الوضع المظلم
الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
سيرة الحجاب من رضا بهلوي إلى إبراهيم رئيسي
عمار ديوب

أراد الشاه رضا بهلوي، أن يقطع صلته بالتخلف، فأعلن "يوم حرية المرأة"، في 1936، وأطلق حملة من أجل نزع الحجاب، وبالتالي أصبح النزع "الإلزامي" هوية لدولته "العلمانية" حينها. لم يتأخر الخميني أبداً، ففي الأسبوع الأول من الثورة الإسلامية، فَرض الحجاب الإلزامي في 7 أذار 1979، ولكن الرفض الواسع للقانون هذا، جعله يتدرج في تطبيقه، وفي 1983، كان الحجاب قد فُرض على الموظفات أولاً، والمُراجِعات لدوائر الدولة ثانياً، ثم الطالبات الجامعيات، وبعدها على كافة نساء إيران، ومن كل المذاهب الدينية، وبدءاً من عمر التاسعة؛ كأنّ أيّة الله الخميني انتقم بذلك من الشاه، وبذلك أصبح حجاب المرأة هوية للدولة الإسلامية.

لم تتقبل المرأة الإيرانية ذلك القانون، وأثير الكثير من النقاشات الفقهية، والاجتماعية والثقافية، ولم يكن الأمر محدّداً بفئة علمانية أو حركة نسائية. لا، كان الأمر يتعلق برفضٍ مجتمعي واسع، وبرفض تيار من الفقهاء لفكرة الإلزام من أصلها، ولهذا وجدنا تقييداً لتفعيل القانون حينما حكم الإصلاحيون. بدءاً من 2014 ارتفعت حدّة الرفض لقانون الإلزام هذا، ولعبت الصحافية "مسيح علي نجاد" دوراً في ذلك، وأطلقت حينها حركة احتجاجية واسعة، وجاهرت النساء بنزع الحجاب ورفض سلطة ولي الفقيه، أي إن الموضوع سياسي بامتياز. عانت النساء بشكلٍ موسع تحت حكم الرئيس محمود نجاد، ودخلت آلاف النساء إلى السجون بسبب عدم التقيّد بقانون الحجاب الإلزامي.

كان للمرأة دور كبير في الاحتجاجات التي توسعت بعد 2017، وكانت لأسباب اقتصادية واجتماعية وقومية، وهذا ما لم يرق أبداً للنخبة الحاكمة المحافظة، و"شعب" الحرس الثوري. إن وصول إبراهيم رئيسي للرئاسة، 2021، كان بسبب إبعاد كافة المرشحين الإصلاحيين الأقوياء، وهو بذلك أسّس لأزمة سياسية تتعلق بغياب النزاهة بالانتخابات، وهي قضية لم تُغلق في إيران منذ الثورة الخضراء في 2009، والتي ادّعى الإصلاحيون أنّها زُوِرت، ووضِع منذ حينه مير حسين موسوي ومهدي كروبي قيد الإقامة الجبرية، وكانا أبرز المرشحين للانتخابات حينها، وأبرز قادة تلك الثورة.

لقد وصل رئيسي للرئاسة بأسوأ مرحلة تمر بها إيران، حيث الأزمة الاقتصادية والاجتماعية عنيفة، وهناك أزمة العلاقات الدولية الخاصة بالاتفاق النووي، ومسألة العقوبات، وهناك أزمة ما بعد علي خامنئي، ورئيسي نفسه مرشح لولاية الفقيه أو مجتبى، ابن خامنئي، وآخرين بالطبع. رئيسي ممثلاً للاتجاه المحافظ، وللحرس الثوري، وبالتالي عمل على إطلاق حملة جديدة لتطبيق الحجاب الإلزامي في 15 أب الماضي، بمناسبة اليوم الوطني "للحجاب والعفة". مؤسسة شرطة الإرشاد والأخلاق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، راحت تتشدّد في تطبيق القانون وتتفنن بكل أشكال الملاحقة للنساء، والفتيات، وشعرن بفزعٍ شديد، حيث احتُجزت الآلاف وخضعن في الشوارع للتفتيش عن الحجاب والميكاج وطول البنطال وسواه، وتعرضن لإهانات شديدة الوقاحة.

