الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
فكرة تجمعنا.. الحّق أم الاحتواء؟
باسل كويفي

الحق سينتصر في النهاية مهما طال الزمن، هذا ما وعدت به الكتب السماوية وأكّدته العقول البشرية الإنسانية عبر التاريخ. بعد مرور أكثر من سنتين على تقديم الطلب، استجابت محكمة العدل الدولية، أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة للنزاعات الدولية، يوم الأربعاء (الثالث من شباط/ فبراير 2021) لطلب طهران، في قضية إلغاء العقوبات الأمريكية على إيران.


في نفس الوقت، يأتي قرار المحكمة الجنائية الدولية التي قضت في قرارها، تاريخ 5 شباط / فبراير 2021، بأنّ الأراضي الفلسطينية تقع ضمن اختصاصها القضائي، ما يمهد الطريق أمامها للتحقيق بشأن "جرائم حرب"، تشمل الأراضي التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967، أي غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.


حقّ المتضررين من الصراعات في جبر الضرر حقوق واجبة، سواء من توقّف العمل أم الدمار والهجرة نتيجة النزاع أو الحروب أو تفشّي الأمراض وكوارث الطبيعة. هل هو حّق أم مساعدة تقديم الغذاء والعلاج والسكن لتأمين حق الحياة للنازحين واللاجئين والمحاصرين والفئات الأكثر فقراً؟ هل هو حّق أم تعسّف إدراج قوائم دخول وخروج بحق مواطني الدول من قبل حكوماتهم بدعاوى مختلفة، معظمها ذات إطار مسّيس، تناقضاً مع حرية التنقل والانتقال التي هي من أساسيات حقوق الإنسان وضمن شرعتها، (المادة 13 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان)؟


هل الحّق في التشاركيّة السياسية والمجتمعية والاقتصادية والثقافية ضمن الدولة الواحدة، أم تأتي في سياق المساعدة على إنهاء الصراع والمشاركة الوطنية في بناء وترسيخ الدولة. تقاسم مياه الأنهار بين دول المنبع والعبور والمصب، حق مؤكد وليس منحة أو فضل لدول المنبع على دول العبور، فالملايين من البشر بحاجة لتلك المياه المتدفقة منذ آلاف السنين وانعكاسها على مجتمعاتهم. حق الحياة والحماية واجب الدولة تجاه مواطنيها وليس مكرمة تقدّمها.. بعيداً عن النفاق وتكريساً للإنصاف.


هناك توقعات بتعافٍ اقتصادي غير متوازن في الشرق الأوسط، قد تكون توجهاته نحو مزيد من سياسات التقشف، عبر إصلاحات مؤسسيّة وتشريعيّة وقانونية. علينا القفز فوق الإرادات والإدارات الدولية والإقليمية في حلّ أزماتنا اذا تملكنا الحكمة والعدل والعقل الإنساني، فالفلسطينيون قضوا منذ النكبة ينتظرون مواقف الإدارة الأمريكية، ويتوقعون مساعدتها ويطلبون العدل منها، وينسّقون معها، كونها تملك مفاتيح الحلّ الذي ينبغي أن يكون من خلالها، حسب توقعاتهم.


الثابت والمتغير في سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة نلمسه من خطاب الرئيس بايدن، خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن، 19 شباط / فبراير 2021 "لقد عادت أميركا. وقد عاد التحالف عبر الأطلسي ونحن لا ننظر إلى الوراء، بل نتطلع إلى الأمام.


إننا عند نقطة انعطاف، فالديناميات العالمية قد تغيرت. والأزمات الجديدة تتطلب اهتمامنا ولا يمكننا أن نركز فقط على التنافس بين البلد الذي يهدّد بتقسيم العالم، أو على التحديات العالمية التي تهدّد بإغراقنا جميعاً إذا فشلنا في التعاون. يجب علينا القيام بالأمرين معاً، والعمل في خط واحد مع حلفائنا وشركائنا.


إنّ الديمقراطية لا تحدث بالصدفة. علينا أن ندافع عنها ونقاتل من أجلها ونعزّزها ونجدّدها. علينا أن نقاوم القهر والتجاوزات الاقتصادية التي تمارسها الحكومة الصينية والتي تقوّض أسس النظام الاقتصادي الدولي، إذ يجب على الجميع – الجميع – اللعب بالقواعد نفسها. المفاوضات مع مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى ألمانيا- حول البرنامج النووي لإيران. ويجب علينا أيضاً أن نواجه الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وإنّنا سنتعاون عن كثب مع شركائنا الأوربيين وغيرهم من الشركاء ونحن نمضي قدماً.


بعد مرور 7 أشهر، ورحلة تبلغ 300 مليون ميل- تمكّنت ناسا من هبوط المسبار (Perseverance) بنجاح على كوكب المريخ. للقيام بمهمة استكشافية، مع وجود عناصر ساهم بها شركاؤنا الأوروبيون للبحث عن دلائل حول احتمالات وجود حياة فيما وراء كوكبنا وعن أسرار الكون. إنّ أميركا قد عادت. فلنتجمع معاً ونبرهن لأحفاد أحفادنا، حينما يقرؤون عنا، أنّ الديمقراطية -الديمقراطية- الديمقراطية تقوم بوظيفتها وتؤدّي دورها، ومع بعضنا، لا يوجد أي شيء لا نستطيع أن نفعله. إذًا فلنبدأ العمل" .


