الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
تلميع المسلخ البشريّ السوريّ
عبير نصر

تبدأ من الجَلْد والصعق الكهربائي وتسميات "الفيل" و"السنونو" و"المغلّف" و"صلب المسيح" و"الكرسي الألماني" و"بساط الريح" و"الغسالة" و"الشبح"، ولا تنتهي بالتأكيد بالضرب على الأعضاء التناسلية والاغتصاب وإحراق الأجساد الحية والحبس في زنازين مزدحمة بالأمراض والفضلات البشرية.

هذه المقدمة ليست دعاية تسويقية مثيرة لفيلم رعب هوليودي سيصدر قريباً، إنما غيض من فيض أساليب التعذيب في المسلخ البشري السوري، إذ ارتبط اسم الأسد ونظامه بعمليات قتل و"تعذيب ممنهج" بحقّ معارضيه في المعتقلات خاصة بعد 2011، وهو ما وثقته منظمات حقوق إنسان دولية عديدة. وربما تكون "صور قيصر" وتقرير "المسلخ البشري" الذي أصدرته منظمة "العفو الدولية" عام 2017 الأشهر من بين مئات التقارير والدلائل الحقوقية، حيث كشفت المنظمة في التقرير عن حالات إعدام جماعي شنقاً نفذها النظام السوري بحقّ /13/ ألف معتقل في سجن صيدنايا، أغلبيتهم من المدنيين المعارضين، وذلك بين عامي 2011 و2015، واصفة السجن بأنه "المكان الذي تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء".

وبحسب تقرير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" الصادر بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، قُتل 14 ألفاً و537 سورياً تحت التعذيب، بين آذار 2011 و2021، على يد أطراف الصراع المختلفة في سوريا، وكان النظام مسؤولاً عن مقتل معظم ضحايا التعذيب بنسبة 98.63%. ولا يخفى على أحد أنّ نظام السجون كان جزءاً لا يتجزأ من جهود الأسد الحربية، التي تتضمن سحق حركة الاحتجاج المدني والدفع بالمعارضة إلى صراعٍ مسلح لا يمكنها الفوز به. بالتساوق مع ما سبق، وبمباركةٍ صريحة من موسكو، أكدت دمشق مقتل ما لا يقلّ عن عدّة مئات من الأشخاص حين كانوا محتجزين، من خلال إصدار شهادات وفاتهم، في خطوة غير بريئة على الإطلاق، بقصد إرسال لغزٍ وقح وواضح للمواطنين مفاده: "لقد فزنا، وارتكبنا هذا، ولن يُعاقبنا أحد".

المفارقة العجيبة، أنّ النظام السوري الذي يقرر اليوم حكمَ الإعدام إذا نجم عن التعذيب موتُ إنسان أو تمّ اغتصابه، إضافة إلى السجن المؤبد إذا وقع التعذيب على طفلٍ أو شخص ذي إعاقة، هو النظام ذاته الذي اعتقل أكثر من /4500/ طفلاً دون الثامنة عشرة، بينما يحتجز ما يزيد عن /215/ ألف معتقل في سجونه دون الإفصاح عن مكانهم وأسمائهم، بحسب إحصائيات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان".

وفي التفاصيل، أصدر رأسُ النظام السوري قانوناً يجرّم التعذيب في خطوة "لم يجد السوريون لها أي تفسير"، فيما أثارت الكثير من التساؤلات، وعما إذا كانت تنمّ عن "حالة انفصام عن الواقع"، أم أنها تأخذ مسارات أخرى، لاعتبارات خارجية أكثر من داخلية. ونشرت وكالة "سانا" تفاصيل القرار، الذي حمل رقم /16/  للعام 2022، وينصّ على "العقوبة بالسجن لمدة /8/ سنوات على الأقل لكلّ من ارتكب عملية تعذيب، أو شارك فيها، أو حرّض عليها، سواء كانت للحصول على اعتراف، أو تحقيق لمآرب شخصية، أو مادية، أو سياسية، أو بقصد الانتقام، وبالسجن /10/ سنوات على الأقل لكلّ من ارتكب التعذيب بحقّ موظف، بسبب ممارسته لمهامه". وينصّ أيضاً على "اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان الحقّ في الإبلاغ عن التعذيب، وتوفير الحماية لمقدم الشكوى، والحفاظ على السريّة، وحماية الشهود والخبراء وأفراد أسرهم". لا ريب أنّ القانون الجديد لا يقدّم إنصافاً لضحايا التعذيب السابقين، ولا يشمل أيّ تدابير حماية للشهود أو ضحايا التعذيب، ولا يذكر ما إذا كانت أسر الضحايا ستتلقّى تعويضات في حالة وفاتهم. والأهمّ من ذلك، لم يذكر أيّ إجراءات يمكن اتخاذها لمنع حصول التعذيب في مراكز الاحتجاز والسجون في المستقبل.

