الوضع المظلم
السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
حذاء مارادونا وكرش وليد المعلم
ثائر الزعزوع




عام ٢٠٠١ وخلال ورشة عمل بالتعاون مع منظمة اليونسيف، كان مطلوباً منا نحن المشاركين في الورشة أن نجيب على مجموعة من الأسئلة، أحد تلك الأسئلة كان من هو بطلك الشخصي؟، لم أتردّد كثيراً، ولم أفكّر سوى لثوانٍ، رغم غرابة السؤال، ولكنّي كتبت اسم دييجو أرماندو مارادونا، وقتها ابتسم مدير الورشة الإنكليزي، واعتبر إجابتي مفاجئة له، فقد اعتاد أن يقرأ أسماء “أبطال شخصيين” من نوع مختلف، وخاصة أنّ من يدربهم عادة يكونون إما صحفيين أو كتاباً، و لكن لماذا اخترت مارادونا؟


ببساطة، شكّل اللاعب الأرجنتيني الأشهر على مر العصور بالنسبة لي نموذجاً غير عادي للتمرّد، وللثورة، ابن الشارع الذي استطاع أن يحتلّ قلوب الناس في كل مكان في العالم، والذي تمرّد على كل ما هو معروف، كنت مراهقاً حين اكتشفت مثل كثيرين من أبناء جيلي بطلاً يدعى مارادونا، ليس سياسياً ولا عسكرياً ولا مثقفاً يرتدي ربطة عنق، لكنه كان صعلوكاً، خرج من أحياء الفقراء، ليكتب لنفسه مجداً عالمياً، قد لا يصل إليه أحد سواه، أن يصير الرقم واحد، وأن يحفظ مئات الملايين اسمه.


وأن يصير ملهماً للكثيرين، يقلدونه، ويريدون أن يسيروا على خطاه. واستطاع مارادونا أن يحقق لبلاده الكثير، وكان مقاتلاً لأجل اسم الأرجنتين، يقول أحد اللاعبين الذين كانوا معه في المنتخب الفائز بكأس العالم ١٩٨٦، كان “دييجو” يقول” “إنّنا يجب أن نحارب لأجل الفوز”. جملة قد يقولها الكثيرون، لكن شخصية مارادونا تجعلنا نعتقد أنّه يقصدها حرفياً، كان يريد أن يثأر من الإنكليز رياضياً، بعد أن هزموا بلاده عسكرياً، إثر الخلاف على جزر الفوكلاند عام ١٩٨٢.


واستمرّ مارادونا بعد بطولة كأس العالم التي نظمتها المكسيك عام ١٩٨٦، والتي باتت تعرف باسم «بطولة مارادونا»، يملأ الدنيا ويشغل الناس، مع نادي نابولي الإيطالي أو مع منتخب بلاده، أو حتى من خلال تصريحاته المثيرة للجدل، وحتى بعد اعتزاله اللعب لم يتوقف مارادونا عن احتلال مساحة واسعة في وسائل الإعلام، فقد أظهر ميوله اليسارية الكارهة للإمبريالية، والهيمنة الأميركية على العالم، وكان لا يفوّت فرصة دون أن يهاجم السياسة الأميركية، ومنها دعوته للخروج في مظاهرة حاشدة ضد زيارة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، للأرجنتين عام ٢٠٠٥. واعتبرت تلك المظاهرة من أكبر التظاهرات التي شهدتها العاصمة بوينس آيرس، كان مارادونا يتقدّم الصفوف، ويهتف ضد بوش.


هذه الخلطة المتمردة هي بكل بساطة تشكل نموذجاً خاصاً لشخصية دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، ورغم أخطائه الكثيرة، والتي يعترف بها هو نفسه، إلا أنّ تلك الأخطاء لم ترهق إرثه الكبير الذي تركه للرياضة، ولعشاقها في كل بقاع العالم، والذين استقبلوا خبر وفاته في ٢٥ تشرين الثاني المنصرم، وكأنّهم فقدوا عزيزاً على قلوبهم. ووقف اللاعبون في كل ملاعب العالم دقيقة صمت لروحه، ذرف الكثيرون الدموع الصادقة، غير مدفوعة الأجر، واستبدلوا صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي بصوره، يلعب الكرة، يدخن السيجار، يضحك، يلوح بقبضته، وتسابق المدربون والإعلاميون لتقديم شهاداتهم عنه، كلهم أجمعوا أنّه ظاهرة قد لا تتكرر، شخص استثنائي. وقد أعلنت الأرجنتين الحداد الوطني ثلاثة أيام حزناً على «أيقونتها» و«بطلها الشعبي».


قبل رحيل مارادونا بعشرة أيام تقريباً، مات وليد المعلم، وزير خارجية النظام السوري، وقد كتب عنه «بعض» المتملقين عبارات من مثل: عمل طيلة حياته لخدمة بلاده، والقضايا العادلة. وكتب أحدهم: قدّم الكثير لوطنه.


لكن طبعاً، وليد المعلم، لم يستحق من «بلاده» التي قدم لها الكثير أكثر من نعي رسمي في الصحيفة الرسمية، وجنازة عابرة سوف ينسى السائرون فيها من هو الميت أصلاً، وينشغلون بالتقاط صور للذكرى، يتظاهرون بالحزن عليه، ولن يجرؤ أي منهم على المطالبة بإطلاق اسمه على مرحاض في وزارة الخارجية التي كان وزيرها قرابة خمسة عشر عاماً، فالأسماء والألقاب والمتاحف للعائلة الحاكمة فقط، وأما من يخدمها، فلا يستحق أكثر من المشاركة في جنازته، بل إنّ إرسال إكليل من الزهور من قبل «ولي النعمة» لأسرته سيكون بمثابة وسام تعلقه عائلته في أعناقها.


كرش وليد المعلم المتهدل، صار تحت التراب، وهو يرى سوريا وقد تمزقت، وكان شريكاً في تمزيقها، ولن يتذكر أحد من «خدمته» تلك شيئاً، فسوف يجدون خادماً جديداً يقوم بالمطلوب منه، ينفذ ما يؤمر به، حتى وإن كان على حساب دماء أبناء سوريا وحياتهم.


أما حذاء مارادونا الذي كان ينتعله، والذي «شاط» به كرة أحرز منها هدفاً، فهو أسمى بكثير من كل ما قدّمه وليد المعلم وسواه لـ”بلدهم”.


بالمناسبة افتتحت العصابة الحاكمة في دمشق «متحفاً» يوثّق حياة شقيق رأس النظام، باسل الأسد، لكنها باعت للغزاة الإيرانيين بيت شاعر سوريا العظيم نزار قباني، وكأنّها تقول وبوقاحة لكل السوريين: نحن فقط ولا أحد سوانا.




ليفانت – ثائر الزعزوع








 






النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!