الوضع المظلم
الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
حرب اللقاحات.. تنافس سياسي غير نزيه ثمنه البشرية
صورة تعيرية. Shutterstock

انتظرت البشرية فترة طويلة من الزمن، بلغت أكثر من عام، إلى أن تم الإعلان عن تسجيل أول لقاح لفيروس كورونا من إنتاج روسي، هو "سبوتنيك V"، في أغسطس العام 2020، تلاه إعلان إنتاج أصناف أخرى من اللقاحات، أبرزها فايزر وموديرنا وسينوفارم وغيرها.


لكن خطوة فيروس كورونا على أرواح البشر، لم تدفعهم إلى التوحد الحقيقي في وجهه، إذ دخل إنتاج تلك اللقاحات في إطار الحروب السياسية والاقتصادية للدول المنتجة فيما بينها، وبدلاً من تشجيع السكان في مختلف الدول على تلقي اللقاحات، عمدت، كما لوحظ، الشركات والدول إلى الطعن في مصداقية وفعالية لقاحات الدول المنافسة، رغم أن الرأي العلمي (ومحتوى المقال ليس له صلة بذلك الجانب)، يقول إن تلقي أي نوع من أنواع اللقاحات المتوفرة في الدولة التي يقيم فيها الإنسان، كفيل إلى حدّ بعيد بحمايته من الأعراض الشديدة للفيروس.




لقاح كورونا (أرشيف). shutterstock لقاح كورونا (أرشيف). shutterstock

تنازع أوروبي روسي


شنّت موسكو، في الثامن من يوليو الماضي، هجوماً شديداً على فرنسا، بسبب دعوة باريس دول الاتحاد الأوروبي إلى عدم اعتماد اللقاحات الروسية والصينية ضد فيروس كورونا، حيث أكدت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، على أن تصريحات الخارجية الفرنسية بهذا الصدد غير مقبولة، معتبرةً إياها بأنها "هجين بين العنصرية والهيمنة الإمبراطورية والنازية الجديدة".


اقرأ أيضاً: حرائق تركيا.. محاولات للاستغلال السياسي وأخرى للتنصّل

وتابعت زاخاروفا أنّ تلك الدعوة تعكس عدم الاعتراف بالمساواة بين الشعوب بأكملها في الحقوق والفرص، ما ينتهك القوانين والأخلاقيات"، محملة باريس المسؤولية عن "دفع العالم نحو مواجهة في الوقت الذي يمر فيه بتحدي الجائحة البالغ الصعوبة"، معربةً عن استغراب روسيا الخاص من "الدم البارد والوقاحة والشراسة" التي تظهرها الدول الغربية في الفترة التي تخوض فيها البشرية الحرب ضد الجائحة، لافتةً إلى أنّ تلك الدول بمثل هذا السلوك تتخلّى بسهولة عن "قيمها الإنسانية" وتكافح من أجل تحقيق مكاسب مالية، دون الاهتمام بمصير ملايين البشر في العالم.


في حين قال السفير الروسي لدى واشنطن، أناتولي أنطونوف، في السابع من أغسطس الماضي، إن الدول الغربية تشنّ "حملة مستهدفة" ضد الأدوية الروسية، ولا سيما اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، مضيفاً أن "الغرب يرفض الاعتراف بأن إنجازات علمائنا (الروس) يمكن أن تساعد في ضمان صحة ورفاهية البشرية جمعاء".


اقرأ أيضاً: قطر وطالبان.. علاقة تطرف وطيدة يُستغرب من استغرابها

وذكر أنه على الرغم من جاهزية موسكو، للتعامل "على أساس شفاف وغير تمييزي" للتزويد باللقاحات المضادة لفيروس كورونا، فإنّ روسيا تصطدم بالتعامل بمعايير مزدوجة، مؤكداً أنه "عندما يتعلّق الأمر بصحة الناس وحياتهم، يجب ألا يكون هناك مكان للسياسة"، داعياً الشركاء إلى ضرورة إدراك ذلك في أقرب وقت ممكن، لافتاً إلى أنّه "فقط من خلال توحيد القوى يمكننا الانتصار في المعركة ضد الوباء".


نهاية كورونا بعيدة


وفي ظل التنافسية وعدم الإقرار من المتنافسين بجهود خصوهم، وغياب القابلية للتعاون، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن فيروس كورونا ينتشر عبر البلدان بشكل أسرع من اللقاحات، مشيراً إلى أنّ جائحة "كوفيد-19" ما تزال بعيدة عن الانتهاء.


اقرأ أيضاً: مطار كابل والأتراك.. مخططات للتمدد والسيطرة لا توافق بيدر طالبان

مشدداً على أنه إذا سُمح للفيروس بالانتشار فسيكون الملايين في خطر، مضيفاً أن الفيروس كلما زاد انتشاره، ظهرت "سلالات أكثر عدوى، وأكثر فتكاً، وأكثر مقاومة للقاحات"، مطالباً مجدداً بخطة تطعيم عالمية "لمضاعفة إنتاج اللقاحات على الأقل، وضمان توزيعها العادل"، ذاكراً أنّ خطة التطعيم العالمية ستوحد كل من لديه القوة والخبرة العلمية والتصنيع والقدرات المالية اللازمة.


