الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
حزب الله يُخيّر لبنان.. البيطار أو الحرب الأهلية
حزب الله ولبنان - ليفانت نيوز

أسفرت الحرب الأهلية اللبنانية المندلعة في العام 1975 إلى العام 1990، عن مقتل ما يقدر بـ 120 ألف شخص (وفق المصادر الإعلامية)، نتيجة القتال بين الموارنة والقوات الفلسطينية (غالبهم من منظمة التحرير الفلسطينية) في عام 1975، ثم شكلت الجماعات اليسارية والعربية والإسلامية اللبنانية تحالفاً مع الفلسطينيين، كما شاركت القوى الأجنبية، مثل إسرائيل وسوريا، في الحرب وحاربت جنباً إلى جنب مع فصائل مختلفة.


وبعد أنهار من الدماء، استمرت لنحو عقد ونصف من الزمان، ارتسمت أولى ملامح نهاية الصراع الدامي عبر اتفاق الطائف الموقع في العام 1989، وفي مارس 1991، سنّ البرلمان قانوناً للعفو عن جميع الجرائم السياسية قبل عام، لتحلّ المليشيات في مايو 1991، باستثناء حزب الله، في حين بدأ الجيش اللبناني إعادة البناء ببطء، باعتباره المؤسسة الوحيدة الرئيسية غير الطائفية في لبنان، لكن بقيت التوترات الدينية بين السنة والشيعة بعد الحرب.


اقرأ أيضاً: من عــــفرين لـــرأس الـــعين.. منتجعات للقتلة المأجورين عقب تغيير ديموغرافيتها

وعقب ثلاث عقود، ظل الجمر مشتعلاً تحت الرماد، بفعل الخلافات الطائفية والدينية، التي غذتها على الدوام القوى السياسية في لبنان، ليأتي انفجار بيروت ويرفع من حدة الازمات اللبنانية، منذرة بحرب أهلية ثانية، ما لم يجري التعاطي معها على أساس وطني، عقب أن اندلع حريق في مرفأ بيروت، في الرابع من أغسطس 2020.


القضاء في لبنان (أرشيف)

أزمات متراكمة


عدّ العجز عن تشكيل الحكومة اللبنانية، نتيجة خلافات رئيس البلاد ميشيل عون مع الرئيس المكلف آنذاك، سعد الحريري، أزمة إضافية لأزمات لبنان المتراكمة، دفعت العقلاء إلى الدعوة لتغليب مصلحة لبنان على مصالح أحزابهم وفئاتهم الضيقة، والمحاور التي يعملون لديها، وكان منها دعوة البابا فرنسيس، في الأول من يوليو الماضي، لزعماء لبنان بغية على تنحية المصالح الحزبية جانباً والعمل من أجل السلم والاستقرار في بلادهم.


وهو ما ذهب إليه رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، في الثاني من يوليو، عندما حذر من ثورة شاملة في لبنان، وقال جنبلاط في تصريح لصحيفة "الجمهورية" اللبنانية، إن الوضع في لبنان يتدهور بوتيرة متسارعة، مشيراً إلى أن الفقر والجوع والغلاء حرك ثورة طرابلس تمهيداً لثورة شاملة ستعم كل لبنان إذا لم يتم تدارك الوضع قبل أن يفلت من السيطرة.


اقرأ أيضاً: إيران وميلشياتها.. الإقرار بالتبعيّة يُعرّي الأدوات المُستترة والمُغفلة

بينما أكد دبلوماسي أمريكي كبير، أن "انهيار لبنان وشيك"، إذ قال ديفيد هيل الوكيل السابق لوزارة الخارجية الأمريكية، في تصريحات لشبكة CNBC، إن قادة البلاد بحاجة إلى إظهار الإرادة للإصلاح قبل تقديم أي مساعدة خارجية، مشدداً على أن "المفتاح في أيدي القادة اللبنانيين.. وعليهم أن يثبتوا لنا أن لديهم الإرادة والقدرة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة حتى لا يضيع أي تمويل دولي كما حدث من قبل، مضيفاً أن اللبنانيين لا يجب أن يتوقعوا "خلاصاً خارجياً".


مناوشات هنا وهناك


وفي ظل غياب سلطة الدولة، وغياب القانون، بدأت نذر الحرب الاهلية بالخروج إلى العلن عبر سلسلة من المواجهات العسكرية، التي برهنت أنه لا دولة حقيقية في لبنان، ففي الأول من أغسطس الماضي، اندلعت اشتباكات بين عناصر “حزب الله” اللبناني، و”عرب خلدة”، ما أسفر عن مقتل 4 أشخاص وجرح 10 آخرين، في منطقة خلدة جنوب العاصمة بيروت.


اقرأ أيضاً: الحدود التركية.. بين الاحتضان المزعوم والتنكيل الفعلي بالسوريين

وخلال ذات الشهر، وقعت مواجهات عديدة بين المواطنين اللبنانيين، في ظل أزمات متلاحقة ونقص المواد الأساسية، ومنها في الثامن والعشرين من أغسطس، عندما أصيب 5 أشخاص في مواجهة بدأت بعراك بالأيدي والسكاكين تطور إلى إطلاق للنار، بين عدد من الشبان وأصحاب محطة وقود في بلدة العباسية جنوبي لبنان.


أحداث متلاحقة شجعت الخارجين عن القانون إلى الإشهار بقوتهم، فشهدت بلدة بريتال اللبنانية، في منتصف سبتمبر، اشتباكات مسلحة، بعدما استخدم مطلوبون مسلحون، القذائف في مواجهة حملة تفتيش للجيش في البلدة.


