-
خط الصدع في المحيط الهادئ
-
خطر النفوذ الصيني المتنامي على دول "الجزر" شرق أستراليا في المحيط الهادئ
ترجمات ليفانت
كتب شارلز إيدل
حزيران 3, 2022
Foreignaffair
آخر مرة اهتم فيها معظم الأمريكيين بجزر سليمان كانت في منتصف الحرب العالمية الثانية، عندما شنت الولايات المتحدة واليابان معركة طويلةً بحراً وجواً في المنطقة المحيطة بجوار القانة. كان لهذه المعركة الطاحنة آثاراً استراتيجيةً هائلة. أوقفت التقدم الياباني في جنوب المحيط الهادئ وتحققت عدم محاصرة القوات المعادية أو عزلها للدول الحليفة مثل أستراليا ونيوزيلندا عن الإمداد، مما أدى إلى عكس زخم الحرب في المحيط الهادئ، وتوفير قاعدة لشن هجوم مضاد ضد عدو مستبد.
في خضم تلك القلاقل، توجه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت إلى الجمهور الأمريكي، مشيراً إلى مئات الجزائر الصغيرة المنتشرة عبر المحيط الهادئ، موضحاً أنها ربما “تبدو نقاطاً صغيرة على معظم الخرائط ليس إلا... ولكنها تغطي منطقة استراتيجية كبيرة “.
عانت تلك المنطقة الاستراتيجية الكبيرة، وهي منطلق القتال والنصر في الحرب العالمية الثانية، من إهمالٍ كبيرٍ على مدى عقود عدة ماضية حيث تركزت استراتيجية الولايات المتحدة وسياستها في مكان آخر. الآن الوضع مختلف ويجب أن يتغير. في أبريل/نيسان أعلنت حكومة جزر سليمان أنها وقعت اتفاقية أمنية مؤقتة مع الصين، وفي أواخر مايو/أيار سافر وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى المنطقة في محاولة لتأمين المزيد من الاتفاقيات من دول جزر المحيط الهادئ.
احتوى الاتفاق الأمني لجزر سليمان على لغة غامضة وواسعة يبدو أنها تفتح الباب أمام الصين للعب دور في قمع الاضطرابات الداخلية في جزر سليمان بالسماح لبكين بنشر قوات الشرطة والجيش الصينية بناءً على طلب جزر سليمان “للحفاظ على النظام الاجتماعي.” يمكن أن تؤدي هذه الاتفاقية والصفقات المستقبلية المحتملة مع دول جزر المحيط الهادئ الأخرى إلى تقويض الأمن الإقليمي من خلال توسيع نطاق حركة الجيش الصيني ومنحه إمكانية الوصول إلى نقطة أشبه ما تكون بنقطة تفتيش بحرية مهمة، ودفع جزر المحيط الهادئ إلى خضم منافسة جيوسياسية عالمية.
هذا الاتفاق مع جزر سليمان وجهود الصين للتوصل إلى اتفاقيات مماثلة مع دول المحيط الهادئ الأخرى أطلق جرس الإنذار داخل وخارج المنطقة. تقدر الصين بالتأكيد على توفير الاستثمارات التي تحتاجها المنطقة في تشييد البنية التحتية، بيد إن السكان المحليون قلقين لاعتقادهم الراسخ بأن الاستثمارات الصينية تدور حول تعزيز مصالح بكين وإفساد السياسات المحلية بقدر اهتمامها بتلبية الاحتياجات المحلية. وجزر سليمان هي المكان الأمثل لتبني هذا التوجه، حيث أعرب أكثر من 90 في المئة من السكان عن تفضيلهم انحياز بلدهم إلى الديمقراطيات الليبرالية بدلاً من الصين، وقال ما يقرب من 80 في المئة إنهم لا يريدون لبلدهم تلقي مساعدات مالية من الصين.
مع ذلك، وجدت بكين في ماناسيه سوغافاري، رئيس وزراء جزر سليمان، شريكاً راغباً. إن قرار سوغافاري بالتوقيع على هذا الاتفاق لا يضعه في مواجهة مع العديد من مواطنيه فحسب، ولكن أيضاً مع مجتمع جزر المحيط الهادئ الأوسع نطاقاً الذي لا يميل إيجابياً إلى قوة استبدادية تنشئ قواعد عسكرية بينهم.
