الوضع المظلم
السبت ١١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
عندما قرر بايدن أن يعود إلى الرياض
سعد عبد الله الحامد 

لطالما كانت العلاقات السعودية الأمريكية علاقات قوية وقائمة علي الاحترام المتبادل وكذلك المصالح المشتركة منذ عام 1933 عندما بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتوالت الزيارات للرؤساء الأمريكيين للمملكة منذ توحيد المملكة العربية السعودية.

وفي هذا السياق، لا بد أن نتذكر اتفاق كوينسكي بين الملك عبد العزيز -رحمه الله- والرئيس الأمريكي، فرنكلين روزفلت، الذي كان حجر البداية لبناء وتأسيس علاقات أمريكية سعودية استراتيجية وشراكات قوية، ومما لا شك فيه أن زيارة الرئيس الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة أنها تعتبر الزيارة الأولى له منذ توليه إدارة البيت الأبيض، يعول كثيراً على مخرجاتها، وخصوصاً أنها تأتي في ظل الظروف الدولية الراهنة ومن خلالها سيعقد قمة خليجية عربية مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومع مصر والعراق والأردن، حيث ألمحت العديد من المصادر الأمريكية ووسائل الإعلام عن رغبة واشنطن بعقد تحالفات أمنية استراتيجية وشراكات جديدة بين واشنطن ودول المنطقة لمواجهة الخطر الإيراني المتمثل في البرنامج النووي الإيراني وبرنامج الصواريخ الباليستية وكيفية وضع استراتيجيات واتفاقات أمنية وعسكرية فاعلة لمواجهة أذرع إيران وميليشياتها في المنطقة لردع التهديدات الإيرانية المتنامية والتخفيف من هواجس دول المنطقة ولوضع حد لسلوك طهران العدواني تجاه دول الجوار.

وكذلك بحث تبعات الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاساتها على أسعار الطاقة والغذاء وارتفاع أسعار المحروقات ومكافحة الإرهاب وأمن الممرات المائية، وقد بدأ الرئيس الأمريكي بايدن زيارته لإسرائيل بإعطاء تطمينات للحليف الإسرائيلي في حال إبرام اتفاق نووي مستقبلي مع طهران ومحاولة تعزيز التحالفات الاستراتيجية بين البلدين والعلاقات الثنائية المشتركة، ومحاولة وضع أسس تكون منطلقاً لإبرام اتفاقات تضمن أمن إسرائيل في مواجهة تهديدات سلاح طهران النووي وأذرعها.

ويرى بعض المراقبين بوجود رغبه أمريكية بإشراك إسرائيل في تحالف استراتيجي مرحلي مع دول المنطقة لمجابهة خطر إيران وتطبيع العلاقات بين الرياض وإسرائيل وهو أمر مستبعد لأن مواقف الرياض كانت واضحة جداً حيال القضية الفلسطينية وأهمية وجود حل للقضية الفلسطينية يبنى على مبادرة السلام العربية وحل الدولتين وإقامة دولة للفلسطينيين تكون عاصمتها القدس الشرقية، وقد شدد العديد من المسؤولين السعوديين، وآخرهم وزير الخارجية، الأمير فيصل بن فرحان، على ذلك.

وقد ألمح بايدن أن هناك صعوبات لإيجاد حلول جذرية للقضية الفلسطينية، في الفترة الحالية، نظراً للأوضاع الحالية والصعوبات السياسية التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية وتفككها ورغبة المعارضة بقيادة نتنياهو بإسقاطها وانشقاقات نوابها، ولذلك ابتعد بايدن عن إعطاء أي وعود سوى أمنيات بتحقيق السلام المنشود بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل حتى المناشدات بإيقاف الاستيطان، لم يستطع بايدن أن يناقشه خلال زيارته، بل ركز على الملف الإيراني في خلال لقاء المسؤولين الإسرائيليين والذين تجمعهم نفس هواجس دول المنطقة من الخطر النووي الإيراني، ولعل بايدن يرغب بتصويب مسار العلاقات بسبب الأزمات الاقتصادية الملحة من تضخم وارتفاع أسعار المحروقات داخل الولايات المتحدة وانخفاض شعبية الرئيس، وفق استطلاعات الرأي الأخيرة لشبكة cmbc الأمريكية إلى 37% نتيجة لسياساته في الداخل الأمريكي ونقص إمدادات الطاقة نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، والتي بدأت تهدد أوروبا مع قرب فصل الشتاء نتيجة قطع إمدادات الغاز الروسية عن العديد من تلك الدول ووجود عقوبات اقتصادية كبيرة على النفط الروسي.

