الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • سياسة أردوغان على خطوط الصدع العرقيٍة والدينية في البلقان

سياسة أردوغان على خطوط الصدع العرقيٍة والدينية في البلقان
أنس ماماش 

أردوغان الذي يسعى إلى إقامة دولة عثمانية جديدة على أساس أيديولوجية الإخوان المسلمين، يقوم بمبادرات اقتصادية واجتماعية وثقافية لزيادة تأثيره على السكان المسلمين في البلقان.


كما نعلم، نتيجة للتهديدات التي أطلقها الاتحاد السوفيتي باحتلال تركيا، أصبحت تركيا عضوة رسمية في حلف الناتو عام 1952، فجمهورية تركيا كان لها أهمية كبيرة في فترة الاتحاد السوفيتي لأنّها كانت تشكل منطقة عازلة بين دول الغرب والسوفيت، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي رسمياً في عام 1991 شهدت السياسة الخارجية التركية انكماشاً واضحاً، بحيث لم يبقَ لها أي أهمية لدى الغرب.


وبسبب تهديدات السوفيت المستمرة لتركيا، آنذاك، كانت دول الغرب تقوم بتنازلاتٍ كثيرة لها، وبعد تفكك وانهيارالاتحاد السوفيتي لم تكن تركيا قادرة على التحرّك بشكل مستقل على مستوى سياستها الخارجية، ولم تستطع أن تتكيّف مع التوازنات العالمية المتغيرة بشكلٍ سريع، ونتيجة اختناقها في السياسة الخارجية بدأت تركيا تصارع الأزمات الاقتصادية من الداخل أيضاً، مما أجبرها على اتخاذ شكلٍ جديد لسياساتها الخارجية، وفقاً للنظام العالمي الجديد، فحوّلت أنقرة طريقها إلى الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان، فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية AKp)) إلى سدّة الحكم، بدأت رؤية السياسة الخارجية الجديدة في تركيا بالتبلور من خلال اتخاذها طريقاً عدوانياً وتوسعياً.


فحكومة حزب العدالة التي روّجت لـ(سياسة صفر المشاكل مع دول الجوار)، قُبيل وصولها للسلطة أول مرة، اتخذت بعدها خطاً جديداً، حيث كشفت النقاب عن الرؤية الجديدة لسياسة أردوغان التوسعية الخارجية من خلال التصريح الذي أدلى به وزير خارجيتها، أحمد داؤد أوغلو، آنذاك، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قائلاً: <نحن، العالم التركي والعربي، نريد مركبة محملة بالبضائع تنطلق من قارص إلى المغرب وموريتانيا، ومن سينوب إلى جنوب السودان والإكوادور، ومن مضيق البوسفور إلى خليج عدن حزاماً أمنياً واقتصادياً متكاملاً، نريد تحويل المنطقة إلى منطقة تكامل ورفاهية كبيرة يتّخذها العالم كمثال يحتذى به، ونتوقع تحريراً كاملاً بالمعنى الأوسع في الجغرافية التي ذكرناها>.


تركيا نتيجةً لسياستها الخارجية ابتعدت تدريجياً عن دول الغرب، ولكن في الحقبة الجديدة تريد أنقرة أن تعيش حالة (فليرت) مع روسيا والصين، على أمل أن تستعيد المجد السوفيتي السابق من جهة، وأن تحصل على تنازلاتٍ معينة من دول الغرب لتحقيق أحلامها العثمانية الجديدة من جهة أخرى.


تركيا برئاسة أردوغان القائمة على أيديولوجية الإخوان المسلمين، التي تخطّط لبناء إمبراطورية عثمانية في الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز، حيث تولي البلقان اهتماماً كبيراً معتبرة إياها جزءاً من الإمبراطورية العثمانية.


ففي عام 2013 قام أردوغان بزيارة جمهورية كوسفو ذات الاعتراف العالمي المحدود، حيث صرّح :<< تركيا هي كوسفو وكوسفو هي تركيا >>. تصريح أردوغان هذا الذي كشف عن نوياه الحقيقية أزعج جمهورية صربيا بشكلٍ كبير، حيث تعتبر صربيا كوسفو جزءاً من أراضيها.


كان تصريح أردوغان يهدف إلى إشعال الفتيل في البلقان وتغيير التوازنات من خلال الغالبية المسلمة، ففي أواخر الثمانينات وبعد انهيار يوغوسلافيا، أصبحت منطقة البلقان ذات الخطوط العرقية والدينية الغاية في القوة، مسرحاً لحروبٍ دامية استمرّت قرابة 20 عاماً، وبالتالي رأى حزب العدالة والتنمية نفسه راعياً للسكان المسلمين هناك، محاولا التشبث بالمنطقة من خلال خطوط الصدع العرقية والدينية، فمنطقة البلقان التي تقاوم المشاكل المزمنة لها أهمية جيواستراتيجية لدى تركيا.


