الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • بين نظام متهالك وشعب منهك.. من المتضرّر من قانون قيصر؟

بين نظام متهالك وشعب منهك.. من المتضرّر من قانون قيصر؟
عبيدة الجميدة


انقسم الشارع السوري، المنقسم أصلاً، إبان صدور قانون قيصر والشروع بتطبيقه، في السابع عشر من الشهر المنصرم، بين مؤيد ومعارض. نظام 


فالمعارضون للنظام، والذين يشكلون السواد الأعظم من السوريين، يرون في القانون وسيلة انتقام من الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، ويرقبون، من خلاله، آمالاً لعودة الديار التي انتزعوا منها. أما الموالون، فيرون في القانون مؤامرة صهيوأمريكية، تم صنعها بمشاركة معارضة الخارج، الممولة غربياً، بهدف إسقاط نظام المقاومة والممانعة. وبين مؤيد ومعارض يتبادر للجميع السؤال الأكثر شيوعاً، من المتضرر من تطبيق قانون قيصر؟ هل هي القيادة السورية متمثلةً برأس النظام؟ أم الشعب السوري المتبقي في الداخل، والذي قاوم كل أشكال الحروب، ابتداءً من براميل النظام حتى رغيف الخبز الذي أتمتته الحكومة التكنولوجية وبات يباع ببطاقة ذكية؟

هل سيكون قانون قيصر المقصلة التي ستودي برأس النظام؟ أم أنّها ستجهز على آخر أنفاس الشعب السوري، شعب الأزمات؟ الإجابة عن هذا السؤال مرهونة باعتراف الجانب الممثل للنظام بقانون قيصر. فبالتزامن مع صدور القانون، خرج وليد المعلم مصرّحاً أنّ القانون ليس إلا مؤامرة تتزعمها أمريكا، تستهدف الدولة السورية، وتفتح الباب لعودة الإرهاب لما كان عليه في عام ٢٠١٢.

وأشار المعلم في حديثه إلى رؤية الدولة السورية في معالجة القانون المزعوم، حيث ستستغل القانون في تعزيز الاعتماد على الذات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستفادة من دعم الحلفاء، وهكذا حسب المعلم، تحول القيادة الحكيمة كعادتها المحنة إلى منحة.

فيما ذهب آخرون إلى إنكار وجود قانون قيصر، فما هو إلا فيلم هوليودي، كأفلام القبعات البيضاء، والكيماوي، المنتجة في إدلب، وبأحسن حالاته، أي قيصر، هو شخص غير مهني، سرّب ونقل ما لا يجب نقله، حسب (معارضي) الداخل. أما رأس النظام بشار الأسد، كعادته تساءل، من هذا قيصر؟ ولا يوجد شيء اسمه قانون قيصر.


وبمعرض ردّهم على القانون، يتحدّى الناطقون الرسميون باسم النظام قانون قيصر، كما تحدّوا من قبل جميع الشرائع والأعراف، وما زالوا يراهنون على دعم الحلفاء، وأنّ الحصار لا يسقط دولاً ويشددون على دور الحاضنة الشعبية للنظام وعلى قوة الدولة. لكن يبدو أنّهم نسوا أو تناسوا، أنّ تطبيق القانون سيصيب النظام، المصاب أصلاً بالشلل، ويجعله عاجزاً عن دفع رواتب مأجوريه من قتلة ومرتزقة.

وإن راهنوا على دعم خارجي، يأتي من قبل أصدقاء النظام، فقد خسروا الرهان، فلا أحد سيدفع مليارات الدولارات لإنقاذ نظام متهالك، ويعرّض نفسه للعقوبات التي تطال من يدعم ذلك النظام، حسب بنود القانون، التي تعاقب من يتعامل مع النظام اقتصادياً. فوجود النظام بات مكلفاً وغير مفيد، حتى لحلفائه المستعدين للتضحية به والتخلي عنه، إذا اقتضت المصلحة.

