الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
عندما تصبح السياسة إديلوجيا
عبد الناصر

لم تشهد الساحة العربية ثورة بمزايا ثورة السوريين التي انطلقت بمبادئ نظيفة وأهداف نبيلة.. فقد كانت ثورة سلمية وطنية شعبية حقوقية.. وكل ذلك كان قبل أن تمتد إليها يد «الإخوان المسلمين» وتعمل على شيطنتها، وكأن الإخوان قد تعاهدوا ألا يتركوا شائنة إلا ويقحموها بالثورة السورية، ابتداء بوجودهم هم، فهم أكبر عار على الثورة، بما يحملونه من تاريخ أسود، وحاضر تآمري، وخيانة للأمة، وفساد مالي، وهوس قيادي.. ثم إقحامهم لتنظيمات القاعدة في المشهد السوري، وحمل الناس على احتضان ذلك السواد، وإثارة الأحقاد والفتن ضد العرب، وتهميش العناصر الصالحة، وتصدير الفاسدين للمشهد، وفتح المكاتب الافتراضية لتجنيد الشباب للقتال في ليبيا وأذربيجان وكشمير.


وأخطر ما فعله الإخوان هو ظاهرة «أسلمة الثورة» حيث طبعوا الحراك الشعبي بطابع «الإسلاموية المتشددة» معتبرين أنهم خرجوا ضد الكفر لا ضد الظلم، وعملوا على توسيع مصطلح الكفر ليشمل العلمانيين والليبراليين والديمقراطيين، ثم رفعوا رايات تنظيم القاعدة السوداء، ليحرجوا الناس بها حين وسموها بالقداسة، ودعوا إلى إقامة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة.


لكن الأسوأ من هذا كله ولا يظهر لكثير من الناس هو عملهم على «أدلجة السياسة» حتى إننا رأينا في الحالة السورية خطاباً سياسياً لا يشبه المنطوق السياسي الذي يألفه المتابعون والعاملون في الحقل السياسي. وهذا ما ظهر في عدة نواح أهمها:


إقحام الغيبيات في التداول السياسي!. فصرنا نستمع إلى آراء تفسِّر الحدث السوري على أنه علامة من علامات الساعة، أو ظهور المهدي المنتظر، أو المسيح الدجال. مما زاد في ضبابية المشهد واختلاط الأمور على الناس، حتى توهم كثير منهم بأن الواقع الحاضر محكوم لمعادلات غيبية قبورية لا تشبه الواقع ولا الواقع يشبهها.


وكذلك تم إقحام «النص المقدس» في القراءة السياسية وفقاً لتفسير أصحابه، فحين تستمع إلى هؤلاء يتحدثون عن السياسة ستجد نفسك تستمع إلى خطبة دينية فيها حزمة من النصوص، يخرج صاحبها بنتائج، يظنها المتلقي الحقَّ الذي لا يمكن ردُّه، فما الذي يصيب المتلقي المسكين الذي يعير مسامعه لشيخ السياسة، وعينه لا ترى رصيداً لكلام الشيخ في الواقع، فيريح المتلقي عقله، ويختار الإعراض عن الواقع، مكتفياً بجرعات التحليل السياسي عند كل «حضرة قدسية».


ومن مظاهر «أدلجة السياسة» إقحام التاريخ في الأحداث الراهنة، لجهة استحضار أعداء مفترضين، سجَّلهم التاريخ على أنهم استعمار أو احتلال أو حلفاء للمحتلين، الأمر الذي جعل من حوافر الأعداء تتزاحم على العقلية السورية، ويحتجب الأفق عن أي إمكانية للتعامل مع الواقع السياسي.


والأغرب من كل ذلك أن يتعامل البعض سياسياً مع الآخر وفقاً لدينه ومعتقده!. وفقاً لمبدأ «الولاء والبراء» الذي ينادون به، ومن مقتضاه إعلان المفاصلة المادية والوجدانية مع كل جهة لا تدين بالإسلام، حتى لو ظهر منها مناصرة أو تعاطف، موجِّهين الناس إلى فكرة رفض قبول التعاطف من أي جهة غير إسلامية، بل ومشككين بصدقية النوايا.


حين يتم تقديم السياسة على أنها قوالب مقدسة جاهزة، تفسِّر الحوادث والوقائع، تنقلب السياسة إلى دين، يدعون الناس إليه كجزء من الفكر الديني الذي لا يناقش، وويل لمن يرفض بضاعة المُؤَدلجين، لأنه بذلك يرفض الدين، ويتمرد على معاني الربوبية وقيم العبودية.


عبد الناصر الحسين

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!