الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
سقوط تركيا على صخرة العجرفة الأردوغانيّة
داليا زيادة

"إنّ التحيز والعجرفة هما أكبر عيوب البشر.. العجرفة تجعل الإنسان كفيفاً وأصم.. عندما تنظر إلى قضية بتحيّز، لا يمكنك رؤية الحقيقة." كان هذا هو ردّ وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، تعليقاً على موقف اليونان في الصراع الدائر حالياً في شرق البحر المتوسط، أثناء مقابلة أجرتها معه وكالة الأناضول، يوم ٢٧ أغسطس. لكن، في الحقيقة، فإنّ صانع القرار، الذي يحتاج بشدة لسماع تلك الكلمات الحكيمة، هو ليس اليونانيون، بل رئيس أكار؛ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.


إنّ عجرفة أردوغان، وتحيّزاته الإمبريالية والإسلامية والقومية المتطرّفة، هي التي أشعلت الصراع في البحر المتوسط، وهي التي كانت وقوداً للصراعات التي انتشرت كالنار في الهشيم في كافة أرجاء الشرق الأوسط، طيلة العقد الماضي، بدءاً من معاناة الأكراد على حدود تركيا الجنوبية؛ مأساة الشعب الفلسطيني في غزة على يد حماس، الحرب الأهلية التي لا تنتهي وتمكين داعش في سوريا، وحتى التصعيد الأخير للصراع في ليبيا، بين الجيش الوطني الليبي وحكومة الوفاق.


كما أنّ التأثير المدمر لعجرفة أردوغان وتحيّزاته غير المنطقية، لم يتوقف عند حدود تركيا، بل ارتدّ على أردوغان والشعب التركي، وجعل تركيا على حافة السقوط في نفس حفرة الجحيم التي سقطت فيها الدول التي دمرتها تركيا أردوغان في الشرق الأوسط، حيث حولت عجرفة أردوغان تركيا إلى صداع غير مرغوب فيه، في رأس الحلفاء والأصدقاء السابقين لها في الشرق والغرب. ولم يعد أحد يقف بجانب تركيا اليوم إلا دول وأنظمة سيئة السمعة معروفة بدعمها للإرهاب ورعايته، مثل قطر وإيران، كما حولت عجرفة أردوغان الحلفاء العرب السابقين لتركيا، مثل مصر والإمارات العربية المتحدة، إلى خصوم غير متهاونين في ردع تهديد أردوغان لأمنهم القومي والإقليمي.


في ٢٨ أغسطس، أرسلت الإمارات طائراتها المقاتلة (أف-١٦) للمشاركة في مناورة جوية مع البحرية اليونانية في شرق البحر المتوسط، على بعد بضعة كيلو مترات من السفن والحدود التركية. جاءت هذه الخطوة من قبل الإمارات، بعد شهر من بثّ تصريح هجومي لوزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، على قناة الجزيرة القطرية، تعهد فيه بـ”معاقبة أبو ظبي”. وعلى ما يبدو، كان الوزير أكار يحاول إضفاء البهجة على مضيفيه في محطة التلفزيون القطرية، بسبب التوترات الحالية بين الإمارات وقطر، بهذا التصريح المستفز. لكن لسوء حظه، كانت كلماته هذه سبباً في زيادة الدول المعادية لتركيا في المنطقة، وفتح جبهة حرب جديدة على جيشه المنهك بالفعل، في حروب أردوغانية ليس لها أي مبرر مقنع.


في تلك الأثناء، كانت مصر قد وقّعت اتفاقية تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين مصر واليونان، بالرغم من بعض التنازلات التي اضطر الطرفان لتقديمها من أجل إنجاز هذه الاتفاقية، بهدف حماية أمنهما القومي ضد تعديات تركيا في البحر المتوسط، والتدخل العسكري غير المبرر لتركيا في ليبيا، وقد أغضبت هذه الاتفاقية أردوغان ونظامه إلى أقصى حدّ، نظراً لأنّه بموجبها تتحول الاتفاقية البحرية التي وقعتها تركيا منذ شهرين مع حكومة الوفاق في ليبيا، إلى مجرد حبر على ورق.


والجدير بالذكر هنا، أنّ هذه الاتفاقية ظلّت تتأرجح ذهاباً وإياباً بين اليونان ومصر، منذ عام ٢٠٠٥، حيث كان المصريون يرفضون في كل مرة التوقيع، احتراماً لتركيا وللتاريخ الطويل للقواسم المشتركة، الثقافية والدينية، بين البلدين. لكن في عام ٢٠١٣، بعد أن توحد الشعب المصري والجيش في إسقاط نظام الإخوان المسلمين عن السلطة، قرّر أردوغان الانتقام من أجل الإسلاميين أتباعه، بأنّ قطع علاقات تركيا مع مصر، وأوصلته عجرفته وتحيزاته الإسلاموية إلى فتح إسطنبول أمام المصريين الفارين من جماعة الإخوان المسلمين، وتأسيس قنوات خاصة لهم يهاجمون من خلالها الدولة المصرية والرئيس السيسي، ليلاً ونهاراً، بينما يخفي أردوغان كراهيته للقيادة السياسية المدنية الحالية في مصر، ويبرر مقاطعة تركيا لمصر، بوصفه نظام الرئيس السيسي بأنّه “نظام انقلابي”، بينما هو لا يتردد في التحالف مع أنظمة يسيطر عليها المتطرّفون الإسلاميون، كنظام الملالي في إيران، على سبيل المثال.


إذا كانت تركيا تريد حقاً الخروج من هذه الحفرة العميقة التي حفرتها لنفسها، فيجب على أردوغان، أولاً، التخلّي تماماً عن تحيّزاته الإسلامية والقومية المتطرّفة. بعد ذلك، يجب على الحكماء في النظام التركي، مثل الوزير خلوصي أكار، العمل على خطة فاعلة لاستعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع الجيران والأصدقاء السابقين والحلفاء، عندها فقط، سوف تستطيع تركيا التفاوض بشكل دبلوماسي وعاقل، بعيداً عن استعراض العضلات العسكرية، من أجل الحصول على حقوقها في البحر المتوسط، وإدراك حلم الوطن الأزرق.

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!