الوضع المظلم
السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
حين يتكلّم الحجر: الحجر الأسود.. قصة الحي المنسي
حين يتكلّم الحجر

قامت مؤخراً محافظة دمشق الإيعاز بوضع المخططات التنظيمية والإدارية لأربع مناطق تنظيمية، بينها الحجر الأسود.

وتشكّل منطقة الحجر الأسود، الواقعة جنوب شرق دمشق، والمتصلة مع مخيم اليرموك من جهة، والسبينة من جهة أخرى، إحدى بؤر التظاهر الساخنة التي ظلّت متّقدة منذ بدايات الحراك في العام 2011، حتى نهاية حصار الحجر الأسود الكبير في العام 2018، حين أجبر أهالي الحجر على النزوح من بيوتهم بشكل كامل.

 

لطالما كانت معاناة أهالي الحجر الأسود مضاعفة، إذ إن غالبية الأهالي هم من أهالي الجولان المحتلّ في الأصل، الذين أجبروا على النزوح بعد نكسة حزيران في العام 1967، هؤلاء النازحون الذين أقاموا بما تيسر لهم مساكن عشوائية تقيهم برد الشتاء وحر الصيف، كانوا يعيشون مع سوريين أتوا من مناطق أخرى، ومع بعض اللاجئين الفلسطينيين الذين سكنوا الحجر الأسود، وقد عانى سكان الحجر الأسود من الإهمال المتعمد من قبل الحكومات السورية منذ العام سبعة وستين حتى العام 2011، فلم يتم الالتفات لتحسين حياة هؤلاء كما يليق بهم كمواطنين، وتم تكريس وجودهم كنازحين مهملين.

القوات التركية تجدّد قصفها لقرى آهلة بالسكان بريف حلب

كانت اللافتات تكتب بخط اليد، مكبرات الباعة المتجولين تم تحويلها لتكون أدوات تظاهر، كانت الشعارات تخرج من حناجر الآلاف وحدها، فالنازحون كان لديهم الكثير من الشكوى التي لم تجد يوماً طريقها للشارع، وكان التظاهر هو الوصفة السحرية التي جعلت الحجر الأسود ينطق.

قام النظام بشنّ حملات مداهمة متعاقبة لاعتقال النشطاء السلميين الذين وضعوا الشعارات وخطوا اللافتات وصاغوا البيانات، كانت المداهمات تنزل الرعب في قلوب السكان، وتخطف منهم فلذات أكبادهم وتقتادهم إلى المجهول، وبات هؤلاء الناس الذين يتدبرون بالكاد أمور معيشتهم يحلمون برؤية أولادهم ويدفعون ما بجيوبهم للحصول على أي خبر عنهم لرجال النظام وفاسديه.

عندما بدأ الحصار على الحجر الأسود غادر بعض سكانه ممن استطاعوا، وبقي الأغلبية لأنهم لم يعرفوا إلى أين يذهبون، فعندما تكون نازحاً، ويقصف بيتك أو يحاصر منزلك، تعجز غالباً عن الإجابة على سؤال بسيط وملح: والآن، إلى أين؟

تم إغلاق كل مداخل الحجر الأسود أمام السيارات، وتم إجبار من يعبرون الحاجز الوحيد المفتوح مشياً على الأقدام على ألا يحمل عابره أكثر من ربطة خبز واحدة وكيلوغرام من السكر وما يعادله من الخضار، مما أثار ارتفاعاً جنونياً في أسعار المواد الغذائية، وبعد أن كان "ما حدا بيموت من الجوع" في بلاد الخير المسماة سوريا، بدأ الناس يعبرون المستحيل ويموتون من الجوع حرفياً، وكان للموت في الحجر وقع ثقيل وقد مات كثيرون ممن قرروا الفرار من هذا الحصار فقد كان قناصو الموت بانتظارهم.

مات الكثير من سكان الحجر الأسود بين التظاهر والحصار ومحاولة الهرب من الحصار والقصف بالآليات الثقيلة والمعتقلات، من نزح من الجولان المحتل هرب منتظراً نصرة أهله، فقتله مسؤولو بلاده ووفروا على العدو عناء ذلك.

عندما دخل الجيش إلى الحجر الأسود وسيطر عليه كان 90% من بيوت الحجر الأسود صالحة للسكن، أما اليوم فقد انعكست المعادلة فبات 10% من بيوت الحجر الأسود قابلة للسكن، فمن قلب المعادلة؟

لقد تكفل بذلك متنفذون فاسدون تحت حماية الجيش السوري الذي يمنع حتى اليوم أهالي الحجر الأسود من العودة إليه تحت ذريعة عدم إعادة تأهيله للسكن، تذكر كثير من صفحات الحجر اسم أحمد العلي وابن عمه فراس العلي الذين كانا ملوك التعفيش هناك، ويروي سكان دخلوا الحجر مؤخراً ليروا بيوتهم فوجدوا أنه تم سرقة الأثاث والأدوات الكهربائية والأبواب والسيراميك.

اقرأ المزيد: محكمة موسكو تأمر بإغلاق فرع حقوق الإنسان التابع لمنظمة ميموريال

لم يبقِ أمراء الحرب ولم يذروا، نهبت بيوت بسيطة عمّرها أهلها بدم قلوبهم وصارت في قبضة تجار الدم. ربما يكون من الناجع أكثر أن يرفع سكان الحجر الأسود المشتتون اليوم في بقاع الأرض وجهاتها الأربعة أصواتهم، ومن خلفهم كل السوريين، لكشف زيف الأكاذيب التي يسوقها الإعلام السوري الكاذب، وللمطالبة بعودة الأهالي ليعمروا بيوتهم بأنفسهم، فكفاهم تغريباً في الأرض.

 

ليفانت – هنادي زحلوط

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!