نعتقد أنّ عودة ادارة بايدن في أمريكا السريعة بتغيير سياساتها حول اليمن (حلول دبلوماسيّة بشروط عسكرية) وليبيا (آمال بعد عقد من الزمن، والقطيعة مع نهج ترامب)، ومنظمات الأمم المتحدة واتفاق المناخ والانفراجات المأمولة في تلك الملفات. سيكّمن تحدّي الإدارة في العثور على مسار لا يتساهل مع المخاوف التي تفرضها علاقاتها مع الخليج والسعودية ومصر بخصوص ملفات الديموقراطية وحقوق الإنسان، وفي نفس الوقت علاقات مميزة مع دول الشرق الأوسط.


في حديث وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، مع وزير خارجية مصر، 23 فبراير 2021 "يجب أن تتوافق مصالحنا الأمنية المشتركة مع احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، بما في ذلك أهمية وجود مجتمع مدني قوي. أتطلع إلى تعزيز شراكتنا التاريخيّة".


السؤال الذي يطرح نفسه (وفق سياسة المصالح) لماذا لا تبادر دول المنطقة إلى البحث عن حلول جذرية لتعزيز منظومة الديموقراطية وحقوق الإنسان، ووضع الإطار القانوني المتناسب مع المجتمعات، وبالتوازي مع عالمية هذه المفاهيم وضمن مصطلحات تستوعبها شعوبها وتتوافق معها، بدلاً من استثمار تلك المفاهيم كأوراق ضغط تمارسها الإدارات الأمريكية المختلفة لفرض شروطها ورسم تدخلاتها، مع علمنا أنّ السعودية ومصر، مثلاً، قاطرة كبيرة لا تستطيع تغيير سياساتها بسرعة قد تتمكن فيه دول أصغر من ذلك.


يلوح في الأفق اتفاق جديد حول الملف النووي الإيراني (تعنّت إيراني وتحرك أمريكي - أوروبي ) مرتقب للحد من اندفاع إيران حول إنتاج اليورانيوم بعد إلغاء الاتفاق من طرف إدارة ترامب، وقد يكون هذا الاتفاق إذا كُتب له النجاح عنوان سياسة الحزب الديمقراطي وإدارة بايدن في المنطقة التي ستتفرع عنه حل أزمات متراكمة في المنطقة، بدءاً من العراق وسوريا، وصولاً إلى لبنان وفلسطين.


ولكن من زاوية أخرى، أدّت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) إلى اندلاع أزمة صحية واقتصادية وتعليمية عالمية، وأبرزت الجائحة العالمية مكامن الضعف في المنظومة الصحية والاقتصادية والتعليمية والثقافية (سياسات توزيع اللقاح وعدالته)، وسلطت الأنظار على الفجوات والأخطاء وأوجه الضعف في إدارة الأزمات على المستوى العالمي، مما يتطلّب تعاوناً أكبر بين الدول لتجاوز جميع الأزمات، بعد أن أضحى العالم كله، وفق التكنولوجيا الحديثة ووسائل النقل، ذي حدود مفتوحة بين دوله، وأنّ أي أزمة تنتقل إلى الدول، بغض النظر عن البعد الجغرافي والمكاني وسياسات الدول المختلفة، وهذا بحدّ ذاته يعيدنا إلى المربع الأول ذي البعد الإنساني والأخلاقي، أساسه العدالة وعدم التمييز في التعامل بين دول العالم، لأننا بشر متساوون دون تمييز عرقي أو إثني أو مناطقي أو ديني.


إنّ سوء إدارة الأزمات يُضعف ثقة المواطنين في الحكومات التي تحمل تبعات تآكل الثقة، ويشكل خطراً على التماسك المجتمعي، نظراً لأنّ ثقة المواطنين وتعزيز بناء الثقة هي جدار الحماية الفاصل بين التماسك الاجتماعي والتفكك.


وبعد إعلان مجلس الأمن الدولي، يوم 9 فبراير/ شباط 2021، بحضور المبعوث الأممي إلى سوريا "غير بيدرسون " عن تخوّفه من فشل المسار السياسي في سوريا، بعد جولة خامسة فاشلة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، أفادت تقارير إعلامية بأنّ هناك توجه دولي للتدخل بشكل أكبر في الملف السوري ومحاولة حلّه، إضافة إلى كسر الاستفراد الروسي - التركي - الإيراني بالملف السوري، وجعل الحل فيه بناءً على ما تم التوافق عليه في مجلس الأمن عبر القرار رقم 2254.


