الوضع المظلم
الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
  • تعويم "الأسد" في سوريا.. سيولة إقليمية لتمرير مصالح الشركاء وليس تجديد شرعية نظام "الكبتاغون"

تعويم
 ثائر الأحمدي

ثمّة محاولات محمومة لتعويم بشار الأسد. هذه المحاولات جرت بواسطة أطراف إقليمية كانت على عداء مباشر مع نظام البعث في فرعه السوري كما في الفرع العراقي، بل مثّل تهديداً لتلك الأنظمة في الخليج، لدرجة جعلت هذه الممالك تنعطف قليلاً تجاه إيران التي تراجعت في مستوى التهديد أمام بغداد وأمست الأخيرة أولوية قصوى.

المفارقة أن كل منهما، سواء الأسد أو صدام حسين "مجرم حرب" بلغة القانون والتقارير الحقوقية الأممية والمحلية. وهذا توصيف ليس فيه مبالغة سياسية. غير أن التحولات البراغماتية التي تجري بالمنطقة وتبعث باصطفافات إقليمية جديدة تؤشر إلى وجود قوى مثل الصين وروسيا تقود مصالحات مجانية في دمشق على حساب الشعوب التي تقع تحت وطأة الموت اليومي الذي أصبح عادياً أو بتعبير أدق أمام "وقائع موت معلن". كل ذلك لتحقيق أهداف اقتصادية وأمنية وملء فراغ واشنطن في مناطق نفوذها التقليدية.

المصالحة التي تقودها موسكو بين الأسد ورجب طيب أردوغان تماثل الاتفاق الثلاثي الذي نجم عنه هذا التقارب بين طهران والخليج وانفتاح سياسي بينهما وقد امتدت تداعياته على الملف السوري ثم أعلنت المملكة العربية السعودية شروعها في فتح سفارة بدمشق. نظرة مباغتة وفاحصة ستجد أن الأطراف التي تقف على قمة هذه التفاهمات الإقليمية يتشاركون في صفة هي دعم الاحتلالات بسوريا. بالتالي، يحتاج كل طرف إلى إعادة تقسيم أو بالأحرى إيجاد آلية لتوزيع عائدات الحرب وإدارة الصراع.

الصراع في سوريا والحرب المتوحشة التي قادها الأسد ووكلاؤه المحليون والإقليميون، تصل إلى درجة "صدام الهمجيات" على حد تعبير المفكر اللبناني جلبير الأشقر، وهي الحرب التي أدارها وحرف مسارها الرئيس السوري من خلال تطييفها منذ أفرج عن الجهاديين في سجونه القمعية وأطلق سراحهم لـ"دعشنة الثورة" التي بدأت مدنية علمانية ديمقراطية وبالتالي يجد فرصة بفتح جيوب عنف طائفي للتشويش على جرائمه الحقوقية. غير أن هذا الصراع الذي نجم عنه أزمات إقليمية وتنافس دولي هائل بفعل تدخلات هؤلاء اللاعبين في الأزمة السورية تقع تحت وطأة معضلات عديدة، وتباينات متفاوتو، بداية من مناطق النظام، ووكلائه الروس والإيرانيين، مروراً بالمعارضة المسلحة في شمال غربي سوريا والمدعومة من تركيا، وحتى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية المدعومة من أميركا.

وفيما يبدو أن الخرق الإقليمي الذي يحدث له تفاصيل وملابسات عديدة، فالرياض تسعى لإنهاء الحرب اليمنية التي كبدتها خسائر تتجاوز مئة مليار دولار، ومن ثم، تجد نفسها مستجيبة لمبادرة الصينية الديبلوماسية، لا سيما أن إدارة جو بايدن رفعت من طاقة الضغط على حلفائها في ظل الانسحاب من المنطقة، وتخفيض عدد القوات، بالإضافة لتراجع الدعم العسكري للعمليات الهجومية التي تنفذها الإمارات والسعودية باليمن، بمجرد مجيء بايدن للحكم، ومن بينها مبيعات الأسلحة. وثمة رغبة إيرانية في الانفتاح على دول الخليج، أهم أسبابها تشتيت جهود إسرائيل التي تستهدف بناء تحالف لضرب المشروع النووي.