التحقيق يقصم ظهر البعير


وعلى وقع الأخذ والرد في تحقيقات انفجار بيروت المستمر منذ أكثر من عام، والتي لم تصل بعد إلى أحكام فعلية، نتيجة تدخل قوى سياسية على رأسها مليشيا حزب الله، تم تجميد التحقيق نهاية سبتمبر، عندما أقام وزير سابق مطلوب للاستجواب بشبهة الإهمال، دعوى يطعن فيها على حيادية طارق البيطار القاضي الذي يقود التحقيق، علماً أن البيطار، هو ثاني قاض يجري إيقاف التحقيق برئاسته، بسبب ضغوط مليشيا حزب الله وحلفائها، إذ تم عزل قاضي التحقيق السابق، وهو فادي الصوان، في فبراير الماضي لأسباب مماثلة.


فيما قال البطريرك الماروني في لبنان، مار بشارة بطرس الراعي، إن الحكومة يجب أن توقف "أي تدخل" في عمل القضاء، وذلك بعد أن تسببت دعاوى في وقف التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت، مردفاً في عظة، إن "الضغط السياسي على بيطار، أضعف سلطة القضاء ويمكن أن يهدد المساعدات الدولية للبنان”.


اقرأ أيضاً: هل تغيرت؟ ممارسات طالبان تجيب عن السؤال الشاغل

وفي الرابع من أكتوبر، قررت محكمة الاستئناف في لبنان، رفض طلبات الرد المقدمة من قبل عدد من النواب، بحق المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، المتعلقة بتحقيقات انفجار مرفأ بيروت، شكلاً لـ"عدم الاختصاص النوعي”، قائلةً: "تقرر بالاتفاق رد طلب الرد شكلاً لعدم الاختصاص النوعي، وإلزام المستدعي طالب الرد، النائب نهاد المشنوق (وزير الداخلية الأسبق)، بدفع غرامة مقدارها 800 ألف ليرة لبنانية، سنداً لأحكان المادة 127 مدنية، وتدريكه الرسوم والنفقات القضائية كافة”.


مواجهة أهالي الضحايا وحسن نصر الله


لكن القرار لم يرق للأمين العام لـمليشيا حزب الله، وهو حسن نصرالله، فقال في الحادي عشر من أكتوبر، إن المحقق العدلي القاضي طارق البيطار في انفجار مرفأ بيروت "مسيس ولن يصل إلى الحقيقة في تحقيق الانفجار"، مردفاُ في كلمة متلفزة: "قلنا منذ البداية، أننا نريد التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وأقول صادقاً لو تخلى عائلات الشهداء والجرحى عن التحقيق فنحن لا نتخلى عنه ونحن نعتبر أننا من الذين أصيبوا معنوياً وسياسياً وإعلامياً"، معتبراً أن "القاضي الحالي بدل الاستفادة من كل أخطاء القاضي السابق، بالعكس أكمل بهذه الأخطاء وذهب إلى ما هو أسوأ"، على حد زعمه.


اقرأ أيضاً: المنطقة الآمنة شمال سوريا.. الأحلام التركيّة تنتهي باقتتال عصاباتها

ليرد أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت في لبنان، بعدها بيومين، عبر بيان، أصروا من خلاله على عدم التدخل بعمل المحقق العدلي طارق البيطار وعرقلة التحقيق، محذرين من "مغبة التفكير باستبداله"، قائلين: "ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً.. نحن أولياء الدم قضيتنا هي جريمة العصر، ويجب أن تخرج من التجاذبات الحزبية، الطائفية والمذهبية".


وتابعوا في بيانهم: "نحن أولياء الدم، نتوجه على مجلس الوزراء مجتمعاً، مصرين على احترام فصل السلطات، وبالتالي عدم التدخل بعمل المحقق العدلي طارق البيطار وعرقلة التحقيق.. نحن أولياء الدم نحذر من مغبة التفكير باستبدال القاضي أو ترهيبه، مهما زاد منسوب التهديد.. كفوا أيديكم عن القضاء"، في رفض صريح لحديث نصر الله.


التحقيق أو الحرب


ردٌ دفع مليشيا حزب الله، للحصر في زاوية المتهم، وعندها قررت المليشيا تخيير اللبنانيين، ما بين طمس التحقيق بانفجار بيروت وتغيير القاضي طارق البيطار، والقبول بالتضحية بمئات ضحايا انفجار بيروت، أو الدخول في حرب أهلية مع المليشيا وحلفاءها من طهران إلى دمشق وصولاً إلى الضاحية الجنوبية في بيروت.


فشهد محيط قصر العدل في بيروت، في منطقة الطيونة، اعتصاماً لمناصري "حزب الله" و"حركة أمل"، ضد القاضي طارق البيطار، علماً أن الطيونة شهدت اندلاع شرارة الحرب الأهلية (1975-1990)، لكونها طريقاً رئيساً يفصل بين أحياء ذات غالبية مسيحية، وأخرى ذات غالبية شيعية، وتحولت لاحقاً، إلى خط تماس خلال سنوات الحرب.


اقرأ أيضاً: بأسوار وجيش موحّد.. أوروبا تستعدّ لاحتلال القطب الثالث عالمياً

اعتصامٌ أثار ربما حفيظة بقية الفرق اللبنانية الداعية لاستكمال التحقيقات بشكل مهني، لتندلع شرارة المواجهة بين الطرفين، عبر إطلاق النار على محتجي (حزب الله وحركة أمل)، الذين قاموا بدورهم بالبرد على مصادر إطلاق النيران، في إشارة حقيقة إلى دنو لبنان أكثر فأكثر من منزلق الحرب الاهلية، فيما يبدو أن حزب الله أكثر الأطراف تشجعاً لها، كونها لو قامت (أي الحرب)، من الممكن أن تقضي على التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، وغيره من الملفات المُديّنة للمليشيا.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!