-
رؤساء سورية موظفون أم وطنيون؟.. الرئيس الثاني أحمد نامي “الداماد”
ماسوني ، عثماني النسب ، شركسي الأصل ، صديقاً للفرنسيين ، رئيساً للسوريين ، مؤسساً للحزب الإسلامي الديمقراطي .
قام المفوض السامي الفرنسي دي جوفنيل في الثاني من مايو/أيار لسنة1926 بتعيين أحمد نامي رئيساً لسوريا خلفاً لفرانسو بيير أليب الذي أعتلى سدة الرئاسة لثلاثة أشهر خلفاً للرئيس الأول صحبي بركات بعد أن تمت المفاضلة بين نامي و بركات وتاج الدين الحسيني وعطا الأيوبي واستمر في منصبه لغاية فبراير/شباط 1928.
كان أحمد رئيساً للمحفل الماسوني في سوريا ولبنان الذي يرعاه محفل الشرق الأعظم الفرنسي خلال الفترة من 1923 لغاية 1930 و في حينه كانت الماسونية نشطة وانتشرت مكاتبها في ( دمشق ، حلب ، حمص ، حماه ) .
ففي دمشق كان " محفل سوريا " ومقره شارع خالد بن الوليد و " محفل قاسيون " الذي يتبع للمحفل الأكبر الفرنسي و " محفل نور دمشق " تابعاً للمحفل الأكبر المصري ومن ثم " المحفل السوري الأكبر " الذي ضم تحت جناحه العديد من المحافل باعتباره السلطة العليا .
نال نامي لقب " الداماد " ويعني الصهر لزواجه من عائشة ابنة السلطان عبدالحميد الثاني ولعب الصدر الأعظم ( أعلى منصب بعد السلطان ) كامل باشا الذي تربطه صداقه مميزة بنامي دوراً كبيراً في هذا الزواج كما كان وراء تعيينه أميناً لولاية بيروت ثم أميناً لولاية أزمير التركية بعد تخرجه ضابطاً من الكلية الحربية في اسطنبول .
فضل نامي الإقامة في سويسرا ثم باريس بعد نهاية الحرب العالمية الأولى واستطاع خلال هذه الفترة أن يبني شبكة من العلاقات مع الساسة الفرنسيين حتى أصبح قريباً من دوائر صنع القرار هناك ويبدو أن علاقاته المميزة تلك كانت سبباً في تعيينه رئيساً.
ولد الرئيس الثاني في بيروت عام 1878 لعائلة شركسية استقرت في سوريا أواخر القرن الثاني عشر وكان والده فخري بك رئيساً لبلدية بيروت وتلقى تعليمه هناك قبل الانتقال إلى اسطنبول .
قرر المفوض السامي دي جوفنيل بعد استقالة الرئيس الأول صبحي بركات التي لاقت ترحيباً كبيراً من السوريين تعيين نامي رئيساً و قام بدوره بعرض برنامجه السياسي المتمثل في عشرة نقاط أبرزها تحويل الانتداب إلى معاهدة بين الدولتين لمدة ثلاثين عاماً أسوة بالمعاهدة التي تمت بين بريطانيا والعراق مع كتابة دستور للدولة وضمها لعصبة الأمم المتحدة وتشكيل جيش وطني و وحدة البلاد بالإضافة إلى عفو عام عن الثوار على جوفنيل وأبدى الأخير موافقته.
عندها أعلن نامي عن حكومته الأولى التي ضمت ستة وزراء ثلاثة وطنيون وهم لطفي الحفار الكزبري وزيراً للأشغال ( حزب الشعب ) وفارس الخوري للمعارف ( حزب الاستقلال ) وحسني البرازي للداخلية ( حزب الشعب ) وثلاثة معتدلون يوسف الحكيم للعدل و شاكر نعمت للمالية و واثق العظم للاقتصاد وأعلن عن برنامجه السياسي عبر إذاعة دمشق ، واستطاع في الأيام الأولى من تعيينه الإفراج عن المعتقلين الذين تم اعتقالهم بدون مذكرة رسمية فقط ، ولم ينجح في اصدار العفو العام الذي قوبل برفض فرنسي .
باشر نامي في تنفيذ اجندته و قام بزيارة للواء اسكندرون المستقل سعياً منه لإعادته للوطن السوري بموافقة ومباركة من جوفنيل وكان له ما أراد حيث كان هناك إجماع شعبي على الانضمام و أقر برلمان اللواء العودة للحضن السوري في إطار اللامركزية الإدارية ويعد ذلك أهم انجاز لنامي خلال فترة توليه للرئاسة ولكن فرنسا تراجعت وقامت بفصل اللواء سنة 1932 ثم ضمته لتركيا سنة 1939.