بلقان القصبة الهوائية لتركيا


كما هو معروف أنّ منطقة تراقيا الموجودة في شرق تركيا، هي امتداد لجغرافية البلقان وعلى هذا الأساس تعتبر تركيا نفسها دولة بلقانية، فالبلقان هي الممر الواصل بين تركيا وأوربا، حيث تتم العمليات التجارية التركية مع الدول الأوربية من خلالها، هذه المنطقة حيوية أيضاً في نقل الطاقة، لذا يمكن تسميتها بالقصبة الهوائية لتركيا، لهذا نجد أنّ تأثير تركيا في البلقان له أهمية كبيرة، فكل الاستثمارات التجارية التي توظّفها أنقرة هناك ليست فقط لغرض التجارة، إنما لأغراض سياسية معينة، فالمنطقة تُعتبر لوحة فسيفساء لاحتوائها مختلف الأعراق والثقافات، لذا سعت تركيا جاهدة إلى اجتثاث البنية الاجتماعية للمنطقة، وازداد سعيها بعد استلام حزب العدالة والتنمية السلطة.


منطقة (سينجاك) وأهميتها لأنقرة


لكي يحقق حزب العدالة أحلامه العثمانية الجديدة، يقوم بعدة محاولات لإبقاء المسلمين في منطقة (سينجاك) الصربية، فبعد أن سهل الاتحاد الأوربي معاملات الإقامة وتصاريح العمل للمواطنين الصرب، ونتيجة للمشاكل الاقتصادية التي يعيشها سكان سينجاك، بدأت المنطقة تشهد موجات الهجرة على أمل حياة جديدة، لذا وجدت تركيا نفسها مجبرة على اتخاذ التدابيرالجديدة للحدّ من مسألة الهجرة لإبقائهم في المنطقة من خلال فتح شركات استثمارية وإنشاء طريق سريع جديد بينها وبين صربيا.


فتركيا مهتمة بالبنية الديمغرافية للمنطقة لذا نجد أردوغان الذي لا يخجل من آنٍ لآخرعلى الإدلاء بتصريحات التي قد تنشط الانقسامات العرقية والدينية في المناطق التي يقطنها المسلمون، فهذا السبب وراء اهتمامه الخاص بمنطقة (سينجاك) ذات الغالبية المسلمة، الواقعة في جنوب صربيا، ففي حال حدوث تغييرفي الهيكل الديموغرافي هناك فيمكن أن يقوّض قوة تركيا في المنطقة.


لهذا قامت تركيا بإرسال المساعدات الطبية للمناطق التي يقطنها المسلمون بعد تفشّي فيروز كورونا، للحدّ من هجرة سكان تلك المناطق إلى أوربا، فوجود أكثر من 800 شركة تركية في صربيا والاهتمام الخاص بمنطقة سينجاك ليست إلا محاولة تركية للتغلب على صربيا داخلياً، فعلى سبيل المثال، في السنوات الأخيرة، تركيا ومن خلال وكالة (التعاون والتمنية الدولية التركية) واختصارها (TIKA) التي تنفق مليارات الدولارات، تقوم بتنقيذ نشطات في البلقان حيث تم الإعلان بشكل علني عن أنشطتها الآتية:


45.5% في مجالات الصحة

20.49% الإداري والمجتمع المدني

15.81% التعليم

14.78% التعاون الثقافي والترميم

3.45% ماء وصحة المياه


تُظهر هذه المعدلات أنّ النهج الاستراتيجي لتركيا في منطقة البلقان قد استقرّ في البنى التحتية للمنطقة، حيث خطوط الصدع العرقي والديني القوي للغاية، الممر الذي يربط أوربا بآسيا والشرق الأوسط هو مركز اهتمام العديد من دول العالم، فخطط أردوغان العثمانيّة الجديدة المبنية على أيديولوجية الإخوان المسلمين تهدّد بتعبئة تلك الصدوع، وإنّ عدم الاستقرار الذي قد يحدث في المنطقة سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي بأسره، فتركيا تريد تغيير كل شيء لأجل مصلحتها، فهي تحاول السيطرة على طرق الطاقة من خلال فرض الهيمنة على البلقان.



ليفانت - أنس ماماش 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!