-
شهادة بولتون والسحب النهائي لثقة الكُرد السوريين بالإدارة الأمريكية
يعدّ التاسع من أكتوبر العام 2019، موعد بدء العمليات العسكرية التركية باتجاه مناطق شمال شرق سوريا، التي تتحكم بها قوات سوريا الديمقراطية، والمعروف أنّ الكرد السوريين يمثلون عمودها الفقري، في إطار ما يسمونه بمشروع الخط الثالث للحلّ في سوريا، البعيد عن رؤية المعارضة الممثّلة بالائتلاف الوطني، المقاد بصورة أو بأخرى، من قبل أنقرة وتنظيم الإخوان المسلمين، ورؤية دمشق القائمة على إعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، قبل اندلاع اعمال الحراك الشعبي في العام 2011.
رؤية ثالثة، لا ترضى عنها الرؤيتان الأخريان، وتعملان معاً على وأدها في أرضها، فكانت عفرين المثال الأول الحي لعملية وأد كائن وليد في حاضر سوريا، لم ترى مثله من قبل، من خلال نظام “الإدارة الذاتية”، الذي تمكن من إدارة المنطقة من العام 2012 عملياً، وجنّبها العمليات الحربية بين النظام والمعارضة، قبل أن يتوافق الجانبان بوساطة روسية تركية على الانتقال إلى نظام تبادل المناطق، والتي كانت عفرين ومناطق ريف دمشق ضحية مشتركة للصفقة ذاتها، عبر تسليم جماعات ممولة تركياً لريف دمشق، مقابل انسحاب روسيا من عفرين، وفتح المجال الجوي أمام الطائرات التركية لتخرق الأجواء السورية كما تشاء، فيما أخذ النظام السوري وضعية الصمت المطبق والتصريحات الخلبيّة التي لم تغنِ عن جوع.
وعقبها، في العام التالي، كرّر الأمريكيون فعلة الروس، فعقدوا مع الجانب التركية صفقة أمينة سمية بالآلية الأمنية، فيما أصرّت أنقرة على تسميتها بالمنطقة الأمنة، والتي تم عبرها ردم مختلف التحصينات العسكرية التي بنتها قوات سوريا الديمقراطية على الحدود التركية لحمياتها على مدار سنوات، فأشرف الجيش الأمريكي على ردمها، بناءً على الثقة بالجيش الأمريكي، حليفه في محاربة تنظيم داعش الإرهابي.
لكن العلاقة والحلف القائم بين قسد وواشنطن، لا تبدو أنّها سوى محصورة في محاربة داعش، رغم أنّ الأخيرة تلقّت الإمداد بالمسلحين والدعم عبر الأراضي التركية، وفق معظم التقارير الدولية، فيما كان الكُرد السوريون يفترضون أنّ واشنطن حليفتهم، وأنّها لن تخيب ظنهم كما فعلت روسيا، التي أضرّت بهم في عفرين نتيجة علاقتهم (الكُرد) مع واشنطن، ليأتي الرد الأمريكي معاكساً للرغبة الكُردية.
الهجوم على شمال سوريا
إذاً، عمد الأمريكيون إلى سحب جيشهم من منطقتين هامتين من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، في شمال البلاد، هما، “رأس العين” التي تسمى كردياً بـ”سريه كانيه”، و”تل أبيض” المسماة كردياً بـ”كري سبي”، وعقبها بيومين فقط، بدأ الهجوم التركي بالقصف الجوي على المنطقتين، في التاسع من أكتوبر 2019، ليفرّ منهما أكثر من 300 ألف سوري من مختلف مكونات المنطقتين، ويبدأ معها الساسة والقادة، في شمال سوريا، ضرب أخماسهم بأسداسهم، طارقين جميع الأبواب الغربية والأمريكية لوقف الهجوم التركي، الذي تواصل تسعة أيام، قبل أن يتم وقفه بعد زيارة نائب ترامب إلى أمريكا إلى أنقرة، والذي تضمن شروطاً أبرزها انسحاب “قسد” بعمق 30 كم داخل الأراضي السورية.
ومنها بدأ الكرد السوريون بالاستفسار عن حقيقة المصلحة والعلاقة الأمريكية مع المناطق التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يبدو أنّ جون بولتون قد أجاب عنه في كتابه الأخير، حيث تطرّق له الكاتب “إلهان تانير” بمقال تحت عنوان “بولتون: المبعوث الأميركي إلى سوريا أردوغاني مناهض للأكراد” اليوم الثلاثاء، في صحيفة أحوال تركية، وجاء فيه، أنّ جون بولتون يعتبر أنّ “جيمس جيفري” مسؤول مؤيد لأردوغان ومناهض للأكراد، بعد أن شغل منصب سفير الولايات المتحدة إلى تركيا من 2008 إلى 2010.
