-
طالبان وبازار على حقوق الشعب الأفغاني
بينما يتحرك المجتمع الدَّوْليّ ودول الجوار الأفغاني للضغط على طالبان لتقبل تشكيل حكومة موسعة تشمل الأقليات القومية من الهزارة الشيعة والطاجيك والأوزبك وحضور نسائي، تظهر طالبان تمسكاً بتلك الصورة النمطية الحقيقة التي تشكلت عنها إبان مدّة حكمها من 1996 إلى 2001.
تبدو عملية ضغط من طرفها لتكون بنود اتفاق الدوحة في شباط 2020 المفترض إتمامها بمنزلة تنازلات من طرفها لتحصيل الاعتراف الرسمي والمساعدات، ولاسيما أن المخرجات الدولية الأخيرة بشراكة منظمة الأمم المتحدة وصلت لتكون المساعدات وسيلة ضغط على السلطة الجديدة في كابول. يقول أنطونيو غوتيرش.
على نحو متصل، تتجلى استراتيجية الحركة الضاغطة مع افتتاح موسم المدارس وعلى أهمية هذا الحدث اجتماعياً، سمحت الحركة، اليوم السبت فقط للفتيان بالعودة إلى المدارس الإعدادية والثانوية في أفغانستان بينما مدارس المرحلة الابتدائية بقيت على حالها في مناطق دون أخرى، في إجراء رفضته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وطالبت الحركة عدم ترك الفتيات دون تعليم. وأكدت المنظمة من خلال المديرة التنفيذية للوكالة الأممية هنرييتا في بيان على "ضرورة أن تتمكن جميع الفتيات والنساء، بمن فيهن الأكبر سنا، من استئناف تعليمهن دون مزيد من التأخير، وأن تتمكن المعلمات أيضاً من مواصلة التدريس"، مشيرةً إلى "التقدم الكبير الذي تحقق في البلاد على مدى العقدين الماضيين حيث تضاعف عدد المدارس ثلاث مرات وزاد عدد الأطفال الملتحقين بالمدارس من مليون إلى 9,5 ملايين".
بعد عشرة أيام من إعادة فتح الجامعات الخاصة في البلاد، أعلنت الوزارة المعنية بالتعليم، أمسِ الجمعة، أن "جميع المعلمين الذكور والطلبة الذكور" سيعودون إلى مدارسهم دون أي ذكر للمعلمات أو لفتيات المدارس الإعدادية والثانوية.
منذ عودتها إلى السلطة، حاولت طالبان طمأنة المجتمع الدَّوْليّ من خلال إعلانها أنها ستضمن احترام حقوق المرأة وأمور أخرى، لكنّ هذه المزاعم تبخّرت في الأسابيع الأخيرة بسبب العديد من القرارات التي اتخذتها الحكومة الأفغانية الجديدة. ففي حين سُمح للنساء بالدراسة في الجامعة فُرض عليهن ارتداء العباءة والحجاب على أن يتم الفصل قدر الإمكان بين الجنسين في قاعات المحاضرات.
يعيد هذا الإجراء إلى أذهان الأفغانيين تلك الأيام السوداوية عندما تولت الحركة المتزمتة السلطة بين عامي 1996 و2001. آنذاك، انتهجت الحركة الإسلامية المتشددة سياسة قمعية وخصوصاً تجاه النساء اللواتي لم يُسمح لهنّ بالعمل أو الدراسة أو ممارسة الرياضة أو الخروج بمفردهن إلى الشارع إلا مع محرم، لكنّ حَراكاً إقليمياً ودولياً يجري لوقف هذا السيناريو.
بعض أطراف هذا التحرك الدَّوْليّ، باكستان مع التصريح الأخير لرئيس وزرائها عمران خان، اليوم السبت، حثّ من خلاله طالبان على اعتماد حكومة موسعة وإعطاء الأقليات العرقية حقوقها ولاسيما السياسية التمثيلية وتشديده على حقوق المرأة، ما يبدو عليه الأمر أنه مؤشر جيد أن باكستان تدفع باتجاه السلام والتسوية واستقرار أفغانستان، فحدود باكستان القلقة وأكثر من مليون أفغاني لاجئ في البلاد يعطي المتابع دفعة أمل إيجابية بمساعي باكستان الجادة حيث ميزان المقايضة سيكون منخفضاً.
ومن جهة أخرى مع الجار "الغربي"، والقلق من الجماعات الجهادية الخارجة عن السيطرة، تشدد إيران منذ أشهر على أن الحركة يجب أن تكون جزءاً من أي "حل مستقبلي" في أفغانستان، لكنّ طِهران أبدت أسفها على تشكيل حكومة أفغانية بقيادة طالبان ذات أغلبية بشتونية لا تمثّل جميع الأفغان، ودعت "جميع الأطراف" إلى التفاوض لتشكيل حكومة "ممثلة للتنوع". وكرر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الدعوة اليوم السبت 18 أيلول إلى تشكيل حكومة أفغانية ممثلة لمختلف الأطراف، معتبراً أن "حكومة تنتمي إلى مجموعة عرقية أو سياسية واحدة لن تتمكن من حل مشكلات أفغانستان"."أ ف ب"
المعلّمات إلى المنازل
بعد رحيل طالبان إثر تدخل تحالف دَوْليّ بقيادة الولايات المتحدة عام 2001 بحجة محاربة الإرهاب وملاحقة تنظيم القاعدة، تمكنت النساء تدريجياً من استعادة حقوقهن الأساسية وشغل الوظائف التي كانت محظورة عليهن مثل منصب قاضية أو برلمانية أو ربانة طائرة.
