنادقها المقاومة.

كما يمكن لنصر الله التفاخر بالتسبّب بتهجير عشرات آلاف اللبنانين بعد تحرّشه بإسرائيل المخطط له في طهران عام 2006، بغية التغطية على جريمة اغتياله لرئيس الحكومة اللبنانية آنذاك، رفيق الحريري، ولمنح المصداقية لادّعائه المقاومة. 

كثيرة هي البطولات التي سطّرها حزب الله في لبنان، تجعله جديراً بالتعالي على بقية اللبنانين، لقد أرسل الحزب شبيحته لاجتياح بيروت والجبل عام 2008، وتمكّن من تحقيق انتصار مدهش على المدنيين اللبنانين، وفرض هيمنته على الدولة، حيث يسمّي الرئيس، ويعطّل تشكيل الحكومات ويمنع جلساتها، استطاع بكل بساطة أن يعزل لبنان عن محيطه العربي ووضَعَه في عزلة دولية سياسية ومالية جعلته ينهار اقتصادياً.

وعلى الرغم من خسارة مليشيات إيران للانتخابات الأخيرة في العراق، إلا أنها تستمر في نسق الفوقية والتعالي على الشعب العراقي وخصومها السياسيين دون وجل، ويتحدّث قادتها، لا سيما هادي العامريي وقيس الخزعلي، عن دور مليشياتهم في ضبط أمن العراق ومحاربة داعش، التي أخرجوا لها تمثيلية اعتداءات مؤخراً على أكثر من موقع في العراق بغية ترسيخ فكرة الحاجة لهم في محاربة الإرهاب.

الأكثر فظاظة، هم قادة المليشيات الحوثية في اليمن التي تعدّت عنجهيتها قدرة العقل على الاستيعاب، حيث باتوا يتحدثون كأنهم القوة الثانية بعد الله، وأنهم يستطيعون الوصول بطائراتهم المسيّرة وصواريخهم البالستية إلى أي نقطة يريدون، يقصفون السعودية والإمارات معاً، مع ما رافق هذا القصف من علامات استفهام، لكنهم لم يفكروا لحظة في إطلاق أي منها على إسرائيل رغم أنهم يرفعون على كل مواقعهم العسكرية والمدنية شعارات الموت لإسرائيل.

تستمد هذه المليشيات، حماس وحزب الله والحشد الشعبي في العراق إلى جماعة الحوثي في اليمن، هذا النفس المتعالي من ولي أمرها إيران، التي لا يترد في تهديد أمريكا بالويل والثبور وإسرائيل بالمسح عن الخارطة ويهود العالم بالموت، وكل هذا يتأتى من إغماض العالم الطرف عن تطرّفها الإعلامي مقابل ولائها التام للغرب وأمريكا وإسرائيل معاً وسيرها وفق الخط المرسوم لها في المنطقة.

إيران كلّفت هذه المليشيات باستهداف محيطها العربي وأوعزت لها برفع شعارات المقاومة والممانعة ضد أمريكا وإسرائيل، وأكدت لها أنها في حالة انتصار دائمة عليه لأنّ الغرب يريد ذلك، وقد تكون وضعت قيادييها بصورة الدعم الغربي وإسرائيل لها ما دامت منضبطة تماماً، وهذا ما يزيد غرور قادة هذه الميليشات.

إذاً غرور المليشيات نابع من عنجهية الوليّ الفقيه، ربيب الغرب الصامت على هيجانه وعربدته في وجه أعدائه العرب، وهو الذي نقلته طائرة فرنسية من باريس إلى طهران، وأسهمت فرنسا مع الغرب في انتصار ثورته المسماة تشويهاً إسلامية.

وغرور الوليّ الفقيه الأول ومن أعقبه ومسؤولو إيران يزيده دعم أمريكا وإسرائيل، وهما اللتان زودتاه بالسلاح في حربه على العراق، وأسهمتا بتسليمه زمام العراق من بابها لمحرابها بعدما قضت على حكم صدام حسين، وهي التي تتفرج عليه اليوم يقصف الإمارات والسعودية رغم وجود قوات لها على أراضي الدولتين مزودة بمنظومات دفاع جويّ متطورة.

ستستمر هذه العنجهية، وهذا التعالي، ما دام قادة العرب، لا سيما القريبة بلدانهم من إيران مقتنعين بأن أمريكا أو إسرائيل عدوّتان لإيران، ويعتقدون أنّهما يمكن أن تسانداهم في مواجهتها، ويمكنهم وقفها بأن يصحوا من غفوتهم أولاً، ويضعوا استيراتيجية صلبة لمواجهة هذه العربدة ثانياً.

 

ليفانت - عبد السلام حاج بكري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!