الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • بين الأسد الأب والابن.. من النديّة الى التبعية والذيلية عار كبير

بين الأسد الأب والابن.. من النديّة الى التبعية والذيلية عار كبير
عبد العزيز مطر

من يقرأ تاريخ العلاقات بين نظام الملالي في إيران ونظام الإستبداد في عهدي الأسد، الأب والابن، لابدّ أن يلاحظ البون الشاسع في طريقة تعامل الطاغيتين مع إيران، فالأول كان تعامله بشكل ندّي ووفق قواعد المصالح المشتركة، سواء اتفقنا معها أو اختلفنا، والثاني كان طريقة تعامل نظامه مع الإيراني وفق قاعدة التبعيه الذيلية المفرطة المسلوبة الإرادة والقرار، المفرطة بكل مفاصل المصلحة الوطنية للدولةالسورية. 


من الإنصاف بمكان، على الرغم مع اختلافنا الشديد مع الحكم الاستبدادي والنهج السلطوي الفردي الذي مارسه الأسد الأب طيلة ثلاثة عقود، لا بد من القول إنّ حافظ الأسد كان سياسياً بارعاً، يمتلك الكثير من مهارات الأداء السياسي المميّز، والقادر على فهم طبيعه الشرق الأوسط، والتوازنات والتحالفات الدولية التي تخص هذه المنطقة، بشكل خاص، وباقي بقاع العالم، بشكل عام، وقد أتقن فن المراوغة السياسية ضمن هذه التوازنات خدمة لبقاء نظامه بالدرجه الأولى، وبدرجة أقل بكثير، خدمة للمصالح الوطنية، وأكبر دليل، خلافاته الكثيرة مع الأنظمه العربية لم تقف حائلاً دون الحصول على معونات اقتصادية ومالية كبيرة، بالرغم من تحالفه الوثيق مع الايراني خصم العرب.


نجح بلعب دور الوسيط بين العرب وإيران في كثير من الأوقات، بالرغم من دعمه سياسياً وعسكرياً لإيران في حربها ضد العراق، الذي كانت الدول العربية وقتها تدعم نظامها. بالتأكيد قدم الأسد الأب نموذج للتحالف مع إيران، القائم على تبادل المصالح والمنفعة المشتركة لكلا النظامين، ولكنه لم يسمح للإيراني طوال فتره حكمه بالسيطرة على سوريا وقرارها، وساعده في ذلك ظروف المنطقة ككل، حيث استطاع الإمساك بالعصا من المنتصف، بين العرب وإيران من جهة، وبين الغرب وإيران من جهة أخرى.


بالتأكيد مشروع الملالي في إيران لم يكن سعيداً بطريقة التعامل الندّي مع الأسد الأب، لأنّها تعتبر سوريا مفتاح تمدد المشروغ الفارسي الإيراني في المنطقة، وكان الأسد الأب أحد عوائق هذا التمدد في الفتره السابقة، ورغم تظاهر الإيرانيين بصداقتهم للأسد الأب، إلا أنّهم كانوا يخشون نظامه، ويعتبرونه حليفاً متضامناً مصلحياً غير مأمون الجانب، وظهر هذا في وقوفه لجانب الدول العربية، والمملكة العربية السعودية في صراعها مع الإيراني، إبان فتره حكمه، وإصراره على النهج العربي القومي الذي يكفل بقاء نظامه ودعم العرب له.


ومع وفاته، تغير كل شيء، وسقط الحاجز الذي وقف طويلاً أمام التمدد الإيراني في المنطقة، لقد سنحت الفرصه للانقضاض على سوريا. صحيح أنّ الأسد الأب تحالف مع المشروع الفارسي خدمة لنظامه، أولاً، وصحيح أنّه أوغل بدم السوريين وحكمهم بيد من حديد، وأخرى من نار، ولكنه لم يسمح لإيران بابتلاع سوريا، فما الذي تغيير بعد عام 2000؟


بالتأكيد إنّه بداية عقد السيطرة الإيرانية في المنطقة العربية عموماً، وبسوريا بشكل خاص، وبدأت حكاية وقصة ومأساة الوريث القاصر، الذي وضع كل مفاتيح سوريا في سلة المصالح والقرار الإيراني، حيث انحدرت العلاقات منذ عام 2000، من علاقة نديّة بين دولتين ونظامين، إلى علاقة نمطية تقوم على استقواء كل طرف بآخر.. لتصل في بدايه2011، إلى شكل من أشكال الهيمنة الإيرانية على غالبية الأداء السياسي والعسكري والاقتصادي لنظام الأسد الابن بأشكاله، الخارجية والداخلية.


ومنذ البداية، وظّفت الماكينة الإعلامية للنظام الإيراني، من وسائل إعلام مسموع ومرئي ومقروء، كل الإمكانيات خدمة لمشروع الهيمنة على سوريا، ودعماً لنظام الأسد القاصر، التابع بما يشبه الاختراق الفكري للمجتمع السوري، وتشكيل وعي شعبي بعيد عن الحقيقة.