وبالتالي، فدول الخليج بما تملكه من مقومات ضخمة وقاعدة اقتصادية صلبة قد يكون دورها القادم مهماً وفق الرؤية الأمريكية، للمساعدة في تخفيض أسعار النفط وتوفير مصادر بديلة للطاقة التي قد تلحق الضرر بالشركاء الأوربيين حال استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وفي حالة تدارك إدارة بايدن لسياستها التي انتهجتها تجاه حليفها الاستراتيجي، الرياض، من تصريحات إعلامية سابقة، صدرت من بايدن أو حزبه الديمقراطي تجاه قيادة المملكة ورفع الحوثيين من قوائم الإرهاب مما شجعهم على الاستهدافات المتكررة للمملكة، ولمصادر الطاقة والممرات المائية وللمرافق الحيوية والمدنية في انتهاك صريح للقانون الدولي ثم إيقاف صفقات الأسلحة وسحب بطاريات الباتريوت.

حيث كانت نتائج تلك المواقف السياسية سلبية جداً على قوة ومتانة العلاقات، وأعتقد أن ما يرغب به السيد بايدن هو إعادة ترميم تلك العلاقات مع الرياض ودول الخليج لكسب ثقة دول المنطقة وإسرائيل، وإعطاء تطمينات أكبر في حال عقد اتفاق نووي مع طهران، وأن ذلك لن يكون على حساب التحالفات والمعاهدات الاستراتيجية الأمنية القادمة التي تتناسب من وجهة نظره مع مخاوف دول المنطقة، وتخدم مصالح واشنطن وحرصها على عدم فتح بؤر صراع أخرى جديدة بين اسرائيل وطهران أو دول المنطقة وطهران لأن ذلك سيزيد من حدة الصراع القائم بين واشنطن وروسيا والصين في دوامة صراع النفوذ والهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية، سواء في بحر الصين شرقاً أو في البحر الأسود غرباً، وعالمياً، والذي بدأ يدق ناقوس الخطر بتغير النظام الدولي لمصلحة أقطاب جديدة.

وقد ينعكس ذلك أيضاً على أسعار الطاقة والنفط بشكل يهدد مصالح واشنطن، وخصوصاً في هذه الفترة الحرجة التي تتوالى فيها المشكلات على إدارة بايدن، وقد تلقى بظلاله أيضاً على الانتخابات النصفية الأمريكية القادمة، وما يحدث من حرب روسيه أوكرانية الآن هو أحد إفرازات ذلك التنافس المحموم الذي نجحت روسيا من خلالها إحداث انشقاقات في أوروبا والضغط على واشنطن وأوروبا أيضاً وأعتقد بأن روسيا والصين نجحت إلى حد ما باستغلال نقاط ضعف إدارة بايدن وسد الفراغ الذي تركته واشنطن في منطقة الشرق الأوسط وتوطيد شراكاتها بشكل فاعل مع دول المنطقة، والعديد من المراقبين يرون أن الرياض ودول المنطقة لا بد أن يقدم بايدن لها تنازلات لإعادة الثقة مرة أخرى في إدارته.

فالرياض الآن هي إحدى دول قمة العشرين، وأحد أركان منظمة أوبك وتملك عمقاً استراتيجياً واقتصادياً وسياسياً كبيراً وتلعب دوراً محورياً هي ودول الخليج في المنطقة لإرساء الأمن والسلم، وبالتالي فتوحيد المواقف الاستراتيجية أمر هام، كذلك تحجيم دور إيران وأنشطة وكلائها داخل دول المنطقة وبرنامجها النووي أيضاً، أحد عوامل تحقيق الأمن والاستقرار والسلم، وكذلك إنهاء الحرب في اليمن ومجابهة أخطار الإرهاب وداعميه وممكناته لحفظ أمن دولنا القومي، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، فالسياسة لغة المصالح.
 

ليفانت - سعد عبد الله الحامد 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!