-
عندما تُحوّل تركيا المياه إلى سلاح ضدّ سكان شرق الفرات!
من منطقةٍ مكتفية ذاتياً، وضامةٍ لمختلف مقوّمات الحياة الرئيسية من زراعة وماء وكهرباء وأمن، ومحافظة على سلامها المجتمعي الذي سعى له أبناؤها من مختلف المكونات السورية على مدار تسع سنوات، وأثبتوا عبرها بأنّ الحياة ممكنة معاً وفق قيام المساواة والعدالة التي لطالما طالب بها السوريون ممن انتفضوا خاصة في وجه دمشق، دون إقصاء لمكون أو محاولة إخفاء أثره ومحو خصائصه الأثنية لصالح أثنية أخرى، أو إنكار هوية دينية لصالح سيادة أخرى، تحولت مناطق شرق الفرات التي تحكمها إدارات ذاتية شكلها أبناء كل منطقة في سبع مناطق، إلى أخرى باتت تعاني بشكل يومي من تبعات الهجوم التركي في التاسع من أكتوبر العام 2019، والتي انتهت باستيلاء أنقرة ومليشياتها المسلحة المعروفة بمسمى "الجيش الوطني السوري" على قطاع واسع ممتد بين مدينتي رأس العين وتلّ أبيض. تركيا
ومذ ذاك الحين، تخرج بين الفينة والأخرى معضلة جديدة لتؤرّق بالَ سكان المنطقة وإدارتها، فإلى جانب مشكلة تهجير أكثر من 300 ألف سوري من أرضهم الأصلية التي ينتمون لها، ومحاولات الجانب التركي زرع عناصر مسلحة محلهم إلى جانب ذويهم، في مشروع استيطاني واضح وصريح، لا لبث فيه، سوى أن الموالين لتركيا يبررون لأنفسهم سلب غيرهم أرضهم بحجة إنها أرض سورية، ليحق معها السؤال: ماذا لو سلبك أخوك أرضك بحجة إنها أرض أبيه، بالاستقواء عليك مع جارك؟ هل سيسمى ذلك حينها سوى سلباً بغير وجه حق؟
لكن المشكلات لم تنتهي هناك، بل تتعدد أوجهها في كثير من جوانب الحياة، ولعل تعمد الجانب التركي الاستيلاء على مدينة رأس العين تحديداً، التي ترفد محافظة الحسكة بمعظم احتياجاتها المائية، لم يكن مصادفةً، بل كان عن سابق دراية وتصميم ودراسة، فالمنطقة وبالسيطرة عليها، قد حولت مساحات شاسعة من مناطق "الإدارة الذاتية في شمال سوريا"، إلى أسيرة أهواء المتحكمين بتحويل المياه من محطة علوك، فيغلقون صنابيرها متى شاؤوا ويفتحونها متى شاؤوا، وكان أخرها قبل أيام، إذ تواصل الميليشيات السورية المدعومة من تركيا قطعها المياه عن محافظة الحسكة، وذلك بعد أن أوقفت ضخ المياه من محطة مياه علوك إلى المدينة وريفها. تركيا
عقاب جماعي لسكان الحسكة
ومن الواضح إن الجانب التركي يرغب في ضعضعة العلاقة بين الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية من جهة، وسكان البلدات والمدن السورية التي تصلها المياه من محطة علوك من الجهة الأخرى، من خلال خلق المشكلات التي تبرهن عجز الإدارة الذاتية كسلطة إدارية على تأمين الضرورات الحياتية اليومية للسكان في مناطقها، وبالتالي توجيه رسالة إلى الإدارة الذاتية للاستجابة للمطالبات التي تطالب بها تركيا والمليشيات التابعة لها، وهي قد تكون في الحصول على إمدادات الوقود أو الكهرباء من سدّ الفرات، وبالتالي تتحول المعادلة إلى المياه مقابل الكهرباء والنفط أو إحداهما.