اقرأ المزيد: طموحات الصين للعام الجديد لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي
في ضوء هذه المعطيات، ندد وزير خارجية نيوزيلندا بالاتفاقية ووصفها بــ “غير المرحب بها وغير ضرورية”، بينما كتب رئيس ميكرونيزيا إلى سوغافاري أنه يخشى أن تجعل مثل هذه الصفقة جزر المحيط الهادئ “بؤرة لمواجهة مستقبلية”. كان رد الفعل في أستراليا هو الأكثر غضباً حيث شبه البعض الصفقة بأزمة الصواريخ الكوبية وزعم آخرون أنها أسوأ فشل في السياسة الخارجية الأسترالية منذ الحرب العالمية الثانية.
ينبغي أن يكون إعلان الاتفاقية الأمنية بين هونيارا وبكين، والضغط الدبلوماسي الصيني، بمنزلة جرس إنذار للولايات المتحدة وحلفائها. لقد كان تعاملهم مع دول المنطقة قصيراً. وعلى واشنطن توسيع وجودها الدبلوماسي في جزر المحيط الهادئ ودعم التعددية في المنطقة ودعم مبادرات التنمية وأخذ المخاوف الوجودية التي تراود العديد من هذه البلدان بشأن تغير المناخ على محمل الجد. لابد من تغيير النهج بسرعة لمنع بكين من التمادي في تقويض الديمقراطية وتوسيع نطاق وجودها العسكري عبر المحيط الهادئ.
استراتيجية بكين في المحيط الهادئ
لم تأتِ الصفقة الأمنية بين الصين وجزر سليمان من فراغ. عززت الصين وجودها ووسعت نفوذها عبر المحيط الهادئ على مدى العقد الماضي بالتودد إلى النخبة في المنطقة وبناء الروابط مع المؤسسات الإقليمية وزيادة مساعداتها واستثماراتها في جميع أنحاء المنطقة. في أثناء ذلك بحثت بكين عن عقارات ذات موقع استراتيجي تسمح لها بإبراز قوتها إلى الخارج وزيادة التأثير على سياسات منطقة المحيطين الهندي والهادئ الأوسع. ظهرت تقارير عن شركات صينية تسعى إلى تطوير موانئ المياه العميقة والمطارات في كيريباتي وبابوا غينيا الجديدة وساموا وجزر سليمان وفانواتو ومواقع أخرى عبر المحيط الهادئ.
مع أن الصين تكرر ادعاءاتها عدم نيتها إنشاء قاعدة عسكرية في جزر سليمان أو في أي مكان آخر في المنطقة فإن سجلها الحافل وطموحاتها تشير إلى العكس. في كمبوديا وجيبوتي وباكستان وسريلانكا بدأت الصين مشروعات بنية تحتية كبرى أدت إلى حصول الصين على إمكانية الوصول إلى مرافق الموانئ ذات الأهمية الاستراتيجية. وكما أظهرت بكين في بحر الصين الجنوبي عندما طالبت بالجزر غير المحتلة وعسكرتها لاحقاً، فإن للحكومة الصينية سجلاً حافلاً بإنكار نواياها الحقيقية علناً في أثناء اتخاذ خطوات لتوسيع وجودها العسكري العالمي.
اقرأ المزيد: صفقة شي جين بينغ مع منافسيه في الحزب "للبقاء إلى الأبد"
يمثل بحث بكين عن موطئ قدم عسكري في المحيط الهادئ توسعاً لما فعلته سابقاً في أماكن أخرى. فترسيخ وجودها في هذه المنطقة ربما يؤدي إلى تحقيق العديد من الأهداف الإستراتيجية في وقت واحد: تأمين خطوط الاتصال البحرية الصينية وزيادة جمع المعلومات الاستخبارية عن القوات المتحالفة وإبقاء أستراليا ونيوزيلندا محاصرتين وتعقيد أي خطط أمريكية لنقل القوات إلى المنطقة. وبهذه الصفقة فتحت جزر سليمان الآن الباب أمام وجود عسكري صيني في المحيط الهادئ. السؤال المطروح الآن على الولايات المتحدة وحلفائها هو كيفية الرد.
