الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
صيدنايا.. السجن الذي تحول إلى كلية في الإسلام السياسي
محمد عواد

ما زالت آثار الإسلام السياسي تشكل محطة فضول الباحثين، على الرغم من المظهر السطحي الذي يظهر كتراجع حاد للحركات الإسلامية السياسية التي عكست بعض جوانب هذه الظاهرة. ومع ذلك، يمكن اعتبار هذا التراجع -من وجهة نظري- متفاوتًا في مناطق جغرافية معينة، مع تحول في الأشكال التي اكتسبتها من الولاء الإيراني

الذي كُشف بشهادة حسن سلوك: آصف شوكت، العقل المدبر لتعويم الحركات الجهادية، يمزج بين الإخوانية والتوجهات السلفية ببراعة. ينطلق مساره في تجنيد القيادات الإخوانية منذ عام 2004، متقنًا رقصة توازن مع العلاقات الوثيقة مع الإيرانيين. زواجه الملفت من بشرى الأسد، شقيقة الرئيس بشار الأسد

ووفقًا لصحيفة الغارديان، التي أعادت نشر خبر من صحيفة هارتس الإسرائيلية، كان قاسم سليماني مستشارًا استراتيجيًا لدى نظام الأسد، وكان يلتقي دائمًا بآصف شوكت وهنا يتجسد ذلك التوتر الذي يضفي على قصته لمسة غريبة.

بعد الغزو المدمر للعراق، ينسج آصف شوكت خيوط تعاونه مع المخابرات الإيرانية والأمريكية، ويتسلح ببراعة في التنسيق بين الأسد وحماس والجهاد الإسلامي بالعراق، خلف كواليس الأحداث الدامية. وفي لحظة تاريخية حاسمة عام 2005، يتسارع قلب المشهد مع مشاركته في عملية اغتيال الرفيق الحريري، بداية للصعود المظلم لمسيرته المحملة بالغموض والإجرام.

بدأ الشارع السوري تجميع حشوده والتوجه إلى الميادين في عام 2011، مُطالبين بحقوقهم المنتهكة على مدار 40 عامًا. "ارحل"، الكلمة التي أدَّت إلى اضطرابات داخل رأس هذا النظام وتسليط الضوء على جنونه.

استاء آصف من حشود المظاهرات في حماة، مكان مجزرة تاريخية على يد الأسد الأب في عام 1982. ومع هذا، اعتلى آصف المنبر ووجَّه كلمته إلى أجهزة استخباراته بتحذير واضح: "إما أن تتوقف مظاهرات حماة، أو سنعيد الكرة عليهم". تلك الكلمات كانت تثير هلاوسًا يتناقض مع تحليلات طلاس، محاولًا صنع صورة سلمية لآصف، بينما كان هو وإخوته شركاء في تدمير سوريا.

وفيما يعود إلى كتابات الكاتبة هدى الحسيني في صحيفة عمون، تقول إن صحيفة الرأي الكويتية نشرت في عام 2007 اعترافات محمد سليمان مرعي، أخ القيادي في حركة فتح الشام، مؤكدة أنه كان الوسيط بين آصف والآخر". ومع ذلك يتصاعد التشويق مع مقتل آصف في تفجير غامض عام 2012، يرسم آصف لوحة غنية بعناصر عميقة. "قاسم سليماني، لقاءات مكررة مع آصف، اعترافات محمد سليمان مرعي، تفاصيل مظلمة تضيف غموضًا مشيرةً إلى تشابك الأحداث وعمق العلاقات في ساحة الصراع السوري".

أكاديمية صيدنايا للتأهيل

في لحظة حاسمة من عام 2008، تعود أحداث صيدنايا للواجهة، حيث يروي المعتقل السابق نديم بالوش حادثة مأساوية. في يوم لا يُنسى، شهدت السجون ثورة سلفية نشبت بسبب استهانة أحد السجانين بالذات الإلهية وتجاوزه على كتاب الله. يثير السؤال: هل كانت هذه الثورة مجرد انفجار عفوي، أم كانت خيوطها تمتد إلى عمق السجن؟ تبدو الأحداث غامضة، حيث ينقلب الوضع، يُسجَن العسكريون، ويُختَطَف الضباط، مما يثير تساؤلات الجميع حول تفاصيل هذه الصفحة المظلمة في تاريخ صيدنايا.

من تلك اللحظة الفارقة، بدأ النظام في استغلال تفرقات بين السلفيين والإخوان بطريقة خبيثة ولكن هل كان النظام يعلم مسبقًا بتلك اللحظات المأساوية؟ في تفاصيل الأحداث ينبثق الغموض حول دور الإخوان، فكيف كانت مشاركتهم مقتصرة على اجتماعات سرية؟

المرحلة المظلمة في تاريخ صيدنايا

ظهرت عدة شخصيات بارزة بعد الثورة المزعومة، خاصة خلال أيام اختفائهم من السجن في بداية الثورة. من بين هؤلاء، حسن صوفان، سمير كعكعة، ومحمد أيمن أبو التوت، الذين أسهموا لاحقًا في تشكيل مسار الصراع السوري. قادت هذه الشخصيات جهود المفاوضات مع النظام، وأُشير إلى وجود علاقة وثيقة مع آصف شوكت، خاصةً خلال فترة اختفائهم. تلقوا وعودًا من القصر الجمهوري بعدم التعرض لهم شريطة المساعدة، وكان من النظام أن يقدم لهم تسهيلات إضافية.

