الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
شعوب ثورات الربيع تختار الفيدرالية
صلاح بدر الدين


من المعلوم والملفت حقاً أنّ جميع البلدان التي وصلتها موجة الثورات الربيعية، إما متعددة الأقوام (ليبيا – تونس – الجزائر)، أوالأديان (مصر)، أوالمذاهب (اليمن)، أو الثلاثة معاً (سوريا – السودان)، وكانت شعوبها تعاني إلى جانب الدكتاتورية والاستبداد وتسلط الحزب الواحد وهمجيّة الإسلام السياسي والقمع، وفي معظم الأحوال إرهاب الدولة، التميز بين المكونات واضطهاد الأقوام وطمس الثقافات وممارسة تغيير التركيب الديموغرافي والتمثلية القومية والتهجير القسري للسكان والحرمان لأسباب قومية ودينية ومذهبية. الفيدرالية


وقد كشفت تلك الثورات التي شاركت فيها كل الأطياف المطالبة بالحرية والكرامة عن المستور، وأزاحت الغطاء عن حقيقة ما كانت تعانيه القوميات والفئات الأقل عدداً والمغلوبة على أمرها من ظلم، وكذلك أتباع بعض الديانات والمذاهب في ظلّ السائد الحاكم في تلك البلدان، حتى إنّ العديد من الأقوام كانت بطي الكتمان، يتم التعتيم على وجودها وغير معترف بها دستورياً وقانونياً ووجوداً وحقوقاً، في ظل السياسات الرسمية المتبعة والنظم الشمولية الحاكمة.


وبعد نشوب ماعرفت بثورات الربيع (بعضها اندلعت بأشهر أخرى) أصبح من المعلوم والواضح أنّ هناك في سوريا، مثلاً، عرباً وكرداً وتركماناً وأدياناً ومذاهب وثقافات مختلفة، وتفاجأ البعض، بل قال الكثيرون إنّهم لم يكونوا ليعلموا ذلك قبل الثورة، وأنّ في السودان عرباً وأكثر من خمسة قوميات أخرى رئيسة، إضافة إلى عشرات الإثنيات، وهناك مسلمون ومسيحيون وديانات وعقائد قديمة، وأنّ في ليبيا عرب وأمازيغ وأتراك ومجموعات من أصول كردية (قبيلة الهماون) وأقاليم لها خصوصياتها، وفي اليمن هناك سنة وشيعة وأقاليم ذات خصوصيات، وما زالت فيها جماعات كردية من سلالة الأيوبيين يسكنون بلدة (بني سعد) القريبة من عدن “وقد وزرتها ضمن برنامج زيارتي برفقة بروتوكول الرئاسة، عندما حللتُ ضيفاً على الحزب الاشتراكي الحاكم في اليمن الجنوبي عام ١٩٩٠”.


أجمعت تلك الثورات، أو بتعبير أدق القوى الفاعلة الجادة في شعاراتها، على تحقيق الديموقراطية والتغيير والخلاص من الاستبداد والمساواة بين المكونات، كما طرحت القضايا المتشابكة على بساط البحث بكل صراحة ووضوح من أجل إيجاد الحلول اللازمة لها، بما فيها قضايا القوميات غير العربية، وذلك جنباً إلى جنب المسائل الاقتصادية والاجتماعية ومواضيع النظم السياسية المستقبلية والعقود الاجتماعية الجديدة بين المكونات والدساتير المناسبة الضامنة، ونحن في سوريا أيضاً وبجميع أطيافنا المعارضة، منخرطون في المناقشات وطرح المشاريع والبرامج عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بغية التوافق على حلول مناسبة لقضايانا التي خلفتها لعقود من الاستبداد .


لم تسرِ عملية إعادة النظر في الواقع القائم ومواجهة حقيقة وجود مكونات قومية غير عربية في بعض البلدان الثائرة على خط مستقيم، وكمثال سوريا والجزائر، ففي بلادنا اخترقت تنسيقيات الشباب بداية الانتفاضة السورية (المحرمات الرسمية) عندما رفعت شعارات في (كفر نبل ودرعا وحمص وريف حلب وأماكن أخرى) تحيي الشراكة العربية الكردية، وعندما قررت اعتبار اسم احدى أيام الجمع (جمعة أزادي)، ولكن بالمقابل كانت القوى التقليدية المهيمنة على المعارضة حذرة ومترددة للانفتاح على الكرد وتبني قضاياهم، ومازالت الخلافات قائمة معها حول وجود الكرد وحقوقهم ومشاركتهم بالقرار والسلطة والثروة، وفي الجزائر ما زال شبان (أمازيغييون) من الثوار قيد الاعتقال، لأنّهم رفعوا العلم الأمازيغي إلى جانب العلم الجزائري في المظاهرات الاحتجاجية ضد نظام بوتفليقة البائد.


الحلول الفدرالية بليبيا والسودان واليمن


*المسار الليبي


تضمنت المبادرة المصرية الرؤية الأوضح لحل الأزمة بليبيا، والتي طرحت بحضور ومباركة ممثلي البرلمان المنتخب والجيش الوطني الليبي، وهي وبحسب مراقبين إذا ما أُريد لليبيا أن تحافظ على وحدة أراضيها، فعلى الجميع الانتباه جيداً إلى أنّها تنقسم إلى ثلاثة أقاليم، وهي إقليم طرابلس الذي تسيطر عليه حكومة الوفاق ومن يقاتل معها من الميليشيات، و(إقليم برقة) في الشرق بحماية الجيش الوطني ومركزه بنغازي، وإقليم فزان في الجنوب المنفتح على أفريقيا.


