الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
صبـيـانيّة الإعـلام .. حطب الصـراع باليمن
محمد الثريا


لقد أثبتت سنوات الأزمة والصراع باليمن وبما لا يدع مجالاً للشك أنّ لا شيء يبقى على حاله وأنّ كل ما سلمنا به دوماً كحقيقة ثابتة لا تقبل التغيير، سرعان ما اتّضح لاحقاً أنّه عكس ذلك تماماً، وبصيغة أكثر وضوحاً، ربما، دعنا نقول إنّ الأزمة الحالية قد جسّدت المعنى الحقيقي والفعلي لبرجماتية العلاقة القائمة بين أطراف الصراع اليمني وديدن سياسات الدول المعنية تجاه بعضها بصفة عامة، وهي بهذا لم تحدّ بتاتاً عن مقولة تشرشل المفسّرة لطبيعة العلاقة المتغيرة بين الأطراف المتضادة: (ليس هنالك صديق دائم ولا عدو دائم، هنالك فقط مصالح دائمة). 


ما أودّ التركيز عليه هنا من وراء هذه المقدمة، هو أهمية البحث عن صيغة طرح متزنة تعكس خطاباً إعلامياً واعياً ومسؤولاً يستوعب حقيقة الصراع وطبيعة تبدل المواقف والعلاقات، وضرورة الالتزام بها حتى يتسنّى من خلال ذلك تناول أي قراءة أو خبر أو حتى نقد بشكل موضوعي بحت بمعزل عن العاطفة والتدليس.


خطاب يتناول الحدث كمادة خبرية مجردة ويفنّد تفاصيلها (الدوافع والمآلات) بمهنية ومصداقية، بعيداً عن فرط الاهتمام والتدقيق في سريرة الأشخاص والجهات (صانع الحدث)، انطلاقاً من قناعات ومعتقدات مغلوطة عن تلك الشخوص والجهات، وبالتالي افتقار تلك القراءة أو النقد لحيادية الطرح وشفافية النقل المطلوبة أثناء تناول الخبر.


إنّ إشكالية هذا النوع من التعاطي المسيّس تكمن في أنّه يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تأجيج الصراع والفوضى من حيث لايدري، واضعاً في حسبانه أنّ ما يصنعه هنا ليس إلا خطاباً وطنياً وعملاً بطولياً يصنّف الحدث ويكشف فحوى الخطاب المضاد، بينما في حقيقة الأمر أنّه لم يقدّم سوى مزيد من التشويش والتصدّع لدى مخيلة الجمهور في فهم حقيقة الحدث.


لا أحد ينكر حقيقة استمرار تبادل اللكمات السياسية وجولات النزال بين أطراف الصراع باليمن، لكن بالمقابل ليس باستطاعة أحد إنكار حقيقة وجود علاقات تواصل وديّة وربما مصالح مشتركة قد تجمع تلك الأطراف خارج الحلبة ولو على هامش النزال الافتراضي بينهما.


فمثلاً، ما الذي قد تعلّق به مؤسسات الشحن الإعلامي المقرف ومنصّات التصنيف السياسي المبتذل حول لقاء الرئيس هادي بأعضاء المجلس الانتقالي في الرياض الخميس الماضي؟ فضلاً عن سؤال الكيفية التي ستتعاطى بها تلك المؤسسات لحظة إعلان الحكومة التوافقية والأجواء الواجب تلطيفها وتهيئتها إعلامياً قبل وأثناء عمل الحكومة الجديدة؟


بالطبع لا شيء إيجابي قد تقدّمه، وأساساً ما الذي قد نتوقّعه من مؤسسات ومنصّات دأبت طيلة سنوات عملها على تشويه طرفي ذلك اللقاء وتصويرهما غالباً كأعداء منغلقين يصعب تكهن تحولهما يوماً الى شركاء، سوى استمرارها في محاولة التقليل من أهمية ذلك اللقاء، وربما التشكيك في جدواه، أملاً بأن يخفف ذلك من حدّة العار والخيبة وهو أنّ الموقف الذي عادة ما تضع نفسها فيه جرّاء تلك الممارسات الساذجة واللامسؤولة عقب كل حدث يؤكد شذوذها الإعلامي ويكشف زيف ادعاءاتها. 


والواقع أنّ مؤسسات ومنصّات إعلاميّة كتلك التي أخفقت في تناول حادثة اختفاء واحدة بطريقة مهنية تحترم عقل المتابع، من المستحيل أن تجيد تناول تقلبات الصراع ومشاهد الأزمة السياسية بإدراك ووعي حقيقي.


ليس المؤسف فقط أن يتحوّل المصدر المفترض للمادة الخبرية السليمة إلى واجهة سياسية لتغذية النزاع وتأجيج الصراع، فهذا يظلّ أمراً وارداً في قاموس الحروب والصراعات السياسية، بل عندما تشاهد المتلقّي لتلك المادة الموجّهة وقد تحول ضمن قطيع المناكفات والتصنيفات السياسية الخرقاء أثناء تعاطيه مع حدث معين ليس لشيء، سوى أنّه قد جعل بعفويته وجهله ربما من مواد وخطابات تلك المصادر الإعلامية الملوثة هي المغذي والراعي الرسمي لقناعاته ومعتقداته السياسية الخاصة التي يستند عليها في قراءته للحدث والمشهد عامة.


وفي نظري، أنّه لم يعد بالإمكان اليوم إخفاء حقيقة أنّ تلك الظاهرة الإعلاميّة المزعجة قد أصبحت إحدى التحديات والمعوقات التي تقف حائلاً أمام أي جهود حقيقية لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر بين فرقاء الأزمة، وبصراحة سنجد أنّها قد صارت بالفعل إشكالية حاصلة ومعقّدة تضاف إلى جملة التعقيدات التي تواجه مساعي حلّ الأزمة وإنهاء الصراع في اليمن. 


ليفانت – محمد الثريا 








 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!