بعد بيع هذه الشخصيات انتفاضة السلفية في السجن، ولم يكن على النظام السوري سوى شراؤهم. قامت السلفية بإعادة ترتيب أوراقها ورسمت خطة انتحارية، حيث أمرهم آصف بحلق اللحية وشعر الرأس والنزول إلى ساحة السجن. رفض السلفية الانصياع وهاجموا أقرب نقطة عسكرية متمركزة بالقرب، وهنا كانت المجزرة التي لن ينساها سلفية سوريا إلى الآن.

هذه كانت لمحات بسيطة عن القصص التي انتشرت في تلك الأيام، والتي شاهدتها العيون الفضائية للإعلام العربي. مع استمرار المساجين في التواصل مع قنوات عربية بارزة، وخاصة الجزيرة، زادت كمية الغموض وإشارات الاستفهام المحيطة بهم، فتلك اللحظات تظل محط أسئلة لا تنتهي، مشيرةً إلى أحداث مجهولة قد تكون في انتظار الكشف.

تم الإفراج عن جميع الأسماء المذكورة بعد شهر واحد من بداية الثورة السورية السلمية، باستثناء حسن صوفان، الذي كان يتحدث عبر حساب على منصة تويتر سابقاً باسم "شادي المهدي" من سجن صيدنايا، حثّ فيه الناس على رفع السلاح ومقاومة النظام، ودعا إلى أسلمة الثورة السورية. شهدت نهاية 2016 هذه الفترة الحرجة إطلاق سراح صوفان، عن طريق المفاوضات التي قادها رجل الحرس الثوري الإيراني للمفاوضات "هشام خزاعي" ورغم ذلك، تظل الأسرار تحيط بهذه الفصل المظلم من تاريخ الثورة السورية، مما يترك للقارئ الفضول والتساؤلات حول مستقبل هذه الشخصيات وتأثيرها في المراحل اللاحقة من الصراع.

بالنسبة للشخصيات، كانت جميعها شخصيات عابرة، إلا شخصيتي "أبو التوت" و"كعكة". "أبو التوت" هو مؤسس أحرار الشام بالخفاء، ومن ثمّ أضعفها عبر حسن صوفان الذي انشق عن الحركة وانضم للهيئة النصرة سابقًا. يحظى "أبو التوت" بمكانة مرموقة لدى الجولاني وحسن صوفان والحركة حتى الآن، وفقاً لما تداوله السجناء سابقاً حيث كان يترافق مع أبو ناصر دروشة، ابن عم الجولاني، كان أبو التوت الذي ساعد في أسلمة الثورة منذ يومها الأول.

أما "كعكة"، المؤسس الخفي لجيش الإسلام الذي تحيط به العديد من الشكوك، أنزل صعقة على أذن كل ثوري حر عند سماع خبر اعتقال المحامية "رزان زيتونة" على يد عصابة كعكة التي لجأت إلى دوما، معقل جيش الإسلام، هربًا من بطش النظام بسبب ما وثقته من انتهاكات لحقوق الإنسان في صفوف جيش النظام مصيرها ومصير زوجها ما زالا مجهولين حتى اللحظة، وفيما يتعلق بـ "كعكة"، تدور الكثير من التساؤلات والشكوك حوله من بينها.

تم نشر مقطع صوتي يُنسب إلى "كعكة"، يلقي فيه اللوم على الفصائل السلفية المقاتلة في الصراع السوري ويهددها. هذا المقطع يعزز مزيدًا من ادعاءات السجين السابق "نديم بالوش" حول استغلال "كعكة" لصالح النظام. تثير هذه المعلومات تساؤلات حول دور "كعكة"، كما يبقى توقيف "رزان" وفريقها من قبل جيشه الذي كان يترأسه بالخفاء موضوعًا غامضًا، ويطرح تساؤلات حول تورُّطه المحتمل "كعكة" في دعم النظام وإخفاء كل من وثّق جرائمه.

ثبتت التوثيقات الشاملة لعام 2013 استخدام غاز السارين الخانق، في الغوطة حيث تم اتهام النظام السوري وميليشيات إيرانية بهذا الفعل. صرّح عمار ياسر حمو، مدير تحرير موقع "سوريا على طول"، بأن ثلاث منظمات حقوقية سورية قد قدَّمت دعوى قضائية في ألمانيا بشأن هذا الانتهاك البشري، وقد كانت "رزان زيتونة" المسؤولة الرئيسة عن جلب الوثائق المتعلقة بهذا الحدث.

في وسط سلسلة من الخيانات داخل صفوف صيدنايا، يتضح أن شهادات عليا في الاستخدام تكشف عن تورطهم في التعامل وقتل الشعب. هل كان النظام السوري على علم بالربيع العربي وما خطط له وراء هذه التداولات الخبيثة التي قادت الثورة إلى الهاوية؟

سؤال حول مصيرهم يطرح نفسه: هل ستكون نهايتهم في ميامي أم في جحيم العواقب التي خلفتها خياناتهم؟ يبقى هذا السؤال محور انتظار العدالة، وتتساءل الأفكار حول ما إذا كانوا سيدفعون ثمن خياناتهم أم لا.

ليفانت - محمد عواد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!