التركيز على هذه الجزر من جديد
دار نقاش حاد، خاصة في أستراليا، حول كيفية حدوث هذا الاتفاق بالذات، وما إذا كان بإمكان أستراليا أو الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى فعل المزيد لإحباطه. أصاب هذا عصباً حساساً خصوصاً للأستراليين، إذ عملت كل حكومة في زمن ما بعد الحرب على منع قوة معادية من تحقيق وجود عسكري في جنوب المحيط الهادئ. وعلى الرغم من أن إجراء تحقيق في سبب حدوث ذلك قد يكون مفيداً فإنه لا وقت لإلقاء اللوم، بل استخدام هذه اللحظة للتركيز على كيفية توحيد جهود الولايات المتحدة وحلفائها لتقليل تداعيات الاتفاق ومنع الصين من توقيع غيره في مكان آخر.
لم يكن المحيط الهادئ في العقود الماضية مجال تركيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ويبدو أن هذا آخذ بالتغير، لكنّما لم يوجه الاهتمام الجديد إلى محاولة حقيقية لتلبية احتياجات المنطقة، فمن غير المرجح أن تلقى ترحيباً كبيراً. فحكومات جزر المحيط الهادئ تشعر بالقلق حيال طبيعة الأنشطة الصينية في دول المحيط الهادئ، لكنها ليست مصدر قلقهم الأساسي. بدلاً من ذلك، يؤكد القادة الإقليميون على أهمية إيجاد طرق لدفع عجلة التنمية وبناء البنية التحتية اللازمة ومعالجة المخاطر الوجودية الناجمة عن تغير المناخ التي تتعرض لها الدول الجزرية في المحيط الهادئ خصوصاً المنخفضة منها.
اقرأ المزيد: بايدن في تصريحاته من اليابان يجرح ويداوي الصين.. زلة لسان
إن أسهل طريقة لكسب الثقة وأن تصبح شريكاً إقليمياً أفضل هي العمل مع دول جزر المحيط الهادئ، بشكل فردي وجماعي ومنتظم، لمعالجة هذه المخاوف التي وضعها قادة جزر المحيط الهادئ في إعلان Boe لعام 2018 بشأن الأمن الإقليمي التي تبنت “مفهوم الأمن الموسع” للتعامل مع مجموعة من التحديات التي تواجه المحيط الهادئ.
سيتطلب القيام بذلك متابعة التزامات أقوى للتعويض عن تغير المناخ ومراقبة المياه الساحلية لجزر المحيط الهادئ من كثب للحد من الصيد غير القانوني ومنع استغلال الموارد من قبل الصيادين الصينيين. زيادة على ذلك، يجب على الولايات المتحدة وشركائها تعزيز المزيد من أسواق العمل المفتوحة للسماح لسكان جزر المحيط الهادئ بالعمل في أي مكان آخر في المنطقة بناءً على احتياجات التوظيف ودعم المبادرات التعليمية لتقديم المزيد من الفرص لشباب جزر المحيط الهادئ لمتابعة التعليم في الخارج.
على الولايات المتحدة وشركائها الاستثمار في المشروعات التي تعمل على تحسين البنية التحتية الأساسية وتوسيع نطاق الوصول إلى الرعاية الصحية والاتصال بالإنترنت في جزر المحيط الهادئ. ويمكن للهيئات التشريعية في أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة وأماكن أخرى أيضاً الوقوف على طرق للتعاون مع نظرائهم المنتخبين ديمقراطياً عبر جزر المحيط الهادئ لمناقشة سبل تحسين المساءلة الحكومية. كل هذه الالتزامات ستتطلب موارد أكبر من الولايات المتحدة وشركائها وتغييرات في التشريعات المحلية في بلدان متعددة للسماح بتوسيع تصاريح العمل ومشاركة أكثر استدامة مع المنطقة.