إشكاليات تعترض اللقاحات


ونتيجة غياب التعاون الدولي، خرجت تقارير متضاربة حول جدوى وفعالية ومخاطر بعض اللقاحات، ومنها ما ذكرته منظمة الصحة العالمية، في العاشر من يوليو الماضي، من أن هناك صلة "محتملة" بين حالات الالتهاب في القلب واللقاحات التي تعتمد نفس تقنية "أر أن إيه" (الحمض النووي الريبوزي المرسال) ضد كوفيد.


وذلك عقب أن أعلنت السلطات الصحية الأمريكية، في الثالث والعشرين من يونيو الماضي، عن وجود صلة "محتملة" بين لقاحات ضد كوفيد-19 من لقاحي بايونتيك/فايزر وموديرنا، وحالات نادرة من التهابات في القلب لدى اليافعين والشباب، فيما حدّثت لجنة السلامة التابعة لوكالة الأدوية الأوروبية (EMA)، في العاشر من يوليو، المعلومات حول الآثار الجانبية للقاحي "فايرز - بيونتيك" و"موديرنا"، وبحسب تقريرها آنذاك، فإن استخدام اللقاحين يمكن أن يؤدي إلى التهاب عضلة القلب والتهاب التامور، ولكن هذه الأعراض تم تسجيلها في حالات نادرة للغاية.


اقرأ أيضاً: معقداً مهامها.. إخفاق أمريكي في الشرخ بين بكين وطهران

ثم قالت المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، في الثلاثين من أغسطس، إنه لم يجرِ تسجيل أية وفيات بالتهاب عضلة القلب بين الشباب ممن تم تطعيمهم بلقاحي "فايزر" و"موديرنا"، ووفق المراكز، جرى حتى ذلك التاريخ، الإبلاغ عن 2574 حالة أولية من التهاب القلب في البلاد، منها 1282 حالة بعد تلقي لقاح "فايزر" و557 بعد لقاح "موديرنا".


احتجاجات رافضة للتطعيم


وفي الوقت الذي تعاني فيه بعض الدول من نقص اللقاحات أو عدم توفرها بالشكل المطلوب، فإنّ دولاً أخرى، شهدت احتجاجات رافضة لإلزامية التطعيم، ومنها ما شهدته مدن فرنسية، في الرابع عشر من يوليو، رفضاً لإجراءات اتخذها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تتعلّق بالشهادة الصحية والتطعيم الإجباري لبعض القطاعات.


إذ أعلن ماكرون، وقتها، عن إجراءات واسعة النطاق لمكافحة زيادة سريعة في الإصابات الجديدة بفيروس كورونا، تشمل تطعيماً إجبارياً للطواقم الطبية وقواعد مرور صحية جديدة لعامة الناس.


اقرأ أيضاً: ليبيا ودبيبة.. إخفاقات قد تقود إلى تونس ثانية

وجاءت الاحتجاجات بذريعة أنّ خطة ماكرون تقيّد الحريات وتمارس التمييز ضد من لا يريد تلقي اللقاح، إذ ألزمت الخطة مراكز التسوّق والمقاهي والحانات والمطاعم بفحص تصاريح المرور الصحية لكافة العملاء، بدءاً من أغسطس، فيما قال ماكرون إن اللقاح هو أفضل سبيل لإعادة فرنسا إلى مسار الحياة الطبيعية، مضيفاً أنه يحثّ أكبر عدد ممكن من الناس على التطعيم.


العالم الافتراضي ليس بعيداً عن الحرب


أما في الواقع الافتراضي، فقد كانت هناك معركة من نوع آخر، إذ دافعت شركة "فيسبوك"، في السابع عشر من يوليو، عن نفسها بعد تأكيد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أنها "تقتل الناس" من خلال السماح للمعلومات الخاطئة حول لقاحات فيروس كورونا بالانتشار عبر منصّتها، وقالت "فيسبوك"، في مدونة بقلم نائب رئيس الشركة، جاي روزن، إن الحقائق مختلفة، مضيفاً: "تظهر البيانات أنّ 85٪ من مستخدمي "فيسبوك" في الولايات المتحدة قد تلقوا أو يريدون التطعيم ضد COVID-19".


اقرأ أيضاً: التخلّي عن أفغانستان.. أمريكا ومن بعدها الطوفان

بينما انتقد مستشار البيت الأبيض لشؤون كورونا، أنتوني فاوتشي، وسائل الإعلام التي تنشر معلومات مضللة عن اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، مؤكداً أنه "كان من المستحيل القضاء على مرض الجدري وشلل الأطفال لو وجد التضليل الحالي" حينذاك، وهو تصريح يختصر الكثير عن الحيرة التي بات عدد ليس بقليل من الناس يعيش فيها، خاصةً ممن لم يتلقوا اللقاح بعد، ما بين تلقي الأخير، أو المغامرة بالإصابة بالوباء.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!