وتعد الشراكات الاقتصادية في منطقة الخليج بموقعها الجيوستراتيجي المهم أولوية قصوى لدى طرفي الصراع سواء إيران أو الرياض. فأبو ظبي هي الشريك التجاري الثاني لإيران بعد الصين. فتم استيراد بضائع بقيمة 13.6 مليار دولار بما يعد 31 بالمئة من كافة الواردات على مدار الأشهر العشرة الأولى من العام الإيراني الذي سينتهي قريباً، وفق الإحصائيات الرسمية الإيرانية.

ووفق الأرقام ذاتها لدى الجمارك الإيرانية، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد بلغ نحو 21 ملياراً و400 مليون دولار في الفترة بين عامي 2021 و2022، وصل

وعليه، يمكن القول إن التفاهمات الأخيرة التي تصب في صالح الأسد وتؤدي إلى تعويمه في نطاقات محدودة بالدرجة التي تسمح بسيولة من حوله دون تجديد شرعيته التي فقدها، أو استعادة سمعته الدولية التي تحفل بجرائم تماثل وقائع عنف قروسطية، تهدف إلى تخفيض حالة الصراع بالمنطقة، وحلحلة القضايا المأزومة، مع التضييق على الميليشيات والجماعات المسلحة.

والنظام السوري يتفوق في جرائمه الموثقة وخروقاته الحقوقية من خلال استمرار دعمه وتحالفه مع شبكات من تجار الكبتاغون وقد أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية بالتنسيق مع الحكومة البريطانية، عقوبات استهدفت مسؤولين كباراً في النظام السوري ومقربين من الرئيس بشار الأسد وعدداً من اللبنانيين المرتبطين بعلاقات مع حزب الله، لقيامهم بإنتاج والاتجار في مخدر "الكبتاغون" غير المشروع في سوريا للحصول على مليارات الدولارات.

وقالت أندريا جاكي، مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية: "أصبحت سوريا رائدة عالمياً في إنتاج (الكبتاغون) الذي يسبب الإدمان، ويتم تهريب الكثير منه عبر لبنان". وشددت على التعاون بين الولايات المتحدة وحلفائها لمحاسبة أولئك الذين يدعمون نظام بشار الأسد بإيرادات المخدرات غير المشروعة وغيرها من الوسائل المالية التي تمكن النظام من القمع المستمر للشعب السوري.

وأدرجت الخزانة الأمريكية على قائمة العقوبات سامر كمال الأسد (ابن عم الرئيس الأسد) الذي يشرف على منشآت إنتاج "الكبتاغون" الرئيسة في اللاذقية التي يسيطر عليها النظام، بالتنسيق مع الفرقة الرابعة وبعض المنتسبين لحزب الله. وقال بيان وزارة الخزانة إنه في عام 2020، تم ضبط 84 مليون حبة "كبتاغون" منتجة في مصنع يملكه سامر الأسد في مدينة اللاذقية، تقدر قيمتها بنحو 1.2 مليار دولار في ميناء ساليرنو الإيطالي، كما يمتلك سامر الأسد مصنعاً لإنتاج "الكبتاغون" في منطقة القلمون بالقرب من الحدود السورية - اللبنانية. وفرضت الخزانة عقوبات ضد وسيم بديع الأسد (ابن عم الرئيس الأسد) المعروف بدعم الجيش العربي السوري في أدوار مختلفة، تشمل قيادة ميليشيا "كتائب البعث"، وهي وحدة شبه عسكرية تحت قيادة الجيش العربي السوري، ودعوته علناً إلى تشكيل ميليشيات طائفية لدعم النظام. وقالت الخزانة الأميركية إن وسيم الأسد كان شخصية رئيسية في شبكة تهريب المخدرات الإقليمية؛ إذ دخل في شراكة مع موردين رفيعي المستوى لتهريب المواد المهربة و«الكبتاغون» ومخدرات أخرى في جميع أنحاء المنطقة، بدعم ضمني من النظام السوري.

