الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
حين يكون الاحتجاج خيارًا نضاليًا متاحاً!
فاروق حجي مصطفى

فاروق حجي مصطفى - كاتب وصحفي كردي سوري


حدث تطور جديد على المستوى الحراكي، والنضالي في مناطقنا، بعد سنوات من طغيان المشهد العسكري على سوريا بشكل عام، وفي في مناطقنا، كردستان سوريا، على وجه خاص، حيث مرّت على مناطقنا ثلاث حروب  قاسيّة، وكان مصدرها كلها هو الإسلاميون الراديكاليون، لم نعايش  مرحلة الجيش الحر، نقصد المرحلة التي تولى فيها الجنود المنشقون من الجيش السوري آمور المناطق التي يسيطرون عليها، وما أن فتحت عيون القائمون بالحراك على واقع  عسكرة الثورة حتى وجدوا أمام أبصارهم كتائب تأخذ من التراث الإسلامي خطابها، ومن الغزوات الإسلاميّة في بداية تشكل الإسلام شيء من أساليبها، مثل الغزو، والغنائم، والتوبة.


ولا نستغرب نحن أهالي المنطقة، وعلى الرغم من أننا كنا نتعايش مع العناصر المنضوية ضمن تلك الكتائب شعرنا بأننا أول مرة  نلتقي هؤلاء، سرعان ما أطال هؤلاء لحاهم،  وتبنوا الخطاب الإسلامي الراديكالي. كانت حالة غريبة الأطوار. لم نتوقعها بعد!


حدث هذا في وقت إنّ منطلق الحراك كان منطلقاً  سلميّاً تغييريّاً غير منزلق لخانات العسكرة، وكون أنّ الحراك تأسس على ما أنتجه "إعلان دمشق" من نواة لتصبح فيما بعد حاملة الحراك، فإن مجرد التفكير بالانزلاق نحو العسكرة  كان يشكل ضرب من ضروب الفشل. لذا كان السلوك السلمي هو المنطلق وهو ضامن لإحداث التغيير في بنية النظام وعلى مستوى  القوانين أو انتزاع الحقوق.


مع بداية الثورة، أو ربما قبل ذلك بسنتين أو ثلاث، حصلنا بفضل هذا التطور على صعيد "المعلوماتية" كتاب يعود ل جين شارب، عن النضالات والثورات.


قبل قراءة هذا الكتاب كنت على يقين بأن الكتاب سوف يفضحنا، وانّه سوف يعرينا أمام أنفسنا؛ فالتصور المسبق عن الكتاب هو صحيح أننا مناضلون لكن يجب أن نكون ملائكيون، لا نعارض بوسائل تحدث ضجيجاً، نقبل ما نحن عليه ونحاول أن نغيّر ما لا نرضاه بوسائل "رحمانية" أي الاستسلام والقبول بإجراءات وآليات الاستبداد عملياً ونواجه هذه الآليات بطريقة ما بحيث لا تحصل مواجهة، ولذلك وخوفاً من محتوى الكتاب، تجنبته لأشهر، لكن لا بد من قراءته، فقرأت الكتاب بتمعن، وكتبت عنه في جريدة السفير اللبنانية وقتها، وعلى عكس ما كنت أتصور الكتاب مسبقاً عرفت أننا كنا جاهلون تماماً لما يجب أن نمارسه من آليات نضالية في الزمن النضالي السلمي.


جين شارب، المعلم، ومنظر اللاعنف، لم يعرني على نحو ما كنت أتوقع، فهو يعري الجبناء كلهم.


النضال السلمي، وأدواته من الاحتجاج، أو العصيان، أو الإضراب أو المواجهة مع السلطات القمعية هو من أنجع النضالات.


وتجدر الإشارة، إلى أنّ القوى الكرديّة في كل نضالاتها لم تعر أي اهتمام بمسألة العنف، ولعل اللاعنف يعتبد من عناصر القوة لدى الأحزاب.


فمن يتقن ويعرف أدوات النضال اللاعنفي أو لنقل السلمي، لا يحتاج إلى الخوض في الحروب.


بيد أنّ واقعنا، نجد كل شيء معكوس، وكل شيء متاح، وقد نصل إلى واقع لا بد فيه من خيار شن الحرب، وللأسف أحياناً تصبح الحرب خيارًا جيداً تخوضه مجبرًا بدلاً من أن تقبل الإبادة. 


أراقب حالة الاحتجاج عن كثب، ويسيل لعابي، وأحياناً أسئل نفسي، لو كنت هناك هل كنت سوف أشارك هذه الفسحة النضاليّة الوحيدة المتاحة؟! لا أعلم ذلك.


الواقع الذي نعيشه الآن في سوريا فرض على الجميع أن يقوموا بواجبهم تجاه تاريخهم واحتراماً للأرض التي تحملهم وتدعمهم بالرزق وموارد الحياة.


في بلدي، كُردستان سوريا، أو روچآفاي كُردستان، أو المناطق ذات الغالبية الكُردية، أو شمال شرق سوريا دفعته الأحداث لأن يعودوا ثانيّة إلى مقاربة انتزاع الحقوق بالنضال السلمي اللاعنفي فيصبح مع هذا الانعطاف كل مسن ومسنة وكل النساء والرجال، وكل الشباب والشابات، والأطفال... كلهم مناضلون ومناضلات، وهنا لا بد من التعرّج للمعلم غاندي، وكيف نصح ناسه أن يقاطعوا كل ما يجلبه الاستعمار، وكيف فتح مجال أن يكون الكل مناضل، والكل صاحب عمل ومشارك في الحياة العامة من بوابة الاقتصاد الاحتجاجي أو العصياني.


بقي القول إنّ ما نعيشه الآن في مناطقنا، هو فرض حالة من لا خيار غير خيار الاحتجاج، وما لبث آن سقط في هذا النضال شهداء (٢ في حالة رفض التواجد التركي، وعلى مدار نضالات الكُرد من ١٩٥٧ سقط ٤٧ شهيداً أولهم كان سليمان آدي ) سلميين الذين أجبرتهم الظروف أن يعبروا عن رفض كل المؤمرات بالحجر.



 

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!