كما بدأ المسؤولون الإيرانيون، من رؤوساء ووزراء خارجية وعسكريين، هم المسؤولون عن الحدث السوري وإدارته، وعن القرار السوري المركزي، وعن ملف التفاوض الدولي حول هذا الحدث، وأصبحت الهيمنة الايرانية واضحة على مؤسسات الدولة السورية السيادية، من جيش وحكومة ووزارت، لتصبح إيران هي اللاعب الرئيسي الممسك بلجام نظام الأسد وعصابته، والقادرة على فرض أوراقها على الطاولة والمساومة مع الأطراف الدولية حول ملفات أخرى، ومقايضتها بالشأن السوري، كالملف النووي الإيراني وملف العلاقات الإيرانيه الخليجية.


وتتخذ الهيمنة الإيرانية أشكالاً يصعب التخلص منها دفعة واحدة، وتعدّ حالياً معضلة للأطراف الدولية حول قطع أذرع الأخطبوط الإيراني الذي يلف سوريا ودولاً عربية أخرى، فالجميع يعلم الهيمنة العسكرية الإيرانية على جيش النظام السوري، وتحكّم قيادات الحرس الثوري الإرهابي بمفاصل الجيش السوري وتشكيلاته وأجهزته الأمنية، والانتشار الواسع للميليشيات الشيعية المدعومة والمموله من طهران على الأرض السورية، والتي أصبحت تبعيتها للحرس الثوري، ولاترتبط بأيّ قرار أو تبعية للجيش السوري، أو لتسميتها المستعاره كقوات رديفة أو صديقة لجيش النظام، فهي بالمطلق قوة احتلال، ويدرك الكثيرون أنّ قرار وقف إطلاق النار أو متابعته في سوريا ليس بيد مؤسسات النظام، بل بيد إسماعيل قاني، ومن قبله المجرم سليماني، والبحث يطول عن الهيمنة العسكرية، أما بالنسبه للشأن الاقتصادي، فاستئثار الشركات الإيرانية وانتشارها في سوريا وتوقيعها مع حكومة القاصر عقود تمتد لآجال طويلة، تستنزف الاقتصاد السوري، وهيمنة هذه الشركات على مفاصل الحياة الاقتصادية في سوريا، هو واضح بشكل لا لبس فيه، وبالإضافه للشركات الإيرانية، عمد الحرس الثوري إلى إنشاء مئات الشركات السورية الإيرانية المشتركة الذي يرتبط قرارها وعملها بقرار الحرس الثوري الاقتصادي في سوريا، ولعلّ أبرز وأخطر أشكال الهيمنة الإيرانية، وأكثرها خطورة على الشعب السوري، الهيمنة الثقافية الاجتماعية التي تمارسها أدوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، من ميليشيات وحوزات علمية شيعية، ومراكز ثقافية ومنظمات وجمعيات، تعمل على بثّ سمومها في الجسد السوري، ونسيجه الاجتماعي، وسط حالة من السبات العاجز من حكومة ونظام القاصر التابع.


ولهذا الشكل من الهيمنة عدّة أوجه ستؤثر كثيراً على بنية المجتمع السوري، ونسيجه وسلمه الأهلي على المدى الطويل، ومن هذه الأوجه، التغيير الديمغرافي السكاني الذي تقوم به إيران عن طريق إفراغ المناطق من المكونات المعادية للمشروع الإيراني، وإسكان الميليشيات الشيعية وعوائلهم، ونشر المشروع الإيراني بغطاء ديني مذهبي بغيض، وتعزيز النعرات الطائفية في المجتمع السوري عن طريق افتعال الأحداث والتصرفات التي تثير هذه النزعات والأحقاد ضمن المجتمع السوري.


إنّ الخطوات الأخيرة الذي مضى فيها رأس النظام السوري في التماهي مع التبعيه لإيران، ومشروعها في المنطقة العربية، وصم أذنيه عن النداءات المتكررة للمجتمع الدولي، بضرورة الابتعاد عن الإيراني وإخراجه من سوريا، والتمادي في معاداة المجتمع الدولي عن طريق الردود الاستفزازية، وتعميق التحالف بينه وبين النظام الإيراني، وتوقيع مايسمى وثيقة التعاون والدفاع المشترك، الأمر الذي سينعكس بصورة كارثية ليس على نظامه المارق فحسب، وإنما على الشعب السوري الذي يعاني وعانى من ويلات النظام وارتهانه لقوى إرهابية كالنظام الإيراني، وأدواته الإجرامية، في العراق ولبنان واليمن. 


بالتأكيد، في نهاية المطاف، ستسقط تلك التبعية والارتهان للإيراني، وسيخرج وأدوات مشروعه من المنطقة، وسينتصر الشعب السوري، وينال حريته، ويستعيد قراره الذي رهنه الأسد الابن من أجل كرسي بدون قوائم.


ليفانت – عبد العزيز مطر

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!