وطالت العقوبات عماد أبو زريق، وهو قائد سابق في الجيش السوري الذي يقود ميليشيا تابعة للمخابرات العسكرية السورية، وقالت الخزانة الأمريكية إن أبا زريق كان له دور مهم في تمكين إنتاج المخدرات وتهريبها في جنوب سوريا. وكان يقود مجموعة ميليشيا تسيطر على معبر "نصيب" الحدودي المهم بين سوريا والأردن، واستخدم سلطته في المنطقة لبيع البضائع المهربة، وتهريب المخدرات في الأردن.

هذه الحمولات السياسية يمكن رؤيتها في حديث المصالحة المتكرر مع أردوغان. إذ إن الأسد لا يفوته في موسكو أن يبعث برسائل لنظيره التركي، ثم يؤكد على احتياجه المتزايد للقوات والقواعد الروسية في دمشق. مرة أخرى، اشتهاء الاحتلالات بين أنظمة مافياوية ونخبة أوليغاركية تسعى وراء الثروة والسلطة. لكن هذا التحول وتلك الانعطافات ستؤدي إلى ضغوط جمة على الملف الكردي، تحديداً مناطق الإدارة الذاتية، في شمال شرقي سوريا. ولن يجد الأكراد في مناطق الاحتلال الكردي مفراً من البحث عن بدائل خارجية للحصول على حقوقهم السياسية والاحتماء من قبضة العنف الخشن القادم والمحتمل.

ولا يمكن بعد ذلك إغفال التحركات الخارجية من زيارة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني للإمارات ثم العراق، وقبلها وزير الخارجية الإيراني الى تركيا، والمتزامنة مع زيارة وزير الخارجية التركي الى واشنطن، بهدف الوصول للمقاربة الآمنة لتعويم الأسد وعودته للحاضنة العربية. وهناك الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق في الوقت ذاته، وعرضه استضافة قمة تجمع بين الرؤساء السوري والتركي والروسي. وكل ذلك يكشف عن انخراط استكشافي لأطراف إقليمية بينما تتقاطع بينها المصالح.

ليس ثمة شك أن القضاء على الكرد هو هدف مشترك بين روسيا وإيران وتركيا. فأنقرة تصف الأكراد بأنهم يمثلون "تهديداً لأمنها القومي"، وتصنف "وحدات حماية الشعب الكردية" منظمة "إرهابية"، بينما تعتبرها ضمن "حزب العمال الكردستاني" الذي يخوض صراعاً مع تركيا، منذ ثمانينات القرن الماضي.

ولروسيا في هذا السياق أهداف براغماتية متمثلة في تصفية الكرد باعتباره الحليف المحلي لواشنطن. لكن الأسد اشترط إنهاء "الاحتلال" التركي ليحل محله احتلال آخر إيراني روسي. فالمناطق الغنية بالنفط، في شمال شرقي روسيا يسيل عليها لعاب فلاديمير بوتين كما يشتهي الآيس كريم في شوارع موسكو بصحبة ضيفة التركي ولا ينسى دفع النقود القليلة والذي سوف تلتقطه عدسات الصحافة.

ولا يمكن بعد ذلك إغفال التحركات الخارجية من زيارة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني للإمارات ثم العراق، وقبلها وزير الخارجية الإيراني الى تركيا، والمتزامنة مع زيارة وزير الخارجية التركي الى واشنطن، بهدف الوصول للمقاربة الآمنة لتعويم الاسد وعودته للحاضنة العربية. وهناك الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق في الوقت ذاته، وعرضه استضافة قمة تجمع بين الرؤساء السوري والتركي والروسي. وكل ذلك يكشف عن انخراط استكشافي لأطراف إقليمية بينما تتقاطع بينها المصالح.

ليفانت - ثائر الأحمدي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!