الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
حكومة فتحي باشاغا والطريق إلى الدولة.. أي دولة؟
 رامي شفيق

أدّت حكومة السيد فتحي باشاغا، رئيس الحكومة المكلفة، خلال شهر آذار/ مارس الجاري، القسم الدستوري أمام مجلس النواب في مدينة طبرق، وذلك ارتباطاً بنجاح وصول وزراء الحكومة الذين احتجزوا قبل الوصول إلى مقرّ مجلس النواب في مدينة طبرق، سيما بعد الإجراءات التي اتخذتها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وحالت دون وصول كافة وزراء حكومة الاستقرار وأداء القسم الدستوري، فضلاً عن احتجاز بعضهم وإطلاق النار على موكبهم حين خروجهم إلى المدينة التي يتواجد بها مقر مجلس النواب.

كان رئيس الحكومة المكلف، فتحي باشاغا، قد باشر أداء اليمين القانونية أمام مجلس النواب المنعقد في طبرق، في ظلّ غياب عدد من وزرائه، بينما اتهمت الحكومة المنافسة برئاسة عبد الحميد الدبيبة بمحاولة عرقلة العملية.

يغيب عن هذه الجلسة أكثر من وزير على خلفية منعهم من السفر من قبل قوات تابعة لحكومة الوحدة، بحسب تصريح مستشار حكومة فتحي باشاغا، أحمد الروياتي.

وفي كلمته أمام مجلس النواب، أدان باشاغا التصعيد المتمثّل في إقفال المجال الجوي وحجز بعض الوزراء أثناء محاولتهم الوصول إلى طبرق لأداء اليمين الدستورية. وقد جاء أداء اليمين من طرف رئيس الحكومة المكلف باشاغا خلال جلسة للبرلمان الليبي في مدينة طبرق، شرقي البلاد، بعد يومين من حصول حكومته على ثقة مجلس النواب الليبي بأغلبية ساحقة خلفاً لحكومة الوحدة الوطنية، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، الذي ما يزال يرفض تسليم السلطة.

إلى ذلك، تبدو حكومة فتحي باشاغا وهي تتمم إجراءات تنصيبها خطوة جديدة نحو حزمة تأويلات متباينة ومتضاربة من ناحية تعدّد وتباين القوى الفاعلة داخلياً وإقليماً ودولياً، خاصة مع ارتباك النظام الدولي نتيجة ارتفاع منسوب العمليات العسكرية في أوكرانيا وتعقد مؤشرات المواجهة غير المباشرة ببن واشنطن وموسكو.

كنتيجة مباشرة لتناقضات الموقف الدولي لن تستطيع العثور على موقف محدد وحاسم للسفير الأمريكي، ريتشارد نورلاند، في ليبيا، إزاء تطور الوضع السياسي في ليبيا بعقد مجلس النواب جلسة اختيار رئيس الحكومة، والتي أفضت بتكليف السيد فتحي باشاغا وموقفه أيضاً من حكومة عبد الحميد الدبيبة، إذ جاءت تصريحاته تحمل الاعتراف الضمني بالحكومتين كدلالة على تمهيد واشنطن لقبول كافة السيناريوهات الواردة في ليبيا، خاصة خلال هذه الفترة التي يضطرب فيها الوضع الدولي ولا ينبغي النظر بتفاؤل لاستقراره خلال المدى المنظور.

ربما من الأهمية بمكان الالتفات صوب هدف رئيس لمعظم الأطراف الدولية الفاعلة على مسرح الأحداث الليبية، وهو ضرورة العمل بجدية على حتمية ألا تنزلق الأقدام نحو الصراع المسلح وتجنّب العنف، خاصة في العاصمة الليبية طرابلس.

من جانبه أجرى الأمين العام للأمم المتحدة مكالمة هاتفية مع السيد عبد الحميد الدبيبة، الجمعة/ الرابع من شهر آذار/ مارس الجاري، ناقش فيها الأمين العام ورئيس مجلس الوزراء آخر المستجدات في ليبيا، حيث أعرب الأول عن قلقه العميق إزاء الاستقطاب السياسي الحاد الحالي في ليبيا، والذي يحمل مخاطر جمة على الاستقرار الليبي الذي تم تحقيقه بشق الأنفس. وشدد الأمين العام على ضرورة التزام جميع الجهات الفاعلة بالهدوء، مع التأكيد على رفض الأمم المتحدة القاطع لاستخدام العنف والترهيب وخطاب الكراهية. وعدّ الأمين العام أن المأزق الحالي يتطلب حواراً عاجلاً لجهة إيجاد طريقة توافقية للمضي قدماً، وكرر دعمه الكامل لجهود الوساطة التي تقوم بها مستشارته الخاصة بشأن ليبيا، السيدة ستيفاني ويليامز.

