الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
سوريا تحت تأثير أزماتها وأزمات الجوار
شفان إبراهيم

تُنذر الأحداث التي تشهدها سوريا منذ أعوام بعواقب وخيمة عليها، أكثر من الأزمة والانسداد السياسي، فالمال والاقتصاد والمعيشة أصبحت كوابيس ومحطات خطيرة في حياة السوريين، وصدقت التنبؤات والاحتمالات في وصول سوريا إلى الفوضى نتيجة تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، أو باختصار فإن سوريا كُلها أصبحت أزمة مستفحلة.

يُضاف إليها حالياً أزمة السوريين اللاجئين إلى دول الجوار، خاصة تركيا ولبنان، وقضايا الترحيل القسري وما ينتظرهم من مجهولية المستقبل، خاصة في مناطق لا تتحمل سكانها الموجودين حالياً، نتيجة نقص الخدمات وضعف الإمكانيات وندرة فرص العمل. زاد عليها التوترات الدائمة بين فصائل المعارضة السورية، وتدخلات الجولاني وشلته، والاقتتالات الدائمة بين فصائل المعارضة السورية في سري كانيه وتحويلها إلى بؤر قتالية مميتة. كل هذه الحوادث تؤثر بشكل مباشر على مجمل الوضع، إضافة إلى جمود على مختلف المسارات السياسية والحوارية المتعلقة بالمنطقة، وتوقف سير العملية السياسية واجتماعات هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، والانحدار الصاروخي لليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وتضخم أعداد المهاجرين خارج البلاد.

وربما أمكن القول إن مساعٍ عديدة تُبذل لتعميم الفوضى في المنطقة وخارج حدود سوريا، واستغلال ما يمكن استغلاله لتأجيج الاضطرابات في عموم الشرق الأوسط، خاصة في لبنان، كُردستان العراق، شمال شرق سوريا، والتي يُمكن أن تكون كفيلة بشغل كل تلك الأطراف بمشاكلها الداخلية والابتعاد عن الاهتمامات الخارجية أو التفكير بتطوير الوضع الداخلي. ففي لبنان ما تزال قضية اختيار الرئيس عالقة، والاضطرابات التي تشهدها بين الحين والآخر، والاشتباكات بين حملة السلاح من مختلف التسميات والتي يمكن أن تكون كفيلة بشغل القوى اللبنانية عن أيّ اهتمام آخر، ومراجعة حساباتها والتنازل عن بعض المواقف الداخلية لصالح الخروج بتسوية سياسية ترضي الأطراف الأخرى، وهي تعي حجم تأثير الوضع الداخلي في لبنان على سوريا، سياسياً واقتصادياً. في كردستان العراق، ومدى تأثير الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحزب الأقوى والحاكم في كردستان، على كُرد سوريا، وامتداده التاريخي، فإن الإقليم مقبل على انتخابات برلمانية بعد فترة قصيرة، وهي كفيلة بتغيير اللوحة السياسية في الإقليم وبغداد، وتأثيرها على كرد سوريا، لذلك تسعى العديد من الأطراف إلى زعزعة الاستقرار والتأثير على مسارات العملية السياسية، والتأثير على الانتخابات ونتائجها، فخسارة الديمقراطي الكردستاني للانتخابات -وهو مستبعد- سيعني من بين ما يعنيه تغيير البوصلة السياسية للإقليم عن المعارضة والشعب والحدث السوري، والضعف العميق الذي سيصيب المجلس الوطني الكردي، وتغيير الموازين والتوافقات السياسية لصالح بغداد وطهران، وزيادة حصّته في البرلمان المقبل سيعني أيضاً تمكنه من التحكم بالمزيد من الملفات والقضايا العالقة، وخلق توازنات جديدة مع الأطراف السياسية الأخرى في الإقليم، والتي لا تستسيغ العلاقات بين البارزانيين وكرد سوريا. أما في شمال شرق سوريا، فإن الوضع الحركي والتحشيد العسكري وتضارب الأبناء والتوقعات حول ضربة أمريكية على إيران في البوكمال ودير الزور من عدمه، مع الحِراك الشعبي المعارض للإدارة الذاتية في الرقة ودير الزور، وحيرة القوات العسكرية للإدارة الذاتية من موقفها واصطفافها إن حصلت الضربات الأمريكية والتي هي -تلك القوات- جزء من التحالف الدولي، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية الخانقة، وتأثير طائرات الدرون والتهديد التركي، كُلها تجعل من المنطقة على فوهة بركان غير محمود العواقب. هذا كله في طرف والاضطرابات في درعا والسويداء وبعض الأحياء الدمشقية بسبب الجوع والفقر في طرف أخر. فالوعود والتسويفات وزيادة الرواتب، والحديث الفارغ على البرامج التلفزيونية، كُلها ما عاد لها أيَّ قيمة.

لكل هذه الأسباب ولغيرها، فإن بلادنا تعيش هذه الأيام، ومنذ سنوات، ولأشهر مقبلة وربما أعوام أيضاً، على فوّهة بركان الأزمات المتفجرة والتي جاءت على كل شيء في بلادنا وحياتنا، والأخطر هو وصولها إلى حافة الانفجار النهائي والذي يُنذر في أيّة لحظة في ظل واقع اقتصادي ميت، وانسداد سياسي، وجفاء بين الأطراف السياسية المتصارعة والمتحاورة، صراعات الدول ذات الشأن في الملف السوري، وجمود في مسارات العمل للخروج من عمق هذه الازمة، محاولة ديمومة الأزمات في لبنان وتأثيرها الاقتصادي على البلاد، وعلى وضع اللاجئين السوريين لديها، السعي لجر إقليم كردستان صوب المزيد من الصراعات الداخلية وجرّه لحروب ضمنية، حصار ومحاربة الشمال الشرقي والغربي من البلاد. فهل تستدرك القوى المعنيّة هذه الرسائل وتحول دون الانفجار الأخير أم أن استمرار الغرور والقراءات غير الواقعية والخاطئة ستأخذ البلد إلى مجهول عنيف وخطير ومميت جديد؟

ليفانت – شفان إبراهيم

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!