القانون يعود في أساسه إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1984، وهي نافذة منذ عام 1987، وانضمت سوريا إلى الاتفاقية عام 2006، وبموجب بنود الاتفاقية يجب على أيّ دولة تنضم إليها تعديل تشريعاتها بما يتلاءم مع الاتفاقية، إلا أنها تأخرت في إصدار القانون بسبب "الحرب"، وفقاً لتبرير رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في حكومة النظام، أحمد الكزبري. جدير ذكره أنه في سبتمبر 2020 أعلنت هولندا أنها أبلغت النظام السوري نيّتها محاسبَته على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لا سيّما التعذيب، بموجب "اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. وردّ النظام، حينها، بالقول إنّه لا حقّ لهولندا في التعاطي مع ملفات حقوق الإنسان لديها، والإجراء، لا شك، "قفز فوق الأمم المتحدة والقانون الدولي". على هذا ثمّة من يؤكد أنّ "الهدف الرئيس من قانون الأسد هو التحرك القضائي الذي بدأته كندا وهولندا باتجاه محكمة العدل الدولية بهذا الشأن". وقد لا تقتصر أهداف النظام من القانون الجديد على ما سبق، بل تذهب إلى محاولات لإعادة "تلميع الصورة الدموية"، في وقت تكثر فيه التحركات الجادة من أجل "إعادة الأسد للحظيرة العربية".

بطبيعة الحال، يشكّلُ "نظام التعذيب الوحشي"، جوهر النظام السوري وأساسه، هو الذي شيّد نفسه على أجساد السوريين وآلامهم، وصنع محبةً زائفة من شعب خائف. وإذا جاز، من حيث المبدأ، انتظار أيّ سلوك من نظام همجي السياسات، وحشيّ الأدوات، لا حدود لسعاره في اقتفاء أثر المعارضين، فإنّ القانون الجديد كفيلٌ بنقل مدارات السلطة إلى مستوى من الصفاقة غير مسبوق. وقد يتساءل متسائل: لماذا يصدر الأسد قانوناً كهذا، إذا كانت "الجهات المختصة" لن تلتزم به، خاصة أنّ هذا النظام/ المزرعة لا دستور يحكمه، ولا قانون يسري فيه، بينما يستغفل عقول الناس عن طريق القوانين الخلبية، والمراسيم التهريجية، بقصد تحويل الأباطيل الكاذبة إلى مكاسب أكثر كذباً. فمن ذا الذي، في وزارة عدل النظام أو على صعيد قضاته ومحاكمه، سوف يجرؤ على استدعاء عريف عامل في أيّ من عشرات الأجهزة الأمنية، فما بالك بالألوية والعمداء والعقداء؟. حيث أكدت نيويورك تايمز، بأنّ المذكرات الحكومية المكتشفة حديثاً تُظهر أنّ المسؤولين السوريين الذين يقدّمون تقارير مباشرة إلى بشار الأسد على علم بالفظائع التي تتمّ بالسجون، وأنّهم حرصون على حماية المتورطين في أعمال التعذيب من المقاضاة مستقبلاً.

نافل القول إن نظام التعذيب كان العصا الحديدية التي سحق بها حافظ الأسد انتفاضةً مسلحة للإخوان المسلمين في حماة، وسوّى جزءاً كبيراً من المدينة بالأرض، كما اعتقل عشرات الآلاف من الناس، منهم الإسلاميون واليساريون والمدنيون الأبرياء على حدّ سواء. وعندما خلف الابن والده أبقى نظام الاعتقال على حاله، فكان احتجاز وتعذيب عدد من اليافعين، في آذار/ مارس 2011، بسبب رسمٍ على الجدران فيه نقد للأسد، هو السبب المباشر لإشعال فتيل الثورة السورية.  

يفيدنا أن نذكر سؤالاً وُجّه لبشار الأسد بعد إنكاره لتقارير المسلخ البشري الذي أصدرته منظمة العفو الدولية، فقط لفهم العقلية الخبيثة التي يتبناها هذا الرجل الزئبقي: "هل تعلم ماذا يجري داخل سجن صيدنايا؟"، أجاب الأسد: "أنا في القصر الجمهوري ولا أعيش في السجن ولا أعرف ما يجري هناك، لكنني أعرف ما يحدث في سوريا أكثر من العفو الدولية، التي تضع تقاريرها استناداً لمزاعم".

ليفانت - عبير نصر

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!