-
رؤساء سورية وطنيون أم موظفون؟ أديب الشيشكلي الرئيس الذي انقلب على نفسه
قاد الانقلابين، الثالث والرابع كانون الثاني 1949، وتشرين الثاني 1951، وشارك في الانقلاب الأول والثاني ، أول من ينقلب على نفسه، حل جميع الأحزاب السياسية، اختصر الصحف إلى أربعة موحدة، تصدر في دمشق وحلب وحمص والجزيرة، جرم انتماء الطلاب والموظفين للأحزاب السياسية أو العمل بالسياسة، اعتقل وعذّب كل معارضيه ولم يستثنِ أحداً، اختصر العمل السياسي بحزبه الذي ابتدعه "حركة التحرر العربي"، أول من قتل المدنيين وقصفهم بالطائرات، كان ملهماً للرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي سار على نهجه خطوة بخطوة في كل المراحل، لتوطيد السلطة التي سيطر عليها على دفعات، إلا أنّ عبد الناصر تفوّق عليه بالبقاء فترة أطول بالحكم.
يعدّ الرئيس السوري الثاني عشر، أديب الشيشكلي، من أكثر الانقلابيين الذين سبقوه سفكاً للدماء وجرأة في التنكيل بمعارضيه، وهو من مواليد حماه 1909، تخرّج من المدرسة الزراعية في سلمية قبل أن يلتحق بالكلية الحربية ثم بجيش المشرق الفرنسي، وأخيراً الجيش السوري، شارك في حرب فلسطين 1948، وبدا تأثير الحزب القومي السوري الاجتماعي عليه واضحاً.
كان شريكاً لحسني الزعيم في أول انقلاب يشهده الشرق الأوسط، 30 أذار 1949، وما لبث أن اختلف الشركاء فقام الزعيم بعزله ثم أعاده الانقلابي سامي الحناوي قائداً لللواء الأول ليشترك معه في الانقلاب الثاني في 14 أيار 1949، ويبدو أنّ الانقلابين لم يحققا طموحه في السلطة، فأقدم على الانقلاب الثالث بمساعدة العقيد أمين أبو عساف، والنقيب فضل الله أبو منصور، اللذين اعتقلا الحناوي، وكانت تربطهما علاقة وثيقة بشقيقه الضابط صلاح الشيشكلي، عضو الحزب السوري القومي الاجتماعي.
استولى على الحكم في تشرين الثاني 1949، وأسند لنفسه رئاسة الأركان، وجاء في البيان الأول: "ثبت لدى الجيش أنّ رئيس الأركان العامة اللواء سامي الحناوي، وعديله السيد أسعد طلس، وبعض ممتهني السياسة في البلاد، يتآمرون على سلامة الجيش وسلامة البلاد ونظامها الجمهوري مع بعض الجهات الأجنبية".
كما أعلن الشيشكلي في نفس البيان، أنّه سيحافظ على النظام الجمهوري، ولكنه شارك الرئيس الشرعي هاشم الأتاسي في الحكم، ويبدو أنّ هذه المشاركة لم ترضِ طموحه، ليقوم بالانقلاب على نفسه، في 31 تشرين الثاني لسنة 1951، واعتقل رئيس الحكومة، معروف الدواليبي، وغالبية الوزراء، كما اعتقل رئيس المجلس النيابي، مما دفع الرئيس الأتاسي إلى تقديم استقالته، فعين الشيشكلي فوزي السلو، رئيساً شكلياً للجمهورية.
وجاء في البيان رقم 1، في الثاني من كانون الأول لسنة 1951، "يتولى رئيس الأركان العامة ورئيس المجلس العسكري الأعلى مهام رئاسة الدولة، ويتولّى كافة الصلاحيات الممنوحة للسلطات التنفيذية ".
