الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • بمزيد من التهاوي والانكماش.. الاقتصاد يدفع ثمن سياسات التوسع التركية

بمزيد من التهاوي والانكماش.. الاقتصاد يدفع ثمن سياسات التوسع التركية
الاقتصاد

مع مُواصلة أنقرة مساعيها المحمومة للتوسع في الإقليم، وتحدّي الدول الأوروبية بمشاريع التنقيب عن الغاز شرق المتوسط، الخارجة عن الأطر القانونية، والسعي إلى استعراض عضلاتها بجملة من الانتصارات الوهمية، المتمثّلة في محاولة تغيير هوية معالم تاريخية، وتجييرها لصالح خطابها الشعبوي، الذي يعزف على لحن انتصاراتها الخلبيّة، أمام الخيبة التي تعيشها في الداخل والخارج، على كل الصعد الهامة، والتي تضع مستقبل البلاد بأسرها على المحك، يبدو أنّ تداعيات تلك السياسات وصلت أخيراً إلى لقمة عيش الأتراك، مع استمرار خسارة العملة التركية للمزيد من قيمتها، أمام العملات الأجنبية. سياسات التوسع التركية


تسلسل متوالٍ للخسارة 


ففي الأول من يوليو الماضي، بيّنت معطيات معهد الإحصاءات التركي، ازدياد عجز التجارة الخارجية لتركيا 102.7 في المائة على أساس سنوي، في أيار (مايو) إلى 3.42 مليار دولار، ووفق “رويترز”، تقلّصت صادرات تركيا 40.9 في المائة وانخفضت الواردات 27.8 في المائة مقارنة بأيار (مايو) 2019، وفق ما ذكر المعهد، بفعل تأثير إجراءات احتواء انتشار فيروس كورونا.


وجاء ذلك، عقب أيام من إعلان البنك المركزي التركي، أنّ تبعات جائحة كورونا أدّت إلى توقف شبه تام للاقتصاد التركي، في الربع الثاني من العام الجاري، كما أدّت إلى بعض الزيادة في اتجاهات مؤشرات التضخم الأساسي، لكن لفت إلى بدء التعافي، ابتداء من أيار (مايو)، على حدّ قوله، ومنع البنك على نحو غير متوقع، دورة تيسير نقدي استمرت لما يقرب من عام، من خلال الإبقاء على سعر الفائدة الرئيس دون تغيير عند 8.25 في المائة، وأرجع ذلك إلى ضغوط إلى الجانب التصاعدي للتضخم خلال أزمة جائحة كورونا. سياسات التوسع التركية


وفي الرابع من يوليو، انخفضت الليرة التركية، إلى أدنى مستوياتها، منذ منتصف مايو أيار، عقب أن ذكرت فيتش أنّ البلاد ما تزال تواجه مخاطر تمويل خارجية، وأنّ دورة تيسيرها النقدي اقتربت من النهاية، وذلك بعد أن ازداد التضخم بأكثر من المرجّح، ووفق “رويترز” ختمت العملة، التي وصلت إلى مستوى منخفض قياسي، في السابع من مايو أيار، عند 6.865 مقابل الدولار، وبيّنت معطيات سابقة ، أنّ التضخم قفز بأكثر من المتوقع إلى 12.5 بالمئة، على أساس سنوي، في يونيو حزيران، ليزداد مسافةً عن هدف البنك المركزي ويدفع المحللين إلى التنبؤ بأنّ زيادات في سعر الفائدة تلوح في الأفق.


فيما أشارت وكالة التصنيف الائتماني فيتش، أنّ هناك “احتمالات خفض كبيرة” لتوقعاتها بأنّ ميزان مدفوعات تركيا سيستقر، في النصف الثاني من العام، وذكرت أنّه “ما تزال الضغوط الخارجية نقطة الضعف الائتمانية الرئيسة لتركيا”. سياسات التوسع التركية


تقلّص صناعي وتباطؤ اقتصادي


وفي منتصف يوليو، تقلّص الإنتاج الصناعي التركي بواقع 19.9 بالمئة على أساس سنوي، في مايو، مع استمرار التباطؤ الاقتصادي الحاد الناجم عن إجراءات احتواء تفشي فيروس كورونا، بحسب ما نشرت “رويترز”، وكان من المرجّح في استطلاع نظّمته رويترز تراجع ناتج الصناعات التحويلية 22.5 بالمئة على أساس سنوي، ودوّنت تركيا أول إصابة بالفيروس، في 11 مارس، لتتوقف مصانع عديدة بعدها مباشرة، مما خفّض الإنتاج 31.4 بالمئة في أبريل.


إلا أنّها بدأت تخفيف الإغلاق العام، في مايو أيار، ومقارنة مع الشهر السابق، تضاعف الإنتاج الصناعي 17.4 بالمئة في مايو، تبعاً للأرقام الصادرة عن معهد الإحصاء التركي، فيما عاشت الليرة التركية نهاية يوليو، انخفاضاً في قيمتها أمام العملات الأجنبية أثناء تداولات الثامن والعشرين من ذلك الشهر، ليدنو الدولار الأمريكي من حاجز 7 ليرات تركية مجدداً، ويكرّر شبح انهيار الليرة مرة أخرى، حيث تقلّصت الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، وسجلت 6.96 ليرة للدولار الواحد، وأيضاً ارتفع اليورو إلى 8.21 ليرة.


