الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
“شيطنة” الحلول في سوريا
سوار أحمد


تواجَه كافة الحلول والمقترحات المطروحة من قبل مختلف القوى، السياسية والعسكرية الدولية والمحلية، لرسم شكل للدولة السورية، إما بالقبول بها وتبجيلها وتعظيمها أو رفضها وشيطنتها.



فأيّ مقترح يغدو “شيطاناً” في نظر بعض القوى السورية، فتعمد إلى نكرانه ومحقه ورفض مجرد البحث في جدوى نجاحه أو فشله، و”ملاكاً” في نظر بعضها الآخر، تمجّده وتعتبره الحل “الأمثل” والعصا السحرية التي ستحلّ المعضلات السورية المتراكمة.


تطالب غالبية القوى السياسية الكردية بتطبيق النظام الاتحادي “الفيدرالي” في سوريا المقبلة، ويجدون فيه ضامناَ ومانعاً من إعادة إنتاج الدكتاتورية والاستئثار بالسلطة وهضم حقوق المكوّنات وتفضيل عرق على آخر، وكذلك إيجاد حلّ لأزمتي الهوية والإدارة، اللتين ظهرتا جلياً بعد سنوات من الحرب الدامية.


وهذا الطرح نفسه يلقى انقساماً في الأوساط السياسية والشعبية الكردية، فالمجلس الوطني الكردي يدعو للفيدرالية القومية في تجربة تحاكي تجربة إقليم كردستان- العراق، في حين تدعو الأحزاب المنضوية في الإدارة الذاتية إلى جعل شرق الفرات منطقة حكم ذاتي على أساس جغرافي تتشارك فيه مكونات المنطقة في الإدارة، وترفع شعار “الأمة الديمقراطية” و”أخوة الشعوب”، مستلهمة أفكارها من زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، المسجون في تركيا.


لكن طرح الفيدرالية يُواجَه برفض صارم من قبل غالبية القوى السورية، ويكون الرفض مرفقاً باتهامات بـ”التخطيط لتقسيم سوريا” و”تأسيس دول وكيانات انفصالية كردية”، ويمعن بعضهم في “شيطنة الفكرة” فيربط بين هذا المطلب و”مخططات إسرائيليّة وصهيونية”، رغم نجاح هذا النظام الإداري السياسي المجتمعي في العديد من دول العالم، كالولايات المتحدة والاتحاد السويسري والإمارات العربية المتحدة وغيرها.


وفي الوقت نفسه، تلقى مقترحات من قبيل اللامركزية الإدارية أو دولة برلمانية تكون فيها صلاحيات رئيس البلاد محدودة أو غيرها، رفضاً كردياً، فيستشعرون فيها نوايا مضمرة بمعاودة اضطهاد الكرد وهضم حقوقهم، ويرون فيها “كلام حق يُراد به باطل”، أي أنّهم شأنهم شأن غيرهم غير قادرين على حوار عقلاني وبحث “حيادي” في تلك الاصطلاحات التي لا تتعدّى كونها أنظمة حكم وأشكالاً لإدارة المجتمعات.


ويعود منشأ هذا الرفض والقبول الصارمَين الى أنّ معظم الجماعات السياسية السورية هي في كنهها تشكيلات أيديولوجية قائمة على فكرة الولاء والتبعية لمذهب أو دين أو قومية، ولم تتمكن من أن تتحوّل إلى قوى وطنية تعمل للصالح السوري العام.


لم يُخلق حراك سياسي حقيقي في سوريا منذ نحو قرن، فخروج العثمانيين عام 1918، تبعه الانتداب الفرنسي والفترة التي تلت الاستقلال الذي تم عام 1946 كانت حقبة طغت عليها التوترات والانقلابات وحالة من اللااستقرار، وبعد تسلم البعثيين للحكم انتهت الحياة السياسية في سوريا تماماً حتى تفجّر الاحتجاجات السورية عام 2011.


فخلال مئة عام لم تنشأ أحزاب وفضاءات ومنابر وطنية وصحافة محايدة تعكس رؤى الشارع وتطلعات الناس وتخلق حوارات تفضي إلى خلق حالات توافقية في العقل الجمعي للشعب السوري، تشكل أساساً لمشاريع سياسية وطنية شاملة.


وبذلك نشأ عقل جمعي سوري قائم على “نظرية المؤامرةسوريا”، رافض لكل الأفكار التي لا تكون على مقاس ميوله وغدا غير قادر على تناول هذه القضايا بموضوعية وكحلول “حيادية” والبحث فيها من زاوية صلاحيتها للملمة شتات السوريين وانقسامهم مرة أخرى أو عدم جدواها، وكحلول ناجعة أو فاشلة بعيداً عن وصفها بـ”الشر المحض” أو “الخير كله”.


ولا بدّ من حدوث توافق دولي على وضع نهاية ما للصراع السوري، يتم فرضه عبر أدوات تلك الدول وحلفائها من السوريين، لكن ما من حلّ سينجح، وما من استقرار سترسو دعائمه، دون أن يتخلّى السوريون بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم عن نزعة الاستعلاء وإقصاء الآخر وتناول قضايا البشر بسطحية ورفض أي أمر لا يكون على مقاس “المستبد” الذي يعشعش في رؤوسهم.


 


ليفانت – سوار أحمد








 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!