واصل نامي مساعيه لوحدة الوطن السوري و حاول إعادة جبل العلويين ولكن الحاكم العسكري للجبل الجنرال شلفر رفض ذلك بعد سلسلة من الاجتماعات التي جمعت بين الوزيرين الحكيم والبرازي ومدير المصلحة السياسية الكولونيل جورج كاترو والجنرال شلفر .
كان صادماً للرئيس نامي إقدام السلطات الفرنسية على اعتقال ثلاثة من وزرائه وهم : الخوري و البرازي و الحفار نتيجة لخطهم الوطني الواضح ومطالبتهم بإنهاء الانتداب الأمر الذي دفعه لتحمل مسؤولياته والتلويح بالاستقالة في حال استمرار اعتقالهم و أدى ذلك للأفراج عنهم ونفيهم إلى مدينة الحسكة ثم جبل لبنان .
ونتيجة لتلك الهزة السياسية التي تعرض لها أصدر بياناً لم يكن موفقاً به لجهة الشعب أو الانتداب قال فيه : ( أن نفي الوزراء جاء بعد دعمهم للثوار وحضهم على متابعة الأعمال العدائية ضد فرنسا ومدهم بالمال والسلاح ) الأمر الذي اثار حفيظة الحاكم العسكري الجنرال أليب فقرر إقالة الحكومة و اختار حكومة جديدة من الوجوه المعتدلة قام باختيارها دون الرجوع للرئيس .
قرر نامي المضي في تنفيذ برنامجه السياسي الذي قد أعلنه من قبل و بعد فشله لضم جبل العلويين حاول من جديد اصدار عفو عام عن الثوار وأبدى جوفنيل موافقته المشروطة بإيقاف ما يسمى بـ " الأعمال العدائية " وعليه وجه نامي خطاباً للشعب طالب به ايقاف " الأعمال العدائية " خلال أربعة أيام ليتمكن من اصدار عفو عام والإعلان عن وحدة الأراضي السوريا .
واجه نامي خلال فترة رئاسته تسويفاً فرنسياً وصراعاً مع الجنرال أليب لتدخله بالشؤون الداخلية وخلافاً مع واثق العظم الذي أعد عريضة وقع عليها بعض وجهاء دمشق وقام برفعها للمفوض الفرنسي لإقالة نامي وتعيين العظم بحجة أنه شركسي الأصل ولبناني وليس سوري .
حرص نامي على تنفيذ أياً من الوعود التي أعلنها للشعب وسعى للدعوة لانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور للبلاد ولكن المفوض السامي الجديد هنري بونسو الذي خلف جوفنيل رفض ذلك مما أدى إلى اتساع دائرة معارضيه في الداخل خاصة بعد تحالف الشيخ تاج الدين الحسيني الذي تربطه علاقة مميزة مع الكتلة الوطنية والجنرال كوليه مدير المخابرات بدمشق و مع آل العظم.
و في خضم الحراك السياسي الحاصل قامت فرنسا باستدعاء إبراهيم هنانو وهاشم الاتاسي في فبراير/شباط 1928 إلى بيروت للبحث عن حلول قد ترضي السوريين ولكن اصرار هنانو والاتاسي على الدعوة لانتخاب جمعية تأسيسية للعمل على كتابة دستور للبلاد و وحدة الأراضي السورية قوبلت بالرفض من برنسو الذي استدعى حقي وبديع العظم للتشاور وأبداء الرأي .
هذا الرفض والتسويف الفرنسي في تحقيق الوعود التي أطلقها الرئيس في بداية تسلمه للسلطة وتنامي المعارضة الداخلية دفعا به للاستقالة وقامت فرنسا بتعيين تاج الدين الحسيني رئيساً ثالثاً لسوريا .
طلب هنري بونسو من نامي البقاء على الحياد و وعده بتتويجه ملكاً على سوريا حيث كانت فرنسا تسعى للإعلان عن نظام ملكي في سوريا وكان أمامها عدة مقترحات كتعيين الملك فيصل ليجمع بين التاجين العراقي والسوري أو عباس حلمي خديوي مصر المخلوع أو الشريف حيدر من سلالة الشريف حسين أو أحد ابناء عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن سعود وهذا رأي شكري القوتلي .
ابتعد نامي عن الحياة السياسية نتيجة للانقسام الحاصل بين الوطنيين والمعتدلين حتى عام 1941 حيث استدعاه الجنرال دانتر وكلفه برئاسة سوريا إلا أن خالد العظم استطاع افشال هذا القرار متعللاً أن نامي يعيش في بيروت وليس بدمشق .
وبقي نامي الذي عرف عنه تمسكه بالثوابت الوطنية وتركيزه على ثلاثة محاور رئيسية وحدة الأراضي وصياغة دستور للدولة وإصدار عفو عام عن الثوار معتزلاً الحياة السياسة حتى وفاته في بيروت عام 1963بينما فضل أولاده العيش في باريس.
ليفانت- طه الرحبي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!