وفي السياق، قالت إحدى المواقع التابعة للمعارضة السورية، إن مليشيات "الجيش الوطني السوري" التي استولت على المحطة نتيجة مشاركتها مع تركيا في الهجوم على شرق الفرات، قد طردت العاملين فيها، مطالبة بتغذية رأس العين وريفها بالتيار الكهربائي مقابل السماح بضخ المياه لمدينة الحسكة، لكنها قالت، إنه لم يتمّ الاتفاق على آلية بعد. تركيا
وإلى جانب ضرب العلاقة بين السكان والسلطة، يبدو أن الجانب التركي لديه الرغبة كذلك في معاقبة سكان شرق الفرات، خاصة إنهم صمدوا إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية إبّان الهجوم التركي في أكتوبر الماضي، ورفضت فيها مختلف المكونات التخلي عن حقها المشروع في إدارة نفسها دون تسلط من سلطات دمشق، أو "احتلال تركي" لأراضيهم من بوابة المسلحين، الذين لا يبدو أنه قد بات شيء يربطهم بالوطن السوري سوى الاسم، وهو قابل للتعديل متى شاءت أنقرة، وقد صرح سابقاً أحد قادة المليشيات المسلحة وأكد إنهم يخدمون الخلافة العثمانية ومستعدون للقتال بغية استعادتها في أي بقعة من الأرض، وعليه ربما لن تمانع تركيا في عقاب الكُرد والعرب والسريان والآشور والأرمن الذين اختاروا التمسك بسوريتهم، ورفضوا إعادة العثمانية إلى أرضهم، كما هي الحال المفروضة في مناطق جرابلس والباب وإعزاز وأخيراً عفرين، التي جرى سلبها بعمل عسكري في آذار العام 2018.
وقد صرّحت الرئيسة المشتركة لمديرية المياه في الحسكة "سوزدار أحمد" لإحدى المواقع المحلية في شمال سوريا بالتأكيد على أنّ المليشيات المسلحة قد أوقفت ضخ المياه من محطة علوك يوم السبت/الواحد والعشرين من مارس (بالتزامن مع عيد النوروز الذي يحتفي به الكُرد بشكل واسع)، موضحة أن المليشيات تستغل محطة علوك لابتزاز الأهالي والضغط على الإدارة الذاتية، وتقوم بقطع مياه الشرب عن المدنيين باستمرار وتحرم ما يقارب مليون إنسان من مياه الشرب. تركيا
وتقع محطة علوك شرقي مدينة رأس العين، وتقوم المحطة بتزويد مدينتي الحسكة وتل تمر وأريافهما بالمياه، وصولاً إلى تخوم محافظة دير الزور بالإضافة، لمخيمات الهول والتوينا والعريشة.
إدانة أممية للقطع
وفي سياق المخاطر التي قد يشكلها القطع التركي للمياه عن مناطق من شرق الفرات، أصدر "فران ايكيثا" وهو مُمثل اليونيسف في سوريا في 23 آذار/مارس نداءً أشار فيه: "إن انقطاع إمدادات المياه خلال الجهود الحالية للحدّ من انتشار مرض فيروس كورونا يعرّض الأطفال والأسر لخطر غير مقبول، غسل اليدين بالصابون أمر بالغ الأهمية في مكافحة مرض COVID-19"، متابعاً: "المحطة هي المصدر الرئيسي للمياه لحوالي 460،000 شخص في مدينة الحسكة وتل تمر ومخيمي الهول والعريشة، وإن الحصول على مياه آمنة وموثوقة أمر ضروري لضمان عدم إصابة الأطفال والأسر في المنطقة بالأمراض واضطرارهم للجوء إلى مصادر مياه غير آمنة". تركيا
وأشار إيكيثا: "إن اليونيسف وشركاءها يدعمون العائلات في مدينة الحسكة ومخيمات العائلات النازحة بشاحنات المياه، ولكن هذا بالكاد يغطي الحدّ الأدنى من الاحتياجات إذا انقطعت إمدادات المياه مرة أخرى"، قائلاً: "إنه لا يجب أن يعيش أي طفل حتى يوم واحد بدون ماء آمن، المياه النظيفة وغسل اليدين تنقذ الأرواح، استخدام مرافق المياه والمياه لتحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية أمر غير مقبول، فالأطفال هم أول من يعاني من هذا الأمر".
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!