الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
جدار الفصل السوري
مها حسن

هل يكره السوريُّ السوريَّ؟ أم أن هذه الفكرة هي أيضاً من نتاج أوهامنا ومخاوفنا كسوريين؟ وهل يمكن تعميم هذه القاعدة؟

بعد عدة حالات وفاة لشباب سوريين (في سنّ الورد)، ارتأى بعض المتواجدين في أوربا، تأسيس مجموعة على الفيسبوك، تُعنى بمشاكل وهموم الشباب (من الجنسين) وتبحث عن حلول ومقترحات، لكيفية احتواء معاناة الفارّين من البلاد، وغير القادرين على التأقلم مع ظروفهم الجديدة.


(قلبي قلبك) كان اسم المجموعة، وهي مبادرة عاطفية في تكوينها الأوّلي، وكان يمكن أن تتحوّل إلى مشروع تلقائي جادّ، تُصب فيه جهود الخبراء، العاملين في مجالات التنمية النفسية والاجتماعية، ومساعدة اللاجئين السوريين المتواجدين في بلاد الاغتراب، لكن ماذا نقول والكل صار لديه خبرة طويلة من فشل وإحباط الكثير من المشاريع السورية!


كانت المجموعة في الأيام الأولى لتأسيسها، مليئة بالبوح وسرديات عذابات المنفى من جهة، وحكايات شخصية تستحق الكثير من الاحترام والالتفات إليها، حول حالات فقدان في الوطن، وانكسارات متعددة: تشرّد، نوم في الأماكن العامة، تعرض لاحتيال وابتزاز، اعتقال وتعذيب... وبدا أعضاء المجموعة بمثابة أفراد عائلة، يتعاطفون مع صاحب أو صاحبة الحكاية، ويقدمون الدعم العاطفي ومقترحات منها المهني ـ العلمي، ومنها الانفعالي الطيب المُحبّ.


وكما حدث في جميع التجارب السابقة، عبر تسع سنوات من المقتلة السورية، وفشل السوريين في تأسيس كيان واحد يُتّفق عليه، ورغم توجّه المجموعة الإنساني صوب مشاكل السوريين الشخصية، والابتعاد عن الأجندة السياسية، لكن النزاعات والانقسامات سرعان ما راحت تظهر، وسيطر السؤال ذاته الذي تسبب في إحداث الشروخات بين أعضاء المجموعة، وأدّى إلى انسحاب عدد لا بأس به، السؤال الذي يطرحه كل سوريّ تأذّى من النظام: هل يمكننا فعلاً فصل السياسة عن لقاءاتنا وحواراتنا؟


يتوق البعض إلى محاولة تأسيس تجمّع تلقائي، بعيد عن العقلية الانتهازية للمشاريع السياسية، خاصة تلك المموّلة من جهات، تفرض مسبقاً توجهاتها وأهدافها. كما كانت الثورة السورية في البدء، مشروعاً تلقائياً حالماً، قام به شباب أبرياء ونبلاء، لا يمتلكون أجندة سياسية، وكما يتّفق أغلبنا، أن ما حوّل هذه الثورةـ الحلم، إلى اقتتال، هو تدخّل رجال السياسة، واختطاف الثورة لاحقاً، واستئثار الانتهازيين بمراكز القرار، فانفصلت عن مصالح وتطلعات الشعب السوري، أو الجزء المُنتفض منه. لهذا جاءت بعض الأحلام الداعمة لهذه المجموعة، منتظرة تجميع السوريين، ولمّ شملهم في المنافي، بل والتقريب بين جميع المكونات، وردم التناقضات القاتلة لنا جميعاً: معارضة الداخل ـ معارضة الخارج، مؤيّد، معارض، شبيح النظام، شبيح المعارضة....بغية خلق عقد اجتماعي سوري جديد، يضمن لكل مواطن حقّه في انتمائه السياسي والديني واختلافه عن شريكه في الوطن، ضمن قاعدة الاحترام.


لكن خطاب الكراهية الجاهز، كان بالمرصاد، وبدأت الانتقادات ترِد تباعاً، ثم تحولت إلى موجة من التهكّم، ثم أخذت شكل التُهم الجاهزة، وكأننا لم نتعلّم خلال السنوات الماضية، ولم نستفد من تاريخ الفشل الذي مُنّينا به.


يبقى السؤال مفتوحاً كجرح لا يلتئم: لماذا نفشل نحن السوريين في خلق مساحة من الحوار دون توجيه تُهم مسبقة، ودون الخروج من قمقم الكراهية؟

هل نحلم يوماً، كسوريين، في قبول بعضنا للآخر، دون محاولة تغييره أو فرض أفكارنا عليه، وإما نشتمه ونشهّر به، ونثير حوله عاصفة كبيرة من الكراهية والاحتقار؟

ألا يتضمن هذا القدْر الهائل من كراهية أحدنا للآخر، كمية كبيرة من كراهية الذات؟ هذه الكراهية التي تفصلنا عن أحلامنا بعالم آمن ومسالم وحر، الكراهية التي هي اليوم، أكبر جدار يفصل بين السوريين.


مها حسن - كاتبة وروائية

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!