يمكن للولايات المتحدة أيضاً أن تجدد التزامها تجاه جزر المحيط الهادئ بإجراء بعض التغييرات البيروقراطية الرئيسة. ربما تخطط واشنطن لإعادة فتح السفارة الأمريكية في جزر سليمان التي أغلقتها في عام 1993، لكن إدارة بايدن لم تعين بعد سفراء إلى فيجي أو بابوا غينيا الجديدة. ليس لديها سفراء مقيمون في كيريباتي أو ناورو أو ساموا أو تونغا أو توفالو أو فانواتو (يمثلهم حالياً السفراء الإقليميون للولايات المتحدة). من الصعب تقديم حجة للمشاركة الجادة والمستمرة مع مجتمع المحيط الهادئ دون وجود أمريكي نشط.
بالإضافة إلى هذه المناصب، على واشنطن النظر في تسمية سفير في منتدى جزر المحيط الهادئ على غرار منصب سفير الولايات المتحدة لدى رابطة دول جنوب شرق آسيا. إضافة إلى ذلك، تحتاج واشنطن إلى تجديد اتفاقياتها الخاصة بالارتباط الحر مع ولايات ميكرونيزيا الموحدة وبالاو وجزر مارشال. سمحت هذه الصفقات على مدى عقود للولايات المتحدة بالحد من وصول الدول الأخرى عسكرياً إلى البلدان المدمجة في مقابل ضمانات سياسية وإنمائية ودفاعية أمريكية.
أيضا، يجب على الولايات المتحدة دعم التعددية في المنطقة. يجب أن تلتزم واشنطن بحضور أكثر اتساقاً وعلواً بالمستوى كشريك في الحوار في القمة السنوية لمنتدى جزر المحيط الهادئ. وينبغي لها أن تعرب عن اهتمامها بالعضوية المنتسبة في المنتدى الخاص بإقليمين من جزر المحيط الهادئ الأمريكية – ساموا الأمريكية وغوام – وأن تعقد اجتماعاً منتظماً مع منتدى جزر المحيط الهادئ على غرار اجتماع اليابان الذي يعقد مرة كل سنتين مع قادة دول جزر المحيط الهادئ.
الالتزام تجاه المحيط الهادئ
بطبيعة الحال، لا تعتبر تعديلات السياسة طويلة المدى ولا التعديلات البيروقراطية على المدى القريب رداً على التحدي الأقوى الذي يمثّله تدفق الاستثمارات الصينية واحتمال وجود عسكري صيني في المنطقة. لمعالجة الأمر الأول ينبغي على الشركاء الديمقراطيين دعم مبادرات مكافحة الفساد والشفافية وتمويل وسائل الإعلام المستقلة في جزر المحيط الهادئ.
أما معالجة الأمر الثاني، ينبغي للجهود الدبلوماسية أن تعطي الأولوية لتقييد اتفاق بكين وهونيارا السري لضمان بقائه اتفاقاً نظرياً فقط. ولأن إنكار بكين غالباً ما يكون نذيراً بمزيد من النشاط، على واشنطن البدء بالعمل على تحذير القادة الإقليميين بشأن الشكل الذي سيبدو عليه الوجود العسكري الصيني في المحيط الهادئ ورد الولايات المتحدة على هذا الوجود. ستؤدي العسكرة الصينية في المنطقة إلى أضرار بيئية وتنازل دول جزر المحيط الهادئ عن سيادتها واستجابة حتميةً من جانب الولايات المتحدة وحلفائها مما قد يجر جزر المحيط الهادئ إلى صراع مستقبلي.
اقرأ المزيد: تقلبات الدور الآسيوي في النظام العالمي
ما يحدث في جزر سليمان له تداعيات أمنية أوسع على المنطقة، فهو جزء من جهد منظم لبكين لتوسيع وجودها في المحيط الهادئ وتعزيز أدوات السيطرة الاستبدادية وتقويض وصول الولايات المتحدة إلى المنطقة وتقييد حرية حركة حلفاء الولايات المتحدة.
ينبغي للتطورات الجارية في منطقة المحيط الهادئ أن تشدد على الأهمية الحاسمة للولايات المتحدة لإشراك العديد من البلدان التي كثيراً ما أُهملت في جزر المحيط الهادئ. كما يجب أن تكون بمثابة فرصة لتقييم فعالية سياسة الولايات المتحدة وحلفائها تجاه هذه المنطقة الحيوية وتشجيع واشنطن على أن تكون أكثر إبداعاً وأكثر استباقيةً وأكثر التزاماً تجاه المحيط الهادئ.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!