 


وقد اعتبر محللون خسائر الليرة التركية في التعاملات الخارجية، بأنّها تعكس ضغوط بيع مكبوتة نتيجة تدخل الدولة، باهظ التكلفة للحفاظ على استقرار العملة، إذ دنّت الليرة التركية من مستوى قياسي منخفض، عقب أن هوت 2 في المائة خلال دقائق، في السادس والعشرين من يوليو، فيما كانت الليرة قد انخفضت بنحو 7 في المائة مقابل اليورو خلال شهرين، وتبعاً لحسابات مصرفيين ومحللين، فإنّ تكلفة ما يطلق عليه التدخل في سعر الصرف وصلت إلى قرابة مائة مليار دولار منذ أن باشرت، في أوائل العام الماضي، لتخفض احتياطي النقد الأجنبي للبنك المركزي، بينما تدنّى إجمالي احتياطي النقد الأجنبي إلى 49 مليار دولار من 81 ملياراً هذا العام، وأدّى ذلك إلى جانب التيسير الشديد للسياسة النقدية وتقلص حاد لأسعار الفائدة الحقيقية إلى إثارة مخاوف من تنامي العجز في المعاملات الجارية لتركيا.


المعارضة تدق ناقوس الخطر


جملة المعلومات تلك، دفعت المعارضة التركية، اليوم الاثنين، إلى التحذير من أنّ اقتصاد البلاد يمر بأزمة حرجة وغير مسبوقة، رغم محاولات حكومة العدالة والتنمية تصوير الوضع الاقتصادي على أنّه مستقر، حيث نفى رئيس سياسات التنمية في حزب الخير التركي، إسماعيل تاتلي أوغلو، أن يكون الاقتصاد التركي قد تعافى، قائلا إنه ما يزال يمر بفترة حرجة.


وبحسب موقع “أحوال” التركي، فإنّ معدلات البطالة والنمو التي كشفت عنها هيئة الإحصاء، أكدت أنّ اقتصاد البلاد شهد أسوأ فترة له بين عامي 2015 و2020، ونبّه تاتلي من استنزاف إمكانات البلاد، خلال السنوات الأخيرة، لأنّ أنقرة صارت تتجه نحو الهبوط، وليس الصعود، فيما قال نائب رئيس السياسات الاقتصادية بالحزب، جام أوبا، إنّ احتياطي تركيا يتراجع شهريا بنحو 5 مليارات دولار، وأضاف أنّ احتياطيات البنوك أصبحت تقدر بين 40 و50 مليار دولار، عند استثناء الالتزامات الإجبارية.


وأورد المعارض التركي، أنّ هذا الاحتياطي سيمكّن البنوك من المضي قدماً لفترة تصل في أقصى الحدود إلى ثمانية أشهر، وأردف أوبا أنّ عملية تدفق رؤوس الأموال الأجنبية على تركيا توقفت، مفيداً بأنّه لا يمكن مواصلة عملية انصهار الاحتياطي النقدي.


 


ويأتي ذلك، فيما كان قد قال زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كليجدار أوغلو، في الأسبوع الماضي، إنّ تركيا تعيش أسوأ الأزمات في تاريخها، حيث انتقد ما وصفها بالسياسة الفاشلة للحكومة في إدارة الاقتصاد وتبديدها أكثر من 2 ترليون دولار، لافتاً إلى أنّه لا أحد يعرف أين أنفق هذا المبلغ الضخم، فيما تواجه تركيا أزمة ديون كبيرة جداً، موضحاً خلال مؤتمر صحفي، أنّ استقلال الاقتصاد التركي يواجه خطراً كبيراً جداً، متابعاً: “نحن نعيش حقبة تبعيّة القضاء للقصر الرئاسي، ومعاً سنهدم الجدار الذي يمنعنا من الوصول إلى العدالة”. سياسات التوسع التركية


وعليه، يبدو أنّ أياماً عصيبة تنتظر القيادة التركية، التي لا تستطيع تحمل أي مفاجئات اقتصادية، خاصة مع دعوة بعض المشرّعين الأمريكيين للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لمُحاسبة أنقرة على شراء الصواريخ الروسية، وإن كان ترامب صديقاً لتركيا ويُحاول التبرير لها وعدم الإضرار بها، فإنّ الطامة الكبرى ستكون لتركيا، لو خسر ترامب في الثالث من نوفمبر القادم، المعركة الانتخابية لصالح جو بايدن، الذي من المُرجح أنّه سينتهج طريقاً مُغايرة تماماً لنهج ترامب، ما قد يحمل لأنقرة هزّات اقتصادية وسياسية، ستكون عاجزة غالباً عن تحمل ارتداداتها.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!