-
طائفية النظام السوري المتوهّمَة!
لا يزال يروق للكثير من السوريين وصف نظام الأسد بالنظام الطائفي، دون أي توقف عند مدى الأذى الذي يلحقه هذا التوصيف بالقضية السورية ببعدها الوطني الصرف، ومدى الخدمات التي يقدمها للنظام ذاته.
قد يبدو هذا الطرح تحرشاً وقحاً ببدهية تؤمن بها النسبة العظمى من جمهور الثورة، بصفته خروجاً عن الإجماع الثوري وانحيازاً لخط النظام وروايته وتبرئته من تهمة يُعتقد أنها سبب كاف للإطاحة به.
إن توصيف النظام على أنه طائفي، هو في العمق خطاب داخلي قديم ربما كان يصلح كأداة انتقاد في مرحلة ما قبل الثورة، ولكن الكثيرين لا يزالون يؤمنون بقدرة هذا الخطاب الداخلي في التأثير على النظام، دون أن يلتفتوا إلى المتغيرات الجذرية في طريقة تناول المجتمع الدولي للقضية السورية، أو يقرؤوا الحسابات الدقيقة للدول العظمى التي أخرجت القضية السورية تماماً من أيدي كل السوريين الذين لم يعودوا مشاركين في صناعة القرارات الخاصة ببلدهم، لا سوريو النظام، ولا سوريو المعارضة ولا سوريو الثورة، فعلى مقاس مصالح الدول المتدخلة يتم تفصيل الإجراءات.
من هنا يمكن فهم نظرية عدم الحل في سورية، المعتمدة عالمياً حتى الآن، على أنها هي الحل الوحيد، إلى أن تتفق تلك الدول فيما بينها على حجم الغنائم والمكاسب التي تسعى لها كل منها.
استقر المجتمع الدولي على توصيف الحدث السوري بـ "الحرب الأهلية"، وتم اعتماد هذا التوصيف رسمياً ، بصرف النظر عن مدى بُعد هذا التوصيف عن الواقع السوري، ولعل هذا هو الإنجاز الأكبر الذي تحقق للنظام حتى الآن على المستوى الدولي، ففي ظل الحديث عن حرب أهلية، تراجع الحديث عن ثورة شعبية في مقابل قمع تجاوز حد الإبادة، وتم دفن الرواية الحقيقية وإقصاء الحدث الجوهري في القضية السورية، وإحلال قضية مزيفة مكانها يسعى الجميع إلى أن يكون شاهد الإثبات فيها، ولو بالقوة العسكرية لضمان حصته من الذبيحة.
خطورة توصيف الحدث السوري بالحرب الأهلية يكمن في أنه يقسم القوى المتقاتلة إلى أطراف متعددة، كل منها يدافع عن الفئة المحسوبة عليه.
هنا تكمن خطورة الإقرار بطائفية نظام الأسد، حيث يساهم في تكريس النظام على أنه أحد الأطراف في الحرب الأهلية، وأنه يدافع عن طائفته لا عن حكمه وكرسيه، فيتساوى بذلك مع الأطراف الأخرى، ليس فقط على المستوى السياسي والعسكري، بل أيضاً على المستوى الحقوقي والأخلاقي، مما يسقط عنه مسؤولية ما ارتكب من جرائم بحق السوريين، وقد يعفيه مستقبلاً من أي مساءلة قانونية، ويضعه بالتوازي مع كل الأطراف الأخرى التي شاركت في "الحرب".
ربما كان النظام هو الأكثر سعادة حينما يتم وصفه بالطائفي، فكما يقدم له هذا التوصيف خدمات كبيرة على المستوى الدولي، فإنه على المستوى الداخلي يحقق له خدمات أكبر، فقد عمد النظام منذ بداية الثورة على حشد كل الجهود ليظهر الثورة وكأنها عدوة للطائفة العلوية، فراح الكثيرون من المشاركين في الثورة يؤكدون ذلك، مما جعل المخرَج الوحيد أمام بسطاء الطائفة -وهم الأغلبية الساحقة من الطائفة العلوية- هو التمسك بالأسد، رغم كل الحقد الذي كانت تكنه الطائفة لعائلة الأسد بسبب ممارسة كل أنواع الإذلال بحقها، فعائلة الأسد لم تتعاطف يوماً إلاّ مع مصالحها وحماة مصالحها، والعلويون يدركون ذلك جيداً.
من ناحية أخرى، فقد أظهر هذا الخطاب جمهور الثورة بالمظهر الطائفي، حيث لم يتبنَ النظام رسمياً أي مظهر من مظاهر الطائفية، رغم كل الجرائم التي أوكل لأتباعه تنفيذها موظفاً نعراتهم الطائفية لصالح مشروعه.
في الثمانينيات، ذاق اليساريون العلويون وحشية لا تختلف عن الوحشية التي تذوقها كل خصوم النظام، وأثناء الثورة لم يتسامح النظام مع أي صوت معارض بصرف النظر عن طائفته، وحتى بعد انتصاره المزعوم لا يجرأ أبناء الطائفة ممن وقفوا ضده على دخول سورية، ولا يزال النظام يرفض الكشف عن مصير عبد العزيز الخيّر على سبيل المثال، ولو كانت الطائفة تهم النظام، لما مات صلاح جديد في السجن، ولما اغتال الأسد الأب محمد عمران وغيره، وسجن الكثيرين من أبناء طائفته ممن اشتبه في ولائهم المطلق لشخص الأسد وليس للطائفة.
إن كل الوقائع اليوم تدل على أن التركيز على طائفية النظام، بل حتى إثباتها بالأدلة، ليست في صالح الخطاب الوطني، ولربما بات الخروج من الخيمة الداخلية الطريق الأسرع لمواجهة القوى الفاعلة في الشأن السوري، وليس استهلاك ما تبقى من الوقت المستقطع في استجرار بدهيات أثبتت عجزها عن إحداث أي تغيير لصالح الثورة.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!