كما برزت استقصاءات إعلاميّة، أنّ الدول الغربية والإقليمية تخطط لتشكيل مسار موازٍ لمسار أستانا (حيث تم عقد مؤتمر سوتشي يومي 16-17 فبراير/ شباط 2021 للدول الراعية للملف السوري) وترغب بعدم دعوة المبعوث الأممي إلى سوريا، "غير بيدرسون"، لعقد جولة جديدة من أعمال اللجنة الدستورية السورية، كون هذه اللجنة أثبتت فشلها، حسب تعبيرهم.


وفي ظلّ استمرار الانقسامات الدولية في حل الملف السوري، تتواصل معاناة السوريين جرّاء الصراع بمختلف أوجهه، وسط أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة في ظلّ العقوبات الغربية المفروضة، وبسبب عدم التوصل لأي حلّ سياسي بعد مرور عقد من الزمن على المأساة السورية. وبينما يتمسك كل طرف من أطراف الصراع بأهدافه وأجنداته، يتساءل متابعون “كيف يمكن العمل حول دفع عملية السلام المستدام فيه؟".


على المسار السوري بالداخل، واستمراراً للنقاش والحوار حول رؤية ايجابية لمعضلات يتعرّض لها وطننا الكبير، وسوريا على وجه الخصوص، انبرت العديد من الشخصيات الوطنية التي تمتلك الحس الوطني والجرأة والإحساس بالمسؤولية، إلى المشاركة في هذه الندوات الحوارية التي من شأنها الوصول إلى توصيات مستخلصة من حوار مجتمعي حقيقي بحضور فعاليات ونخب من كافة الشرائح السورية والكفاءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية، والتي وضعت نصب عينيها هموم السوريين ودأبت على العمل الطوعي للمشاركة في الشأن العام وتقديم رؤى واقعية للبناء الاقتصادي والتوازن الاجتماعي الذي من شأنه الحدّ والتخفيف من معضلات يتعرّض لها وطننا وشعبنا.


سوريا أمانة في أعناقنا، واجبنا ومسؤوليتنا أن نحافظ عليها، وعلينا إلقاء الخلافات بعيداً، والتبرؤ من كل ما من شأنه أن يفرقنا، لنتسامح ونتعالى على الألم والخلافات، ولنعمل جميعاً من أجل إعادة اللحمة المجتمعية بين السوريين، من أجل الدولة المدنية والمواطنة وسيادة القانون.


وقد توضح خلال الحوارات ضرورة عقد مؤتمر وطني متخصص، يحدّد أولويات برنامج البناء الاقتصادي-الاجتماعي لرفد الحل السياسي وعودة الاستقرار والسلام المستدام، وفي هذا السياق، نعتقد أنّ تأسيس مجلس اجتماعي - اقتصادي في هذا الإطار والتوقيت، أضحى من الضرورة الاستثنائية في تاريخ سوريا، يعمل على وصف ومعالجة الأوضاع المعيشية والإنسانية المتردية للسوريين، كمؤسسة مستقلة معنية بشكل مباشر بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وعلى الأخص بعد الصراع والحرب (للتعافي المبكر)، تكون مهمته إبداء الرأي في مشروعات القوانين المعنية بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، يضم نخبة من الخبراء والمختصين بالشأن الاقتصادي والمجتمعي والحقوقي والقانوني، ولتكون مهمة المجلس تقديم الرؤى والحلول للمشكلات المستعصية التي يعانيها المواطن السوري، لتكون طوق النجاة لمعالجة همومه وآلامه، وهي الفكرة التي نأمل تضمينها بنصوص الدستور السوري، لتكون إحدى الروافع المجتمعية للديموقراطية التشاركية وتعزيز قدرة وكفاءة المؤسسات التي ازدادت ترهلاً بفعل الحرب والأزمة، وبعيداً عن الآيديولوجية والنرجسية والشوفينية، وبالتالي إعطاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي صلاحيات وسلطات استثنائية، وفقاً للظروف الاستثنائية والقاهرة، آخذين بعين الاعتبار أنّ آلية تشكيل هذا المجلس، هي بالأساس آلية مستقلة، وبما يعطي أدواراً خلاّقة لجميع الشرائح المجتمعية رجالاً، وشباباً ونساءً، وتمكينهم جميعاً للضرورات التي تفرضها المرحلة القادمة، من أجل تعزيز السلام والاستقرار المجتمعي والمستدام، وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة، "أنطونيو غوتيريش": "لنعمل معاً على تحقيق السلام فيما بيننا ومع الطبيعة، ولنتصدَّ لأزمة المناخ، ونوقفْ تفشي جائحة كوفيد-19، ونجعلْ من عام 2021 عام التعافي".


فكرة تجمعنا..

نعمل معاً.. نتشارك معاً.. ننهض معاً.

لن نيأس أبداً، فنحن سوريون ويكفينا من تراثنا السوري مقولتين: "اكسر سيفك لنزرع الارض، لا تشتم إلّهاً لا تعبده".


فلنتوحد على هذا الأساس ونكسر سيوفنا، ونزرع الأرض، وهو قمة الاحترام المتبادل والاعتراف بالآخر.


باسل كويفي


ليفانت _  باسل كويفي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!