لا شك أنّ تلك الأقاليم مختلفة ومتباينة في تكوينها، ولا روابط قوية تجمع فيما بينها، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة تأسيس دولة حقيقية فيدرالية موحدة، بدستور جديد، وبتمثيل يتناسب مع حجم ووضع كل إقليم.


*المسارالسوداني



حيث تم الاتفاق بداية الشهر الجاري في “جوبا”، عاصمة جنوب السودان، الذي استقلّ أيضاً عن الخرطوم قبل أعوام، وتلخصت أبرز بنود الاتفاق في وقف الحرب وجبر الضرر واحترام التعدّد الديني والثقافي والتمييز الإيجابي لمناطق الحرب، وهي دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.


وتضمنت بنود تقاسم السلطة تمكين المناطق المتضررة من الاستفادة الكاملة من نحو 40 في المئة من عوائد الضرائب والموارد والثروات المحلية، في حين تذهب نسبة الـ60 في المئة المتبقية للخزينة المركزية.


ونصّ الاتفاق كذلك على منح منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان صيغة حكم ذاتي (قريب من الفدرالية)، حددت من خلالها اختصاصات السلطات المحلية والفيدرالية.


*المسار اليمني


قبل عدة أعوام قرر المؤتمر الوطني اليمني الذي شارك فيه معظم الأطياف وبمشاركة جامعة الدول العربية على أن يكون نظام الحكم فيدرالياً، وتتشكل ستة أقاليم بدل المحافظات وهي: إقليم أزال– إقليم الجند– إقليم تهامة– إقليم حضرموت– إقليم سبأ– إقليم عدن، وتكون صنعاء العاصمة الاتحادية.


عندما نعلم أنّ أنهاراً من الدماء أريقت وتدمرت مدناً ومناطق بأكملها وتوقفت شرايين الحياة لأعوام حتى تمكّنت الأطراف المعنية بتلك الدول من طرح صيغ للحل، قد تطبق وقد تواجه صعوبات وعراقيل، ولكن مهما حصل فإنّ الحلول المطروحة موضوعية وعادلة وصالحة لمستقبل الشعوب، ومن شأنها وقف حمام الدم وتحقيق المصالحة الوطنية ووضع أسس جديدة لوحدة البلدان وعيش شعوبها المشتركة في سلام ووئام.


لاشك أنّنا، نحن السوريين، بأمسّ الحاجة إلى التفاهم والتوافق والمصالحة الوطنية الشاملة على صيغ مناسبة تؤسس للعيش المشترك بين كل المكونات، وإلى عقد اجتماعي سياسي يحدّد الحقوق والواجبات لجميع المكونات القومية، خصوصاً، والاجتماعية، عامة. ومما يجلب الانتباه أنّ البعض من السوريين لم يتصوروا أنّ دولاً وشعوباً أخرى كانت تمرّ بظروف أصعب من الحالة السورية، مثل ليبيا والسودان واليمن، تسبقنا في الاتفاق والتوصل إلى صيغ ودساتير توافقية، مما يجعلنا نبارك لهم من الأعماق، وأن نحاول الاستفادة من تجاربهم في عملية المصالحة والسلام. الفيدرالية


تلك البلدان الثلاثة، مثل سوريا، متعددة الأقوام والديانات والمذاهب، ونشبت فيها ثورات الربيع، وتعاني من مخاطر الإسلام السياسي، ولكنها تختلف عن بلادنا بثلاثة مسائل: الأولى، لم يحكمها حزب البعث، والثانية، جيوشها الوطنية لم تكن طائفية وحزبية وعقائدية، والثالثة، ليست محتلة مثل سوريا من جانب جيوش أربع دول، اثنان لهما حق الفيتو بهيئة الأمم، وواحدة عضو بالناتو، وأخرى زعيمة الشيعية السياسية ومحور المقاومة (اللفظية)، ولذلك وكما أرى، فإنّ إمكانيات طرح الحلول والتحاور حولها وتطبيقها ستكون أسهل مما هو الحال عليه في بلادنا.


وعودة إلى الخيار الفيدرالي الذي أجمعت عليه المسارات الثلاثة، فلست مع نقل تلك التجارب لتطبيقها في بلادنا، فلكل بلد خصوصيته وظروفه وأبعاده التاريخية والجغرافية، ولكن من دون شك، فإنّ ذلك الخيار (الفيدرالي) أثبت نجاعته في بلدان أخرى، في آسيا وأوروبا، وهو النظام الذي يرسّخ وحدة الشعوب والبلدان على أسس ثابتة، لأنّه يعتمد على الاختيار الحر للشعوب المعنية دون إكراه، ونحن بسوريا نحتاج إلى المكاشفة ومناقشة كل المشاريع والمقترحات والصيغ عبر المؤسسات الديموقراطية الشرعية التي تنبثق عن المؤتمر الوطني السوري الجامع المنشود. الفيدرالية


ليفانت – صلاح بدر الدين 








 




كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!