وللذين ينتظرون إعادة إعمار سوريا، فمن أهم بنود القانون (لا إعادة إعمار بوجود الأسد)، وبهذا يُغلق باب جديد بوجه الأسد ونظامه.

وإن كان الحصار لا يسقط دولاً، حسب زعمهم، وهذا صحيح، لكنه لا ينطبق على الحالة السورية، فسوريا المنهارة اقتصادياً، المدمرة بنيوياً، المحكومة بنظام عاجز عن تسديد فواتير مستحقة الدفع، بالإضافة إلى خلافات أسرة الأسد وأذرعها، على الأموال المنهوبة والفضائح، التي بدأت تطفو على السطح، لدرجة انقسامات طالت الدائرة الطائفية الضيقة المحيطة بالنظام، على خلفية الصراع بين سيدة القصر ورامي مخلوف، الواجهة الاقتصادية للنظام.


وأما عن الحاضنة الشعبية، فها هي المظاهرات تعيد النبض مجدداً للثورة، معلنة تململ ما يسمونه الشارع الموالي، من ممارسات النظام، الذي كان شعاره في بدايات الثورة الجوع أو الركوع، فسياسة التجويع سياسة ممنهجة، يتبعها النظام لتركيع من يثور ضده. فمنذ اعتلاء آل الأسد للسلطة تحولت سوريا إلى مزرعة مستثمرة من قبل النظام.

وهنا تسقط ذريعة من يحاجج أنّ الشعب السوري سيكون أول المتضررين من تبعات قانون قيصر، فقبل قيصر، عانى السوريون من سرقة لقمة عيشهم، وما زالوا، وكما ذكر آنفاً، فإنّ الحالة المتردية التي وصل لها السوري تسبق قانون قيصر، والحصار مورس على السوريين من قِبل النظام، من الغوطة إلى دير الزور، ومن حلب وحمص إلى دمشق.

وإن كان حسب زعمهم أنّ الشعب هو المتضرر، فهل نسوا، أو ربما تناسوا، ملايين النازحين والمهجرين قسرياً، وأبناء المخيمات الذين حاربهم النظام، بسلة إغاثية قادمة من الخارج، وأعاق وصولها إليهم، أليسوا بشعب سوري؟ وهل ملايين اللاجئين في تركيا الذين يعانون من سندان الفقر ومطرقة قوانين العمل الصارمة، ليسوا بسوريين؟ وإن نسوا كل هؤلاء، فكيف لهم أن ينسوا أصحاب صور قيصر ممن قضوا تحت آلة التعذيب الأسدية، ومن تبقى يعاني خلف قضبان الأفرع الأمنية وفي أقبيتها.

نعم قد يعاني سوريو الداخل، الذين يقدّرون بعشرة ملايين نسمة، من أصل أربعة وعشرين مليون من تبعات القانون، فوق معاناتهم من نظام مستعد لحرق ما بقي في سبيل السلطة، ولكن بالوقت ذاته يعطي الأمل بالعودة للملايين من النازحين والمهجرين قسرياً، وسكان المخيمات في تركيا ولبنان والأردن، بالإضافة إلى اللاجئين، في تلك الدول ودول أخرى، من الذين يعانون الفقر وظروف عمل شاقة.


فالشعب السوري اختبر بالسنوات الماضية الحصار والتجويع، كما اختبر في ظلّ نظام الأسد، الابن وقبله الأب، من الإقصاء والتهميش وسرقة مقدرات بلده، لذلك لا متضرر من قانون قيصر، كالنظام الذي سيقف وحيداً بعد أن استنفذ كل محاولات البقاء، ولم يبقَ شيء ليراهن عليه أو يقامر به، فالقانون واضح البنود ولن يتورط حتى داعموه وحلفاؤه بغية الإبقاء عليه.


سيعاني السوريون بشكل مؤقت ريثما يلفظ النظام آخر أنفاسه، بعد أن نُشرت صور من سحب النظام أنفاسهم بآلة إجرامه الوحشية.


ليفانت – عبيدة الجميدة







 



العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!