ويرى بولتون في كتابه، أنّ جيفري وفريقه، أميركيون يعملون من وجهة نظر تركية، وقد أصبحت تقود مصالحهم وتحثّهم على الدفاع عن تصرفات حكومة أردوغان، ووفقا لرواية بولتون، قبل أن يجتمع الوفد الأميركي بالوفد التركي في أنقرة يناير 2019، قدّم جيفري “خريطة ملونة لشمال شرق سوريا، تظهر أجزاء اقترح السماح لتركيا بأخذها وما يمكن أن يحتفظ الأكراد به”.
ويشير بولتون، إلى أنّ رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية المتقاعد، الجنرال جوزيف دانفورد، “لم يعجبه ما أظهرته الخريطة”، وأخبر دانفورد، مستشار الأمن القومي، أن موقفه يتجلّى في “إبقاء الأتراك بالكامل على الجانب الآخر من الحدود مع سوريا، شرق نهر الفرات”، وكتب بولتون: “في هذه المرحلة، انضم جيفري إلينا أخيراً، وراجعنا مسودة بيان المبادئ المشترك التي يمكن أن نقدمها للأتراك، أضفت جملة جديدة لتوضيح أنّنا لا نريد أن نرى إساءة معاملة الأكراد لإظهار أنّنا لا نقبل بوجود تركي عسكري أو غيره، في شمال شرق سوريا، وافق دانفورد وجيفري على المسودة”.
ومع ذلك، وبعد تسعة أشهر من تقديم جيفري للخريطة، تبنى موقفاً مختلفاً في أغسطس 2019، في غرفة الصحافة بوزارة الخارجية، حيث قال جيفري، بعد سؤال حول إمكانية غزو تركي: “إنّه لم تكن هناك محادثات مع الأتراك بشأن حماية الأكراد، أو وقف الغزو، لأنّنا لا نرى غزواً”، وبعد شهرين فقط، دخلت القوات التركية شمال شرق سوريا، واستولت على منطقة واسعة منه.
وذكر المقال، بأنّ جيفري كان أحد المسؤولين الأميركيين الذين أشرفوا على “الآلية الأمنية” لإنشاء منطقة آمنة بين الحدود التركية والمنطقة السورية، التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، للمساعدة في إقناع الأكراد السوريين بإزالة التحصينات، التي تهدف إلى إيقاف مثل هذه العملية.
التبريرات الأمريكية غير المقنعة
ويتابع الكاتب “إلهان تانير”: “إنّ هؤلاء المسؤولين (جيفري) يرون، في تصوير أنفسهم كمؤيدين لأردوغان، تحقيقاً لمصلحة الولايات المتحدة، وبذلك، نراهم على استعداد للتخلي عن الأكراد السوريين أو تجاهل الانتهاكات الخطيرة التي تطال حقوق الإنسان في تركيا”، متابعاً: “ويمكن قول الشيء نفسه عن سياسات حزب العدالة والتنمية في ليبيا، حيث تغيب الولايات المتحدة، في حين يدفع تدخل تركيا إلى تقليص توسع روسيا”.
ورغم أنّ الكُرد السوريين مدركون أنّ الولايات المتحدة الأمريكية ليست جمعية خيرية، لكن في الوقت عينه لربما لم يتخيّلوا أن يتم التنازل عن التحالف معهم بتلك البساطة، لتصبح معها التصورات القائلة بأنّ مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، الذي أعلنت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية، كونداليز رايس، في العام 2005، لإعادة تشكيل خارطة المنطقة عبر تطبيق نظرية “الفوضى الخلاقة”، التي يبدو أنّها وجدت ضالتها فيما سمي بـ”الربيع العربي”، عبر اعتماد الوكيل التركي لحماية إسرائيل، من خلال السيطرة على بلدان الإقليم من خلال جماعات الإسلام السياسي، الممثل بتنظيم الإخوان المسلمين، قريبة جداً من الحقيقة، وهي فيما لو كانت صحيحة، وتبدو كذلك، في سوريا وليبيا، فلن تجلب لشعوب المنطقة كرداً وعرباً وغيرهم، إلا مزيداً من الموت الآثم، باسم الديمقراطية والتحرّر، وبرعاية أمريكية مباشرة.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!