الأزمات المعقدة أعلاه لم تدفع نظام ولي الفقيه لمراجعتها، والتخفيف من حدّتها، وعدم افتعال مشكلات هو بغنى عنها تماماً. في منتصف أيلول، سبتمبر الجاري، قُتلت الفتاة مهسا أميني، وانفجر الوضع في إيران، قتلتها شرطة الإرشاد. وفي أيامنا هذه توسعت الانتفاضة لتشمل أكثر من ثمانين مدينة، ورفعت شعارات تنادي بإسقاط ولي الفقيه، ورحيل النظام. قوّة الانتفاضة الحالية، وإن كانت شرارتها، مقتل الفتاة، فقد تجاوزت البعد المطلبي أو الحركة النسائية أو القومية باعتبار مهسا كردية، وانتفضت قطاعات مجتمعية واسعة، وشاركت فئات من الأغنياء فيها، وكذلك من البازار، وحتى فئات من النظام، وبالتأكيد وقفت تيارات من الاتجاه الإصلاحي مع الانتفاضة ورفضت كافة تصريحات النظام الإيراني بأنها مؤامرة عالمية وفتنة، واعتماد الاعتقال والعنف والقتل للمتظاهرين.

هي انتفاضة شاملة للكثير من طبقات المجتمع الإيراني وقومياته، وتستند إلى وضع اقتصادي منهار بالكامل، وهي بذلك تؤسس فعلياً لمرحلة جديدة في مواجهة النظام الحاكم، والذي، وبتعثر الاتفاق النووي، سيشهد المزيد من الاختناق والاحتقان، حيث ستظل العقوبات مفروضة عليه، ويشكل انحيازه للصين وروسيا سبباً إضافياً في التضييق عليه.

مع انتخاب رئيسي رئيساً، فقد النظام الكثير من شعبيته وحاضنته الاجتماعية. إن النخبة الحاكمة، ومؤسسة المرشد والحرس الثوري تطالها تهم الفساد بشكل كبير، ولا سيما مجتبى ابن المرشد، وهذه أسباب إضافية للقول إن المجتمع الإيراني أصبح على عتبة ثورة جديدة؛ فإذا كانت الثورة الإيرانية قد اجتثت منظومة حكم الشاه، وأرست منظومة جديدة، وبالضد من تيارات كثيرة في الثورة ذاتها، فإنّها كذلك احتجزت الشعب الإيراني في إطار منظومة أصبحت قديمة للغاية، ولم تكن منذ 1979 هي المرادة من الشعب، حيث كانت الغاية الوصول إلى نظام أكثر عدلاً وديمقراطية ومساواة وأقل تبعية، فإذا بالثورة الإسلامية تشيد نظاماً إسلامياً، وإفقارياً بامتياز، و"ديمقراطيته" لا تتخطى أنظمة مجمع تشخيص مصلحة النظام، ومؤسسة ولي الفقيه ومؤسسات أخرى من العيار ذاته.

إن الانتفاضة الجديدة، تريد طي صفحة النظام الإسلامي. المشكلة الراهنة الآن، إن الانتفاضة لا تتبنى رؤية وطنية شاملة، تتضمن برامج دقيقة حول مشكلات إيران الحالية، والتي بالتأكيد لا تبتغي نزع الحجاب، أو أنّها ضد الدين الإسلامي، كما يزعم النظام الحالي. مشكلات إيران عميقة، وشاملة لكل مستويات المجتمع، وهناك الانقسام القومي أيضاً. مشكلة إيران الآن أن النظام الحالي لا يمتلك رؤية للإصلاح، كما هي الأنظمة العربية أواخر 2010، وقد بدأ بالقمع التدريجي وإنزال جمهوره للشارع، وبهدف التشويش على فكرة إجماع أغلبية الإيرانيين على الانتفاضة، وضرورة أن يلاقيها النظام بإصلاحيات كبيرة، تطال أوجه النظام الأساسية، وبالتالي، إن الأوضاع الحالية تسير نحو المزيد من القمع والقتل والانقسام القومي، ومغادرة أقسام جديدة من النظام أو الموالين له.

إن حقوق المرأة لا تصان عبر نزع الحجاب أو عبر الحجاب الإلزامي، ولا عبر التبعية لأمريكا، كما في زمن الشاهنشاهية، ولا عبر رفع الشعارات المعادية لأمريكا. إن الشعب الإيراني يريد نظاماً جديداً، يصون حقوقه، ومنها حقوق المرأة في المساواة، وإشادة تنمية تحدّث وتطوّر مختلف جوانب المجتمع، وإنهاء مهزلة تصدير الثورة وتطييف المنطقة، وتخريب المجتمعات العربية، والتصالح معها.

قد يتمكن النظام الإيراني من قمع الانتفاضة الحالية، ولكنه لن يتمكن من تغيير الواقع المتأزم، وهذا يعني إن مسار الانتفاضات الكبيرة منذ 2017 لن يتوقف، وسيكون النظام مضطراً إمّا للاستجابة لمطالب الشعب، وإمّا فهناك الأهلية والقومية، وربما لحربٍ إقليمية كذلك؛ فالأوضاع هناك بحالة تأزمٍ كبير، وقد تخرج عن السيطرة.

 

ليفانت - عمّار ديّوب

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!