عمل على تثبيت حكمه العسكري بعد أن اتخذ من فوزي السلو الذي عينه رئيساً للدولة واجهة له، وأصدر المراسيم بحل البرلمان والأحزاب وأغلق الصحف، ونتيجة لهذه الإجراءات تعاظم دور المعارضة، ولذرّ الرماد بالعيون أصدر مرسوماً لتشكيل مجلس للوزراء مهمته إجراء انتخابات برلمانية ليكون هناك تمثيل حقيقي للشعب حسب قوله، مؤكداً أنّ الجيش لن يتدخل في عمل الحكومة، وعليه أسّس حزبه الذي أسماه "حركة التحرر العربي" بزعامته، راكباً موجة الخداع السياسي لخوض الانتخابات، وفاز بـ83 صوتاً "المرشح الوحيد"، ولم تشارك المعارضة في الانتخابات، في 10 آب 1953.
تنامت المعارضة ضد الشيشكلي لتسلّطه ودكتاتوريته وقمعه ومحاربته لكل صوت ينادي بالعودة للحياة الدستورية، وعليه تم تشكيل جبهة شعبية للتصدّي لسياساته من خلال الإضرابات والمظاهرات، وأعلن جبل الدروز العصيان لتقصف مدينة السويداء بالطيران والدبابات، ودمر ثلاثة مدن، فما كان من بعض الوحدات العسكرية التي أرسلها لقمع المدنيين إلا أن تنحاز إلى جانب الأهالي، ووقف جميع الزعماء السياسيين مع أهالي السويداء، فاعتقل الغالبية، وفرض على هاشم الأتاسي الإقامة الجبرية، وطالت موجة الاعتقالات ضباط الجيش، وأعلنت غالبية المدن السورية الإضراب العام، ولم يزدد الشيشكلي إلا تعنتاً مبرراً قصفه للسويداء، أنّه اكتشف وجود مخازن للسلاح جاءت من الأردن والعراق للانقلاب عليه.
أمام حالة عدم الاستقرار وتمادي الشيشكلي في استخدام العنف، قام الرئيس هاشم الأتاسي بدعوة السياسيين لعقد مؤتمراً في منزله بحمص، وأصدروا بياناً طالبو من خلاله الشيشكلي بالسماح للعودة للحياة الدستورية والإفراج عن المعتقلين ووقف الحرب ضد جبل العرب.
وجاء الرد باعتقال كل من وقع على البيان، في 23 كانون الثاني 1953، وكانت هذه الخطوة المتهورة الفصل الأخير في حكمه، فخرجت مظاهرات في عموم سوريا نادت بإسقاطه وأغلقت المدارس والدوائر الحكومية، وقوبلت هذه الاحتجاجات بقسوة من رجالات النظام، الأمر الذي دفع الضابط مصطفى حمدون وزملاءه إلى السيطرة على مبنى الإذاعة والبلدية والاتصالات في حلب، وأذيع بيان دعا فيه الفرق العسكرية الالتحاق بالثورة، وسرعان ما انضمت الوحدات العسكرية في اللاذقية ودير الزور وحمص ودرعا ولم يبقَ مع الشيشكلي سوى الفرق العسكرية في دمشق وريفها، عندها قرّر العقيد تقديم استقالته ومغادرة سوريا في مساء يوم 26 فبراير لسنة 1954 إلى بيروت، حيث بقي بها يوماً واحداً، ثم توجّه إلى الرياض ثم فرنسا فالبرازيل، لينتهي فصلاً مؤلماً عانى منه السوريون الكثير جرّاء طموح وغرور شخصية دكتاتورية أنانية، بالنهاية فضلت الهروب حيث رغد العيش بعد كل الكوارث التي ارتكبتها وتركت البلاد تعاني دون حسيب أو رقيب.
وبعد عشر سنوات، وفي عام 1964، أطلق الشاب الدرزي نواف أبو غزاله النار على الشيشكلي وأرداه قتيلاً، في بلدة سيريس البرازيلية، ومن أهم تصريحاته: (إنّ الطريق من دمشق إلى الخليل سيكون سالكاً أمام الجيش السوري).
ليفانت - طه الرحبي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!