الاستقطاب السياسي الحاد الذي جمع النقيضين؛ مجلس النواب برئاسة المستشار عقيلة صالح، والمجلس الأعلى للدولة برئاسة السيد خالد المشري، وأنتج حكومة الاستقرار برئاسة السيد فتحي باشاغا، هذا الاستقطاب لم يستطع أن يحافظ على التحالف الهشّ بين المجلسين، حول ضرورة استبعاد السلطة التنفيذية وحتمية خروج حكومة الوحدة الوطنية لصالح حكومة جديدة. وعلى إثر ذلك، تحالف المشري مع عقيلة صالح على منح السلطة الجديدة ثقة مجلس النواب بالتوازي مع التحرك صوب حسم خارطة الطريق فضلاً عن كون المجلس الأعلى للدولة أضحى شريكاً فاعلاً مع مجلس النواب في كافة الإجراءات الخاصة بخارطة الطريق، سواء على المسار الدستوري أو المسار الانتخابي، بيد أنّ ذلك كله لم يمنع الشقاق أن يضرب تحالف "الأخوة الأعداء". ونرى تصريحات الرئيس وبعض من أعضاء المجلس الأعلى للدولة يهاجمون فيها مجلس النواب وإجراءات تغيير السلطة التنفيذية، الأمر الذي رفع درجة الاستقطاب السياسي، ومنح حكومة الدبيبة نفساً آخر في مضمار السلطة.

رغم ذلك يدرك جيداً رئيس الحكومة المكلف، فتحي باشاغا، ضرورة التحرّك بعيداً عن كافة مفاعيل انفجار الصراع الخشن بين مكونات السلطة في طرابلس، وأنه لا سبيل لتسلّمه مهام السلطة التنفيذية سوى عبر الانتقال السلمي، بينما يدرك عبد الحميد الدبيبة أنّ فرصه في البقاء على رأس السلطة أضحت محدودة، وعليه أن يمارس أقصى درجات المناورة لحصد أكبر قدر من المكاسب المالية والاقتصادية والسياسية وهو خارج دائرة السلطة والتأثير.

ثمة سيناريو آخر قد يبدو في الأفق، وهو عودة نسق الحكومتين المتوازيتين، ويستقر هذا السيناريو مع تمسك الدبيبة بالسلطة ورفضه التخلي عن منصبه استناداً لبعض القوى الإقليمية والدولية التي تدعمه، مما يدفع بسيناريو الصراع الخشن نحو مسرح الأحداث، الأمر الذي يجعل هذا السيناريو غير مرجح واحتمالات وقوعه قليلة لكنها غير مستبعدة على الإطلاق، فضلاً عن السيناريو الأسوأ وهو دخول مرحلة الاقتتال والصراعات المسلحة بين الميلشيات المسلحة في غرب البلاد مباشرة بين باشاغا والدبيبة، وهو السيناريو الأسود الذي يعمل كل طرف على تجنبه والتحرك بعيداً عن أطرافه الملغمة. بيد أن ذلك كله لا يمنع أن فرص وقوعه قائمة كأثر مباشر لتناقض أهداف كافة الأطراف، داخلياً وإقليمياً ودولياً.

كافة التطورات الراهنة بالملف الليبي، سواء على مستوى السلطة التنفيذية المكلفة أو القائمة، ينبغي أن تساهم وتفضي بنتائج إيجابية على مستوى المسار الدستوري والانتخابي، خلال المدى المنظور، وارتباطه المباشر بالوضع الدولي وتناقضاته، ولذلك؛ لا يمكن ترقب استقرار المشهد الليبي دون إرادة حقيقية من الأطراف الفاعلة في الداخل مع تحقق كامل لاستقلال القرار الليبي وتفعيل إرادته الوطنية.


ليفانت - رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!