الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
عام على تنصيب حكومة نجلاء بودن.. تونس تواجه التحديات
 رامي شفيق

يتزامن مرور عام على تنصيب السيدة نجلاء بودن، رئيسة للحكومة في تونس، نجاحها في إتمام الاتفاق مع الاتحاد التونسي للشغل، الذي مهد لتجاوز عقبة المفاوضات الشاقة مع صندوق النقد الدولي، الذي أفضى نحو حصول تونس على قرض، مع حلول شهر ديسمبر القادم، موعد توقيع الاتفاق النهائي.

يأمل الجميع في تونس الحصول على قرض بقيمة مليار وتسعمائة مليون دولار، ومن خلال ذلك تمر البلاد بعثرتها المالية، ومعضلة توفير احتياجات المواطنين من المحروقات والسلع الأساسية التي غاب بعضها عن الأسواق، وارتفع سعر بعضها الآخر بما يفوق قدرات المواطنين.

تحتشد التحديات الاقتصادية والسياسية في ذهنية الرئيس قيس سعيد، الذي يأمل أن يستقبل العام الجديد، وقد أتم الانتخابات البرلمانية بصورة آمنة تسمح له بتقديم صورة متكاملة لنظامه السياسي، خاصة بعد الانتهاء من صياغة الدستور، والتصديق عليه، وكذا الوصول إلى منسوب منتظم من العلاقة مع الاتحاد التونسي للشغل، يسمح له بتنفيذ كافة أو معظم الإجراءات الإصلاحية في بنية وهيكل الاقتصاد، وفلسفة العلاقة ببن الحكومة والمواطنين، خاصة فيما يتصل بتقديم الخدمات، والقيمة المناسبة في مقابل تلك الخدمات.

في ذات السياق، يطمح سعيد في أن يسمح له قرض الصندوق، تيسير الحصول على مصادر تمويل أخرى، بيد أن ثمة تحديات ينبغي على الجميع العمل نحو مجابهتها في المدى المنظور، تتمثل في الإجراءات الضرورية والملحة التي تشترطها إدارة الصندوق للتوقيع النهائي، الأمر الذي يعترض عليه رفاق المنظمة الشغيلة "الاتحاد التونسي للشغل".

إلى ذلك يبدو واضحاً أن "دول الربيع العربي"، عليها أن تواجه معضلتها الرئيسة في تجاوز تلك المرحلة الحرجة من النظام الإقليمي والدولي عبر سؤالي الاقتصاد وفلسفة الحكم، خاصة في ظل التحديات التي فرضت على الجميع منذ اجتياح العالم فيروس كورونا، واندلاع الأعمال العسكرية في أوكرانيا، وما ترتب على ذلك من تهديدات عميقة وشاملة على كافة المستويات.  

من خلال ذلك؛ يبدو أن المعارضة الحقيقية التي يواجهها الرئيس التونسي تتمثل صوب تحركاته الذاتية لإرساء أسس نظامه فيما بعد إجراءات ٢٥ يوليو من العام الماضي، فيما يغفل البعض التدقيق في حالة التشتت والارتباك، التي تعتري التيارات السياسية المعارضة في البلاد، والفشل المتراكم في تجربة الحكم خلال سنوات العقد الفائت، ما دفع الرئيس نحو التداخل والانخراط المباشر في صياغة كافة الخطوات التنفيذية، التي ترتبت على إجراءات يوليو من العام الماضي.

عبر ذلك، تم تكليف السيدة نجلاء بودن، رئيسة للحكومة، من خلال مرسوم دستوري يستند إلى التدابير الاستثنائية، وتم إقرار دستور يسمح له أن يسير الأوضاع السياسية بصورة تميل إلى كفته بشكل لافت، وجاء القانون الانتخابي لمجلس النواب بصياغة تقترب من ذات الهدف.

