-
سوريا.. الواقع وتحديات المستقبل
يكاد يكون الملف السوري من أهم وأصعب وربما الأكثر تعقيداً، على طاولة المجتمع الدولي، فواقعٌ اقتصادي متردٍّ جداً خلّفهُ الصراع الدائر لعشر سنوات مضت وآثار العقوبات الاقتصادية التي أخذت تنهش بمفاصل الاقتصاد السوري باتت واضحةً للجميع، وجغرافية عسكرية معقّدة تتبعُ لحساباتٍ كثيرةٍ ومتنوعة، منها الديني والطائفي، بل وحتى المذهبي، وجميعها تنتمي لحسابات عسكرية (خاصة) ذات صبغة محلية وإقليمية ودولية تنبع من مبدأ العقيدة والاستراتيجية.
ومنها الاستعراضي لمناطق نفوذٍ في حلباتٍ شاسعة لفرد العضلات ولعبة تكسير العظام وفهمٍ تامٍ أو مُصطنع لنهايات من جانبٍ واحد، ترتكز بمجملها على مفهوم الانتشار الجغرافي وإظهار السيطرة المُطلقة، فبعد الدخول في مساحات النفوذ يصبح للانسحاب ثمن، وهنا تكمن أهمية هذه اللعبة من حيث التموضع وفرض الكلمة وتحويل سوريا لساحة من ساحات الرسائل السياسية والعسكرية واختلاق قواعدٍ جديدةٍ للاشتباك الدولي.
- أما من الجانب السياسي:
فمما لا شك فيه بأنَّ الملف السوري قد دخل في نفقٍ مظلمٍ لا يكاد يُرى له نهاية أو بصيص أمل أو انفراج قريب، وهي الحقيقة الأكثر رسوخاً (زمناً وحالاً)، ففي ثنايا هذه المعادلة بحثَ الجميع بحثاً مريراً عن قسمة الفرح ونشوة الإنجاز في حضرة الدم السوري المهدور بصمتٍ مُخجل، ولكن دون جدوى لأيَّ سبيلٍ قد يؤدي إلى أبعادٍ منسجمة ترتسم فيها ابتسامات المصالح العريضة وتتلاقى في منتصف طريقٍ قد يساهم في صناعة حلٍّ ولو بشكلٍ جزئي، فالمشهد السوري تتزاحم فيه الاحتمالات وتتشابك به الملفات وتنعدم فيه رسائل التطمين.
فالنظام الأسدي المجرم "مرتهن" لروسيا والصين وإيران والذين اختاروا المفاوضات لكسب الوقت والهروب من الضغوط الداخلية والدولية عن طريق كافة أنواع الدعم الذي بدأ بالفيتو المشترك في أروقة مجلس الأمن ليتنوع فيما بعد لوجيستياً وعسكرياً وإلى مالا نهاية، وأما فريق التفاوض التابع للمعارضة السورية فقد كان دائماً مُقيّداً بعدم معرفة ما يريده أو ما يريد تحقيقه من هذه المفاوضات، فهم لا يذهبون إلى المفاوضات لأنّهم يتوقعون التوصل إلى اتفاق، بل لأنهم يحتاجون لتخفيف الضغط عليهم بسبب موقفهم السياسي الذي اختاروه وارتهنوا له، ليصبح تكرار الأمر كلازمة يدفع ثمنها الشعب السوري، دماً وتهجيراً، ومازال هذا الفريق (التفاوضي المعارضاتي) يسلك مساراً استسلامياً بطعم الخيانة، مع غيابٍ تامٍ لوجود أي مشروع سياسي ناضج يُنقذ ما يمكن إنقاذه في سوريا.
- تحدّيات المستقبل:
مع انسداد الأفق السياسي ودخوله في نفقٍ مُعتم لا يُرى له نهاية قريبة أو واضحة في ظلّ هذا الترهل لمواقف الدول الصانعة للقرار أو المعنية بالشأن السوري، باستثناء الدول الحليفة لنظام الإجرام الأسدي التي بدت بصورتها الأكثر وضوحاً فيما يتعلق بالإسناد والدعم لحليفها ولمصالحها التوسعية المبنية على مأساة شعبٍ بأكمله، فمع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها سوريا على غير موعدها الدستوري، نرى الدول الداعمة لنظام الأسد تُسابق الزمن لإعادة تدويره وتقديمه على أنّه خيارٌ وحيدٌ وثابت، إذا ما أراد العالم الحفاظ على مصالحه واستكمال بقية المشاريع التي كان قد بدأها منذ عقودٍ من الزمن، ومن أهمها (تحقيق الجوار الآمن لإسرائيل)، لتنتهز الدول الداعمة للأسد هذه الفرصة الثمينة جداً ولتبدأ بالمساومة لتحقيق مشاريعها هي أيضاً، فالتغيير الديموغرافي ينهش بتركيبة المجتمع السوري، وأصبح في جغرافية واضحة المعالم، والتمدد الطائفي (الديني) لا يحتاج بصيراً لرؤيته، والقواعد العسكرية (غير السورية) تمركزت، وربما "استوطنت"، في أكثر من نقطة على كامل التراب والساحل السوري.
وهنا يطرح المستقبل الكثير من التحديات أمام الشعب السوري، فإما واقعٌ متعدد الجنسيات بصبغةٍ عسكرية وطائفية، ورئيس صوري يسوّق شعارات السيادة الوطنية ويفتقد القرار الوطني، ويرتهن لسياسات من يحميه، وإما فوضى عارمة على هيئة طاعونٍ اقتصادي وأمني تُطيل المعاناة التي يدفع ثمنها السوريون من ثرواتهم ودمائهم وتهجيرهم، وإما مسرحيات هزلية على هيئة مجالس عسكرية (خلّبية) لا تملك سلاحها ولا قرارها ولا أهدافها، عنوانها العريض هو الارتهان (للداعم)، وإما هيئات سياسية قوامها أشخاص برتبة (مندوب) لأجهزة استخبارات عالمية وإقليمية تم إسقاطهم (بباراشوت) الارتزاق والتسلّق بعيداً عن إحلال الشخصية الوطنية (التي سقطت سهواً) من حسابات الدول.
يبقى للشعب السوري العظيم خياره الوطني النابع من التمسك بثوابت ثورته التي دفع من أجلها أغلى الأثمان، في سبيل تحقيق أهدافها وبلوغ سقف تطلعاتها، فما عليه إلا استنهاض روحها ونبذ فرقتها، والمضي في درب الحرية التي خرج من أجلها، وحينها فقط ستسقط جميع المشاريع الدنيئة التي تآمرت عليها وتاجرت بها وراهنت على نصرها.
ليفانت _ فهد الرداوي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!