الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
بين نوروز 1986 وربيع دمشق وثورتها
حواس محمود


في عام 1986 حدثت مظاهرة كبرى في دمشق عندما منع النظام كرد دمشق الانتقال عبر حافلات إلى أماكن الاحتفال بعيد نوروز، وهو العيد القومي السنوي للكرد، الذي يجري في كل عام دون مضايقات أو منع يذكر، لكن على غير المعتاد جرى منع هذا الاحتفال بالعيد، مما أدى الى غضب الشارع الكردي بدمشق، فخرج للاحتجاج متوجهاً إلى القصر الجمهوري بدمشق، وعندما اقترب المتظاهرون منه -القصر الجهوري- أطلق الحرس الرصاص عليهم، فأردوا كردياً من الجزيرة قتيلاً كان يعمل بدمشق ويدعى سليمان أدي. نوروز 


انتشر الخبر كالنار في الهشيم في كل أنحاء سوريا، وبخاصة المناطق الكردية، مع نقل جثمانه من دمشق إلى القامشلي، حيث وري الثرى بمنطقة جرنك، في تلك الفترة كنت طالباً في جامعة حلب، وكنت بإجازة وقتها إلى مدينتي القامشلي، كان الكرد في كل مكان حديثهم وشغلهم الشاغل هو ما جرى في دمشق، وكإشراقة عقلية مفاجئة خطرت لي فكرة لحل المشكلة (حين كنت اتمشى وصديقي في أحد شوارع قامشلي) وضمان عدم تكرار الحدث في الأعوام القادمة، لأن كما يقولون كان حدث دمشق هو بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير (إذ إنّ العديد من الطلاب والطالبات في الثانويات بمناطق الكرد، وبخاصة في قامشلي، كانوا يتعرّضون للاضطهاد، وكان مدربو الفتوة، وهي مادة عسكرية تدرس في ثانويات سورية، يحرجون الطلاب بأن يضعوا امتحان المادة في نفس اليوم المصادف لعيد النوروز، عن سابق قصد وتصميم ،وعندما يغيب الطلاب لأنّهم سيذهبون للاحتفال بعيد نوروز يتعرضون لعقوبة الزحف على أصابع اليدين والقدمين والفلقات وغيرها من أنواع التعذيب الجسدي والنفسي).


أقول إنني وضعت الحل للمشكلة من خلال حديثي مع صديقي من قامشلي، وقلت له إنّ الرئيس حافظ الأسد إن كان ذكياً –وكنت أتوقعه كذلك– سيقوم بإصدار مرسوم باعتبار يوم 21 عيداً للأم بشكل رسمي، وتعطل المدارس في ذلك النهار، إذ إنّه قبل 21 اذار 1986 لم تكن الدولة السورية تعطل الدوائر بمناسبة عيد الأم، وبهذا استطاع الأسد أن يخرج من الإحراج السنوي الذي كان سيقع به كما في 1986. نوروز 


كنت دوماً أحاول القراءة في عقل المستبد ولذلك كنت أتجنّب ضرره علي قدر الإمكان، وحتى إنّني نصحت الشهيد مشعل تمو في عام 2000، عندما استلم بشار الأسد النظام عن أبيه بالوراثة، وانتشرت المنتديات في معظم المحافظات والمدن السورية، حيث ربيع دمشق كما سمّوه -إذ كان من أعزّ الأصدقاء لي- بأن لا يلجأ إلى الإعلان عن نشاطات منتدى جلادت بدرخان الثقافي (الكردي)، إذ كنا نلتقي قبل ذلك كنخبة ثقافية فكرية بصورة شبه سرية في شقق ونناقش قضايا فكرية وثقافية، وكنا نشعر بالارتياح، بعيدين الى حدّ ما عن أعين الأمن ومضايقاته المتعددة، قلت للشهيد مشعل تمو إنّ الأمن لن يسمح لك بافتتاح هذا المنتدى، لكنه أصرّ على ذلك، فما الذي جرى؟


أصرّ الشهيد مشعل تمو على تفعيل نشاطات منتدى جلادت بدرخان الثقافي بشكل علني في القامشلي، وعاونه في ذلك الكثير من الناشطين والكتاب، وأبرزهم الكاتب محمد أمين محمد، ومروان عثمان، وبعد أن قدّم المنتدى ندوة أو ندوتين استشاط الأمن السوري في القامشلي غضباً، وتم إغلاق المنتدى كما كل منتديات سورية، وتعرّض مؤسسو المنتدى للتعذيب الشديد، وهذا أثبت مقولتي للشهيد مشعل تمو، من أنّ الأمن لن يسمح بافتتاح منتدى علني، إذ لا يعقل أن تقبل السلطة السورية أن تقام نشاطات علنية مضادة ومنتقدة لسياساتها تجاه الشعب، وكان أصحاب تلك المنتديات مخدوعين بأقوال بشار الأسد التي كانت تظهر وكأنها تحارب الفساد وتدعو للديموقراطية.


في الحقيقة كانت تلك المقولات المروّجة لنظامه لتسويقه إلى الشعب لقبوله، وللأسف، انطلت اللعبة على الكثيرين من نخب الشعب السوري. ففي ربيع عام 2010 جرت تظاهرات اللاجئين الكرد في قبرص لتسوية أوضاعهم، إذ إنّ معظمهم كان يعمل هناك دون أن يكون لديهم إقامات نظامية، قامت السلطات القبرصية باعتقال مجموعة منهم وترحيلهم إلى سورية عبر طائرات سورية، حينها كنت أقيم في كردستان العراق، وكنت متابعاً للحدث، وتوقعت أن لا تلجأ السلطات السورية لاعتقالهم من المطار لكي لا تنكشف ممارسات النظام إعلامياً باعتبار الحدث ما يزال ساخناً، وإنّما تسجيل بياناتهم بعد دخولهم الأراضي السورية لاستجوابهم واعتقالهم فيما بعد، عندما يكون الحدث أصبح قديماً بعض الشيء ومنسياً، وصدق توقعي بشكل مؤكد، إذ عندما تم اعتقالي عند عودتي من كردستان العراق، في 12 يناير 2011، إلى مدينتي القامشلي، والقبض علي من معبر نصيبين الحدودي بين تركيا وسوريا، وإيداعي فرع الامن السياسي بالحسكة. نوروز 


تعرفت في الزنزانة المنفردة _كانوا يضعون أكثر من شخص في الزنزانة المنفردة_ على أحد هؤلاء الأشخاص ممن رحلتهم السلطات القبرصية إلى سوريا، إذ قال لي إنَ النظام لم يعتقله فور عودته إلى سوريا، إنما بعد مدة من الزمن.


وعند اشتعال الثورة السورية، وعندما كانت تعم المظاهرات سورية، كان إعلام النظام يدّعي أنّ هناك مندسين هم الذين يطلقون النار على المتظاهرين، وليست السلطة هي من يطلق النار وتقتل المتظاهرين، قلت لبعض أصدقائي: أستغرب كيف أنّ النظام السوري لا يضع بنادق بجانب جثث القتلى ليقول ها هي أسلحة المسلحين الذين يغتالون المتظاهرين، وإذ بي في أحد الأيام وأنا أشاهد تلفزيون النظام أجد مقطعاً مسرباً إلى الإعلام يبيّن صدق قراءتي للعقل الأمني للنظام، إذ يضع رجال النظام بنادق بجانب جثث الشهداء في المظاهرات في تلك الفترة، لا أتذكر تاريخها بالضبط، ربما في نهايات عام 2011 . نوروز 


ليفانت – حواس محمود 







 



النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!