الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
سوريا على مفترق طرق كثيرة.. أحلاها مرّ
فتح الله حسيني

تصنّف الأزمة السورية الطويلة والمدمرة على أنّها أكبر مأساة في القرن الجديد، وباتت تقترب من الحرب الأهلية اللبنانية من حيث طول أمدها، كنزاح مسلّح، حيث امتدّت الحرب الأهلية اللبنانية على مدى خمسة عشر عاماً، دون أن يكون لأطراف النزاع الداخلية أية مبادرة للحل أو تسوية لعودة الهدوء وإيقاف نيران الحرب الطاحنة، وما تفرّعت عنها من مأساة إنسانيّة كبيرة.


وما زال لبنان يعيش آثارها، وعند حدوث أي شرخ جديد تعود أخبار الحرب إلى الواجهة، نظراً للمحاصصة الطائفية الطاغية، وهذا ما تسير عليه سوريا الآن في هذه المرحلة الأخيرة، ربما، من الحرب الكارثية.


إذا أمعنا في ظروف الحرب السورية، فإنّها لا تختلف عن اللبنانية إلا بفوارق بسيطة، وهي أنّ هنالك مبادرة حقيقية للتسوية وعودة الهدوء، أو الدخول إلى مفاصل الحل السياسي الذي يأمله السوري، سواء في الداخل أو الخارج، قسراً، إذ إنّ الدخول في مفاوضات جادة ومسؤولة بين الأطراف المتنازعة أو الأطراف التي حمت مناطق نفوذها، سيكون المدخل الحقيقي لرسم خارطة الحل السياسي، بعيداً عن اللعب على أوتار الطائفية، وهنا لا بد من التقرّب بوضع البلاد بروح المسؤولية الوطنية الكاملة لا بروح الأنانية والتسلّط المفرط.


بعيداً عن الأجندات الخارجية، فإنّ الحل يتطلّب التقارب الداخلي أولاً، ومن ثم الخروج بتوصيات من شأنها إعادة البلاد إلى مرحلة الهدوء لا العودة إلى مرحلة تسلّط الحزب الواحد، ومن شأن تلك التوصيات الالتزام الكلي حيال تنفيذ متطلبات الأطراف الأساسية التي تستطيع رسم خارطة طريق، وهما نظام الأسد، من ورائه موسكو، والإدارة الذاتية الكردية، ومن ورائها واشنطن.


لم يعد الوضع الاقتصادي السيّىء وتدهور الليرة السورية يجدان قبولية لدى شرائح المجتمع السوري، من دمشق إلى قامشلو إلى درعا وإلى السويداء، الأعين تترقّب الهدوء والاستقرار، وفي الطرف الآخر هناك أطراف تؤجّج نار الحرب، واذا أردنا وقف ذلك الصراع اللامشروع من لدن أمراء الحرب، فلا بد من تسوية بين طرفين قويين لتمكين المجتمع المفكك من المصالحة مع نفسه، ووقف هذا النزيف الإنساني المتدفّق من سوريا إلى خارجها، ويزداد يوماً إثر آخر.


طروحات المبادرة كثيرة، أولها، الارتكاز على أهمية دعم وتقوية السلم الأهلي في المناطق شبه الآمنة، كمناطق الإدارة الذاتية، ورفد مناطق النظام السوري، لوجستياً، بما يدعم اقتصاد العاصمة، كمنطقة لها مقيموها المختلفون من عموم خارطة البلاد. وثانيها، التخلّص من روح الغرور التي تمسك به النظام حتى وصلت البلاد إلى هذه الحالة المريعة من حالات النزوح والتهجير والموت، والقبول بالمبادرة الكردية، وثالثها، تخلص بعض أطراف النزاع من الأجندات الإقليمية والعودة إلى مطلب الديمقراطية والحرية والعدالة لا مطلب كرسي السلطة فسحب، وكل ذلك من شأنه رسم ملامح الحل وفق مخرجات سورية داخلية لا مخرجات خارجية، كان لها الدور الأكبر في وصول الحالة السورية إلى حالة كارثة سياسية وإنسانية، على حد سواء.


إذاً، سوريا الآن على مفترق طرق كثيرة، أحلاها مرّ، لأنّ إطالة عمر الأزمة كان السبب الأساس في عدم الوصول إلى صيغ توافقية، نظراً لتبعية أغلبية أطراف النزاع إلى جهات خارجية والنظر إلى الآخر بعين المتمسّك بخيوط مؤامرة خطرة على البلاد، وذلك كان أول أسباب استفحال الأزمة وتطويعها لصالح العسكرتاريا، وإنهاك العباد بحروب ومعارك لا طائل منها.


في أسوأ الأحول، نحن حيال بلاد ممزقة، ولا ملامح للحل ترسم في الأفق القريب، لذلك وفي أحسن الأحوال يتطلّب من الجميع الاعتراف بأنّ البلاد مقسّمة ولا بدّ من تأطيرها مجدداً، ولكن وفق حقوق مشروعة، حسب الهوية لا حسب القوقعة الطائفية.


فتح الله حسيني

ليفانت - فتح الله حسيني

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!