لكن مع عودة الحركة يعود الظلام ليخيّم مرة أخرى، لم تُعيّن أي امرأة في الحكومة المؤقتة التي شُكلت في أوائل أيلول/سبتمبر، حين كان متوقّعاً أن يشغل منصب وزارة شؤون المرأة سيدة لكن الوزارة أُلغيت بالكامل واستعيض عنها وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذات الصيت السوداوي.
أبدل عناصر من حركة طالبان في العاصمة الأفغانية كابول أمسِ الجمعة، اللافتات الخاصة بوزارة شؤون المرأة ووضعوا مكانها لافتات "شرطة الأخلاق" التابعة للحركة، بينما أكدت موظفات سابقات بالوزارة منعهن من دخول المبنى، وتمت تغطيته بلافتة أخرى باللغتين الأوردية والعربية مكتوب عليها "وزارة الصلاة والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
وقالت موظفات في مقاطع فيديو صُورت خارج المبنى، إنهن "يحاولن الذَّهاب إلى العمل منذ عدة أسابيع لكن كان يُطلب منهن العودة إلى المنازل". وأوضحت إحدى هؤلاء النسوة أن "بوابات المبنى أُغلقت في نهاية المطاف"، الخميس، فيما قالت أخرى تقدم نفسها بأنها عاملة في الوزارة "أنا المعيلة الوحيدة لعائلتي… في حالة عدم وجود وزارة ماذا تفعل المرأة الأفغانية؟".
ويتردد صدى حملة احتجاجية على وسائل التواصل لدعم المرأة الأفغانية وحقها في العمل والمناصب بالتوازي مع إجراءات القمع، حيث تنشر نساء أفغانيات صوراً لهن مع شعارات وعبارات مطلبية أغلبهنّ يعشن في أفغانستان.
https://twitter.com/AamajN/status/1438465826022203400
ستستمر حركة طالبان بفرض القيود وسيناريوهات الترهيب بالتزامن مع المفاوضات على حكومة موسعة تدعمها المجموعة الدولية، ولاسيما دول الجوار الأفغاني التي اجتمع بعضها اليوم في العاصمة الطاجيكية دوشانبي في قمة منظمة شغنهاي للتعاون الأمني فكان المِلَفّ الأفغاني رئيسياً على طاولة المجموعة، التي تحرص بأعضائها جيران أفغانستان كالصين وطاجيكستان وإيران وروسيا البعيدة القريبة على الاستقرار في البلاد وضمانات من سلطات كابول الجديدة بعدم السماح لتوطين الجماعات الجهادية.
اقرأ المزيد: انتخابات تشريعية روسية… غياب للمعارضة وآبل وغوغل يحذفان تطبيق نافالني
لقد كانت الزيارة العاجلة لوزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الأحد (12 أيلول/سبتمبر 2021) إلى كابول غاية أساسية لنقاش الخلافات الحاصلة في الحركة وضرورة تشكيل حكومة وطنية موسعة تضم كل الطيف الأفغاني على ما قال مراسل الجزيرة. زيارة تُعدّ الأرفع على المستوى الدبلوماسي لأفغانستان منذ سيطرة حركة طالبان المتشددة على السلطة، وجاءت بعد حادثة الخلاف يوم الجمعة 9/10 أيلول بين فريق ملا عبد الغني برادر وخليل حقاني.
اقرأ المزيد: صراعات داخل حركة طالبان على التمثيل الحكومي.. مرسال قطري “للتهدئة”
وبينما يسير قطار التشكيل الحكومي يمكن اعتبار قائمة المناصب الوزارية المؤقتة التي أعلنتها حركة طالبان في السابع من سبتمبر ولاسيما منصب القائم بأعمال وزير "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" إحدى تجليات المناورة السياسية وليس أنها لا تعني آمالا وأمنيات بالنسبة للحركة، لكنّها لم تؤكد أنها حلت الوزارة. وصحيح أن قادة عدة في طالبان رفضوا عمل النساء لكن كل هذا قابل للتغيير حتى يُصار إلى تسوية مرضية للحركة التي تحظى بقبول ضمني من المجتمع الدَّوْليّ شرط أن تنفّذ التزاماتها ووعودها في اتفاق الدوحة وهذا لن تقدّمه طالبان مجاناً وإلى أن يختمر الحل ستستمر الحركة بالانتهاكات والقمع والمبازرة بالشعب الأفغاني.
وائل سليمان
ليفانت نيوز _ أ ف ب _ بلومبيرغ _ آماج نيوز
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!