قد يبدو ذلك حقيقة بعضها أو كلها إلا قليلاً؛ بيد أن ثمة واقع، لا ينبغي أن تغفله، حين تدقق تلك الأحداث، وتراجع مجريات التاريخ وسياقاته، سواء كان ذلك خلال العقد الفائت، وما جرى فيه من تجارب سياسية غير ناجحة، راكم فيه تنظيمات الإسلام السياسي الفشل بكافة صوره ومعانيه، وتهاوى بالبلاد والمواطنين للدرجة التي اقترب فيها من مفهوم الدولة الفاشلة.

خبرت تونس مع تجربة الإسلام السياسي في الحكم عشرية تامة، عرفت فيها كافة معان الإخفاق السياسي والاقتصادي، ولم تستطع حركة النهضة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في تونس، خلال إحكام قبضتها على السلطة أن تصيغ رؤية سياسية خالصة، أو تعمل على إدماج القوى السياسية في البلاد من خلال رؤيتها لفلسفة الحكم، بل تهاوت في عديد المرات نحو الصراع مع الجميع في الداخل، وتعريض البلاد لخطر السقوط، وارتهان كافة خياراتها محض مصالحها التنظيمية والأيديولوجية، سيما وأن مساندتهم للرئيس قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية جاء عبر منظورهم الخاص الذي ظن سهولة التعامل معه وتطويعه بحسب أهدافهم ورؤاهم.

لا ريب أن الأوضاع الإقليمية المضطربة فيما بعد العام ٢٠١١، قد أسهمت بشكل لافت في تعميق أزمات دول المنطقة، وكلفتها الكثير من الأعباء نتيجة لحالة السيولة التي عرفتها دول المنطقة.

تستطيع ملاحظة ذلك عبر ما جرى في ليبيا فيما بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي، وتداعي كافة المحاولات لاستعادة نسق الدولة طيلة السنوات الماضية، مما آثر على وضعية تونس من الناحية الاقتصادية، إذ كانت ليبيا تستوعب عدداً كبيراً من العمالة التونسية، فضلاً عن التحديات الأمنية والسياسية، جراء حالة عدم استقرار الأوضاع السياسية الليبية.

نحو ذلك، ينبغي النظر إلى إجراءات الحوار، ودعوة الرئيس صوب جمهورية جديدة بشكل جاد وحيوي من كافة الأطراف الفاعلة، والوصول إلى درجة معقولة من التوافق النسبي على جملة التحديات التي تواجه البلاد، والمسارات المتاحة لدفع مخاطر الاستمرار في عدم مجابهة تلك الأزمات، وكذا منسوب الكفاءة اللازمة.

 تستطيع أن تثمن دعوة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي، تجاه تفعيل المجلس الوطني للحوار الاجتماعي، الذي يضم الحكومة، واتحاد الشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والصناعات التقليدية، وذلك من أجل مناقشة السياسات الاقتصادية والاجتماعية في تونس، وضرورة أن يعرف التوافق فيما بين المجتمعين عبر الكشف عن كافة الإشكاليات البنيوية التي تحيط بهيكل الاقتصاد الرسمي، وسبيل تجاوزه عبر أنساق محددة قد تعرف بعض الألم أو كل القسوة.

على ذات النحو، ينبغي أن تمر المشاورات بين الفاعلين السياسيين، نحو النظر إلى الأنساق السياسية التي اعتمدها الدستور، بعين ترقب كافة الاعتبارات الداخلية والإقليمية والدولية، وأن تدافعاً عميقاً وثقيلاً يحيط بالجميع، مما يهدد بنية الدول واستقرارها على كافة المستويات، سيما الأوضاع الاقتصادية والمالية وتداعياتها على الأنظمة السياسية وثبات مرتكزاتها وصلابة قواعدها.

إلى ذلك، ينبغي مراجعة كافة الإجراءات التنفيذية وتطويع كافة الإمكانات، نحو نسق الدولة الناجزة، وأن يعبر الجميع نحو ممر آمن من خلال التوافق النسبي، وتجاوز المصالح الشخصية، والاعتبارات الضيقة، والانتصار لمفهوم الدولة.
 

ليفانت - رامي شفيق

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!